نظرية جديدة للأداء العالي

إنَّ الاعتقاد أنَّ النجاح يأتي من الموهبة التي يمنحنا إياها الله أمر مثبط للعزيمة، فماذا لو لم تكن موهوباً؟ ونظراً لأنَّ الباحثين يحبون إجراء دراسات عن الأشخاص المتفوقين، فإنَّنا نعلم أنَّ الغالبية العظمى من الإنجازات لا تحدث بسبب المواهب الفطرية بقدر ما تحدث بسبب العمل الجاد والشغف. من خلال السطور التالية سوف نتعرف على نظرية الأداء العالي فتابعوا معنا.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة كريستين كارتر ( CHRISTINE CARTER)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في تحقيق النجاح.

كنَّا نعتقد أنَّ الناس ناجحون بسبب تركيبتهم الوراثية، ومواهبهم وشغفهم الفطري، وقد أطلقنا عليهم اسم “الموهوبين”، وافترضنا أنَّ نجاحهم جاء من مواهب منحها الله لهم أكثر من بذلهم للجهد.

إنَّ الاعتقاد أنَّ النجاح يأتي من الموهبة التي يمنحنا إياها الله أمر مثبط للعزيمة، فماذا لو لم تكن موهوباً؟ ونظراً لأنَّ الباحثين يحبون إجراء دراسات عن الأشخاص المتفوقين، فإنَّنا نعلم أنَّ الغالبية العظمى من الإنجازات لا تحدث بسبب المواهب الفطرية بقدر ما تحدث بسبب العمل الجاد والشغف.

تمتلك أنجيلا دكوورث (Angela Duckworth)، عالمة النفس الشهيرة نظرية حول النجاح، وقد عرَّفت العزيمة لأول مرة على أنَّها المثابرة والشغف لتحقيق أهداف طويلة الأمد، فبدلاً من رؤية الإنجاز على أنَّه مجرد نتيجة ثانوية لمعدل الذكاء أو الموهبة الفطرية، ترى دكوورث أنَّ الإنجاز ناتج عن المهارة والجهد (الإنجاز= المهارة × الجهد)، بالطريقة نفسها التي نحسب بها (المسافة= السرعة × الوقت)، وقد شرحت فكرتها كما يلي:

المسافة هي تشبيه مناسب للإنجاز، ولكن ما هو الإنجاز؟ هو التقدم من نقطة البداية نحو تحقيق الهدف، وكلَّما كان الهدف بعيداً عن نقطة البداية، زاد الإنجاز، تماماً وكما تُعدُّ المسافة ناتج جداء السرعة بالوقت، فإنَّ الإنجاز هو ناتج جداء المهارة بالجهد.

يمكن لبذل الكثير من الجهد أن يعوِّض عن المهارة البسيطة، تماماً كما يمكن لامتلاك مهارة مذهلة أن يعوض عن بذل القليل من الجهد، ولكن ليس إذا كان أي منهما منعدماً، توصَّل الباحثون في مختلف المجالات إلى نتائج ثابتة بصورة ملحوظة تدعم نظرية دكوورث؛ حيث وجدوا أنَّ القدرة الفطرية ليس لها علاقة تُذكَر بالسبب الذي يجعل الناس يتحولون من مجرد أشخاص جيدين في أمر ما، إلى أشخاص عظيمين فعلاً.

ومن الصعب على معظمنا تصديق ذلك، لكن أظهر عالم النفس ك. أنديرس إريكسون (K. Anders Ericsson)، ومؤلف العديد من الدراسات البارزة حول هذا الموضوع، أنَّه حتى معظم الميزات الجسدية – مثل الرياضيين الذين لديهم قلوب أكبر أو ألياف عضلية سريعة التشنج أو مفاصل أكثر مرونة، هي أمور تبدو وراثية أكثر بصورة لا يمكن إنكارها – هي في الواقع نتيجة لأنواع معينة من الجهد، حتى المهارات الخارقة، مثل المهارة المثالية لدى الموسيقيين البارزين؛ فقد ثبت أنَّها تنمو بالتدريب أكثر من كونها موهبة فطرية؛ وقد يصعب تصديق هذا الأمر، لكنَّه صحيح تماماً.

لا يقتصر الأمر على مجرد إنجاز قديم من شأنه أن يبني المهارات المناسبة ويؤدي إلى أداء عالي؛ حيث يميل الأشخاص الذين يرتقون إلى مستوى العظمة إلى امتلاك ثلاثة أمور مشتركة وهي:

  1. الممارسة والاستراحة بصورة متعمدة مع مرور الوقت.
  2. الممارسة المدفوعة بالشغف والاهتمام الذاتي.
  3. مواجهة الشدائد لتحقيق النجاح.

هذه الأمور الثلاثة معاً هي أساس العزيمة، في هذا المقال، سأوجه التركيز على أهمية الممارسة المتعمدة والمستمرة.

الممارسة المتأنية:

يعتمد أصحاب الأداء العالي على الممارسة اعتماداً محدداً؛ حيث يقضي الأشخاص أصحاب الإنجاز الكثير من الساعات في الممارسة المتأنِّية؛ فهذا الأمر لا يعني العزف على البيانو لأنَّه ممتع؛ وإنَّما هي ممارسة متأنِّية للوصول إلى أهداف محددة، على سبيل المثال، القدرة على عزف مقطوعة تتجاوز قدراتهم، في البداية، يجب عليهم ممارسة معزوفة جديدة وتكرارها مرات عدة.

وللأسف، فإنَّ الممارسة المتأنِّية ليست دائماً ممتعة؛ بل هي أبعد ما تكون عن ذلك، في الواقع، إنَّ رغبة أصحاب الأداء العالي في المشاركة في ممارسة صعبة أو مملة جداً في كثير من الأحيان، هي التي تميز الأشخاص الجيدين في النشاط الذي يختارونه عن الأشخاص الأفضل في هذا النشاط.

على سبيل المثال، يوجد طرائق عدة لتعلُّم طريقة تهجئة الكلمات، وإحدى الطرائق هي ببساطة الانتباه إلى الكلمات عندما تُقرأ من أجل المتعة، ويوجد طريقة أخرى؛ وهي أن تجعل أصدقاءك وعائلتك يختبرونك، أو الطريقة الثالثة التي تتمثل في دراسة قائمة طويلة من الكلمات وحدك.

في النهاية، اتضح أنَّ الطريقة الأكثر فاعلية لتصبح مميزاً في التهجئة هي الخيار الثالث، الدراسة الفردية.

تساعد المثابرة والشغف لتحقيق أهداف طويلة الأمد الناس على الاستمرار في الدراسة الفردية، فهي أكثر فاعلية بكثير من الطرائق الأخرى؛ حيث تمنحنا العزيمة القدرة على ممارسة الأمور المناسبة، بدلاً من مجرد ممارسة ما هو ممتع.

الممارسة المستمرة:

يعتمد أصحاب الأداء العالي على الممارسة المستمرة أيضاً لفترة طويلة، يقول إريكسون: “إنَّ أصحاب الأداء العالي يعتمدون على الممارسة في العديد من المجالات، ويستخدمونها تقريباً يومياً، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع”، إنَّ قضاء نصف ساعة في الركض خلال عطلة نهاية الأسبوع لن يجعلك عدَّاءً جيداً، ولكنَّ التدريب يومياً قد يساعدك على ذلك، ولن يجعلك الانغماس في الألوان من حين لآخر فناناً متميزاً، ولكنَّ التدرب على الرسم يوماً لمدة من الزمن قد يحقق ذلك.

يكتسب البارعون الحقيقيون خبرةً على الأمد الطويل، وتحديداً خلال مدة 10 سنوات من العمل المتفاني، أو بعد 10000 ساعة من العمل، وقد تَحدَّث الصحفي مالكولم جلادويل (Malcolm Gladwell)، في كتابه “المتميزون” (Outliers) الأكثر مبيعاً حول العالم عن قاعدة العشر سنوات المشهورة؛ حيث وضَّح أبحاث إريكسون توضيحاً رائعاً؛ حيث إنَّ معظم الأشخاص الناجحين يقضون وسطياً 10 سنوات في الممارسة والتجربة وامتلاك الخبرة قبل أن يصبحوا أشخاصاً منجزين فعلاً، وحتى الأطفال العباقرة يتدربون لمدة 10 سنوات أو أكثر، لقد أصبح بوبي فيشر (Bobby Fischer) محترفاً في لعبة الشطرنج بعمر 16 عاماً، لكنَّه كان يتدرب منذ أن كان في السابعة من عمره، كما كان تايجر وودز (Tiger Woods) يتدرب على لعبة الجولف لمدة 15 عاماً قبل أن يصبح أصغر رابح ببطولة الهواة الأمريكية.

في النهاية، يوجد أمر آخر: عندما يسعى الأشخاص إلى تحقيق أهم أهدافهم وأولوياتهم يعتمدون على الممارسة المتأنِّية والمستمرة، وعلى الراحة الاستراتيجية – الراحة الاستراتيجية تدور حول العيش بعمق، حتى في أثناء العمل الجاد – وهذا عنصر أساسي للنجاح، وغالباً ما نتغاضى عنه في ثقافتنا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!