ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إدواردو كامبانيلا* – (فورين بوليسي) 219/10/2020
وراء في أيار (مايو) 2016، عندما كان ما يزال منافسًا غير محتمل في السباق الرئاسي في ذلك العام، أعلن دونالد ترامب أن ما تسمى الهيمنة في مجال الطاقة هي هدف سياسي استراتيجي للولايات المتحدة. وبعد بضعة أشهر، عرّف ثلاثة من كبار مسؤوليه، بمن فيهم وزير الطاقة السابق ريك بيري، هذا المفهوم بأنه يعني “دولة آمنة تعتمد على نفسها، خالية من الاضطرابات الجيوسياسية التي تعاني منها الدول الأخرى التي تسعى إلى استخدام الطاقة كسلاح اقتصادي”.
بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، بدأ ترامب حملة شرسة لإلغاء القواعد التنظيمية التي أعاقت الإنتاج المحلي للنفط، فاتحاً المزيد من الأراضي الفيدرالية والمناطق البحرية للحفر، مع إزالة اللوائح البيئية. وفي أيلول (ديسمبر) 2017، بعد بضعة أشهر من إعلانه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، أوضح الرئيس من خلال “وثيقة استراتيجية الأمن القومي” التي وضعها أن هيمنة الطاقة لن تكون قابلة للتوفيق مع مكافحة الاحتباس الحراري، وأن الولايات المتحدة ستركز بدلاً من ذلك، على مواجهة “أجندة الطاقة المناهضة للنمو والتي تضر بالاقتصاد الأميركي ومصالح أمن الطاقة في البلد”.
الآن، إذا أعيد انتخابه، سوف يظل ترامب نعمةً لصناعة النفط المحلية. وسيواصل جهود إزالة القيود التي ميّزت ولايته الأولى، مع الاحتفاظ ببعض النفوذ على كارتيل (أوبك+) من خلال صلاته القوية بالقيادة السعودية لمنع الأسعار من الانخفاض إلى ما دون نقطة معينة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن حكومة يرأسها نائب الرئيس السابق جو بايدن، المنافس الديمقراطي لترامب، ستضع المناخ والبيئة في قلب جدول أعمالها السياسي من خلال تعزيز الاستثمارات الخضراء، وإعادة تنظيم صناعة النفط الصخري، ومعاودة الانضمام إلى اتفاق باريس. ومن المرجح أن ينظر المستثمرون إلى حملة إدارته من أجل إقرار “صفقة خضراء جديدة” على أنها إيذان بنهاية عصر طاقة يهيمن عليه النفط، ما يؤدي إلى اتجاه هبوطي لأسعار النفط والذي سيكون من شأنه أن يُحدث تحوُّلاً في عالم الطاقة.
* * *
تعكس مقاربات المرشحَين المتباينة لمسألة تغير المناخ المواقف المختلفة جذريًا للناخبين الجمهوريين والديمقراطيين تجاه هذه القضية. ووفقًا لاستطلاع حديث أجراه “مركز بيو”، فإن نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن تغير المناخ العالمي يمثل تهديدًا رئيسيًا لرفاهية الولايات المتحدة قد ارتفعت من 44 بالمائة في العام 2009 إلى 60 بالمائة في العام 2019. لكنَّ تزايد مشاعر القلق جاء في الأساس من الديمقراطيين. وما يزال الرأي السائد بين الجمهوريين حول هذه القضية من دون تغيير إلى حد كبير. ويعتبر حوالي تسعة من كل عشرة ديمقراطيين (88 بالمائة) تغير المناخ تهديدًا رئيسيًا للأمة، مقابل ثلاثة جمهوريين فقط من كل عشرة، (31 بالمائة).
بالنظر إلى مشاعر قاعدته الانتخابية، كان ترامب قادرًا على العيش في حالة إنكار لظاهرة الاحتباس الحراري، وتهدئة منتجي النفط في الدوائر الانتخابية الرئيسية التي تتتميز بتواجد كثيف للطاقة، ومقاومة اتجاه المجتمع الدولي إلى السيطرة على انبعاثات الكربون، وتشويه سمعة العلم ونزع أهليته. وقد وصف ترامب تغير المناخ بأنه “خدعة باهظة الثمن”. ووفقًا لمعهد بروكينغز، فقد تبنت إدارة ترامب منذ العام 2017 نحو 74 إجراءً تحرريًا من اللوائح، والتي أضعفت حماية البيئة. ومع ذلك، كما يقول العدد الأخير من تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن صندوق النقد الدولي، فإن كل عقد على التوالي منذ الثمانينيات كان أكثر دفئًا من العقد السابق؛ وكانت الأعوام 2015-2019 هي الفترة الأكثر دفئًا على الإطلاق؛ وكان العام 2019 على الأرجح ثاني أكثر الأعوام المسجلة دفئًا على الإطلاق.
لكي نكون منصفين، ينبغي تذكر أن عدم التزام الولايات المتحدة بإزالة الكربون يسبق رئاسة ترامب. بين العامين 1970 و2008، كان نصيب الفرد من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة بشكل ثابت أكثر من ضعف نظيره من الانبعاثات للفرد في الاتحاد الأوروبي. وكان فقط خلال العقد الماضي حين انخفضت الانبعاثات في الولايات المتحدة بشكل كبير، لكن الفجوة مع أوروبا ما تزال واسعة. ومن المرجح أن تتسع الفجوة في ظل ولاية ثانية لترامب، والتي يغلب أن تظل هيمنة الطاقة فيها مبدأ إرشاديًا.
من أجل تعظيم الإنتاج المحلي، من المرجح أن يحاول ترامب إكمال أجندته المتعلقة بإلغاء القيود التنظيمية وتقييد حق الولايات الأميركية في تجاوز الحد الأدنى من المعايير البيئية الفيدرالية. وسوف يعطي لإنتاج الوقود الأحفوري المحلي الموسع الأولوية على مصادر الطاقة المتجددة، ويمنح موافقات جديدة لإنشاء البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال. وستكون سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ضرورية لدفع هذه المبادرات، وعلى الأخص في تأكيد تعيين المعيَّنين السياسيين الرئيسيين في الوكالات الفيدرالية المسؤولة عن إجراءات إزالة الأنظمة واللوائح.
أما في حال فوز بايدن، فإن الصفقة الخضراء الجديدة الخاصة به، والتي تهدف إلى أن تحقق الولايات المتحدة صافي انبعاثات صفري في موعد لا يتجاوز العام 2050، ستشكل رئاسته بالكامل أبعد من نطاق الطاقة. على الصعيد المالي، وعد بايدن باستثمار 1.7 تريليون دولار في مشاريع تهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد الأميركي. وعلى وجه الخصوص، دعا بايدن إلى استثمارات ضخمة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحسين كفاءة الطاقة وفرض معايير الكهرباء النظيفة. كما وعد بإطلاق الثورة الكبرى الثانية للسكك الحديدية؛ حيث يتم الاستثمار في القطارات عالية السرعة وجعل القطارات بديلاً أفضل للشاحنات عندما يتعلق الأمر بنقل البضائع. وعلاوة على ذلك، وعد بايدن بحظر إصدار تصاريح حفر جديدة على الأراضي الفيدرالية وفي المياه الفيدرالية.
من المحتمل أيضًا أن تصبح الحرب ضد تغير المناخ جزءا لا يتجزأ من سياسة بايدن الخارجية. وقد تعهد بالانضمام إلى اتفاقية باريس، ووعد بأنه لن يسمح لدول مثل الصين “بالتلاعب بالنظام من خلال أن تصبح اقتصادات وُجهة للملوثين”. وفي غضون ذلك، سيهدف اتخاذ تدابير مثل وضع التعريفات الجمركية على الكربون إلى كل من تعزيز القدرة التنافسية العالمية للشركات الأميركية؛ وتشجيع بقية العالم على الانتقال إلى مصادر طاقة أنظف. كما طالب بايدن بفرض حظر عالمي على دعم الوقود الأحفوري، وإنشاء صادرات للطاقة النظيفة ومبادرات للاستثمار في المناخ لنشر أفضل الممارسات والتقنيات في جميع أنحاء العالم.
في نهاية المطاف، سوف تعتمد قدرة بايدن على الضغط من أجل تطبيق “الصفقة الخضراء الجديدة” الخاصة به بشدة على ما إذا كان الديمقراطيون سيسيطرون بالكامل على الكونغرس، لأن الكثير من تفاصيل خطته تتصور إنفاقًا عامًا جديدًا يحتاج إلى موافقة الكونغرس. ومع ذلك، حتى مع افتراض تحقق ما يسمى سيناريو الموجة الزرقاء؛ حيث يفوز الديمقراطيون بكل من الكونغرس والبيت الأبيض، فإن تحوُّل الطاقة سيستغرق أعواما عدة حتى يتحقق -مع وجود الكثير من عدم اليقين الذي يحيط بتطبيقه بشكل كامل، والذي قد يمتد إلى ما بعد فترة يرأسها بايدن.
من المحتمل أن لا تعني إعادة تنظيم صناعة النفط الصخري فرض حظر على مستوى الدولة على التكسير الهيدروليكي -كما قد يدعو بعض من أكثر الأحزاب تقدمية في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي. وقد صرح بايدن مرارًا وتكرارًا بأنه لن يحظر سوى استخدام هذه التقنيات للحفر على الأراضي الفيدرالية، والتي تمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي مناطق استخراج النفط والغاز. وعلاوة على ذلك، وفيما ينطوي على بعض المفارقة، من أجل تخضير الاقتصاد الأميركي، يمكن أن يتلقى الطلب على النفط في الولايات المتحدة دفعة كبيرة، بما أن النفط سيظل يشكل مصدر الطاقة للعديد من المشاريع الاستثمارية التي يعد بها بايدن. سوف يظل بناء مثل هذه البنية التحتية يتطلب استخدام معدات تعمل بالنفط، على سبيل المثال.
أخيرًا، على الرغم من أن صفقة بايدن الخضراء الجديدة تركز بشدة على التدخل الحكومي، فإن الانتقال الأخضر الناجح يتطلب التزامًا من الأميركيين بتغيير أسلوب معيشتهم. وهناك جزء كبير من السكان الأميركيين الذين يعارضون القيام بذلك.
* * *
كنتيجة مباشرة لإطار سياسة ترامب لهيمنة الطاقة، سوف يزداد إنتاج الخام المحلي بينما تنخفض أسعار النفط. ومن المحتمل أن يحاول ترامب احتواء ضغوط الأسعار الهبوطية من خلال التأثير على (أوبك+) كما فعل خلال فترة ولايته الأولى من خلال دبلوماسيته الملتهبة على “تويتر”. وينبع نفوذه على الكارتل بشكل أساسي من قدرته على ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على القيادة السعودية بفضل موقفه المتشدد ضد إيران. ومع ذلك، قد يتعرض نفوذه هذه المرة للخطر بسبب أزمة “كوفيد-19” التي تخلق تحديات هائلة للبلدان المعتمدة على الطاقة في وقت يكافح فيه الطلب للعودة إلى وضعه الطبيعي.
وعلى النقيض من ذلك، ستؤثر الصفقة الخضراء الجديدة لبايدن على المنتجين الأميركيين؛ حيث تقوم بتقييد الإنتاج وممارسة ضغط تصاعدي على الأسعار -على الأقل أثناء الانتقال نحو اقتصاد أكثر اخضرارًا عندما يظل الطلب على الوقود الأحفوري قويًا. وسيؤدي الانكماش في الاستثمارات المتعلقة بالنفط المسجل في الأشهر القليلة الماضية إلى تعقيد ديناميات الأسعار. ولكن، قد يتم، على المدى القصير، تعويض ارتفاع أسعار النفط جزئيًا من خلال نهج بايدن التصالحي تجاه إيران وفنزويلا، والذي قد يجلب حوالي 3 مليونات برميل في اليوم من الإمدادات الإضافية إلى السوق العالمية.
على الرغم من هذه التقلبات قصيرة الأجل في الأسعار، من المرجح أن يُنظر إلى رئاسة يقودها بايدن على أنها تغيير للنظام في صناعة النفط، والتي ستُطلق تدريجياً دوامة هبوط عالمية لأسعار النفط. ولأول مرة، ستكون ذروة النفط في مرمى النظر حقًا. وقد يضع المستثمرون في اعتبارهم لدى التسعير تغييراً هيكلياً يحدث في الصناعة بسبب التحول المتزايد في الطلب نحو الطاقة النظيفة. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تؤثر الصفقة الخضراء الجديدة على ظروف السوق خارج الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى ثورة خضراء على نطاق عالمي (في أوروبا، بدأت بالفعل) خاصة إذا دخلت المعايير البيئية في السياسة التجارية الأميركية.
بعبارات أخرى، قد لا يكون الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) نهاية حقبة ترامب فقط. إذا فاز بايدن، فإنه سيعني نهاية هيمنة النفط أيضًا.

*Edoardo Campanella: زميل “عالم المستقبل” في مركز حوكمة التغيير بجامعة “آي. إي” في مدريد، والمؤلف المشارك، مع مارتا داسو، لكتاب Anglo Nostalgia: The Politics of Emotion in a Fractured West.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The End of Oil Supremacy