هل سيكون الحصاد صفرًا؟

هل سيكون الحصاد صفرا أخطأ الإسلاميون الذين صعدوا إلى سدة الحكم بعد ثورات الربيع العربىمصر خطأ كبيرا بعدم الحسم فى الاختيار بين عقد تسوية مع النظام القديم الذى كان موجودا بكل قده وقديده رغم إزاحة رأسه الكبيرة تجربة جنوب إفريقيا أو السير فى خيار الثورة إلى نهايته باعتبار أن الثورة هي التغيير المفاجئ السريع..

هل سيكون الحصاد صفرًا؟

أخطأ الإسلاميون الذين صعدوا إلى سدة الحكم بعد ثورات الربيع العربى(مصر) خطأً كبيرًا بعدم الحسم فى الاختيار بين عقد تسوية مع النظام القديم الذى كان موجودًا بكل قده وقديده رغم إزاحة رأسه الكبيرة (تجربة جنوب إفريقيا) أو السير فى خيار الثورة إلى نهايته باعتبار أن الثورة هي التغيير المفاجئ السريع بعيد الأثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الأحوال القائمة في المجتمع وذلك بإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذريًا.. لم يحدث هذا ولا ذاك.. إذ مهما قيل عن الثورة وقوانينها فإن الموضوع الأساسي لها هو الإنسان.. الإنسان عند القمم وعند السفوح وفوق القاع.. الإنسان بكل مواريثه ونزعاته وطموحاته وغرائزه.. ثم الزمن اللازم لإنضاج تجاربه وتمهيد الطرق الوعرة إلى مطالبه.. حتى بتنا أمام مشهد متناقض وغير قابل للاستمرار.. (ذلك الحلم و أوهامه).

ورغم أنه لا يمكن الركون للتفسير التآمري فقط والذى لا يمكن إغفاله.. إلا أنه من السذاجة المفرطة تصور أن عالم السياسة يخلو من الدسائس الخفية والظاهرة وعلينا بأريحية شديدة أن نسلم بأن ثورات الربيع العربي قد خضعت لخطة مدروسة لاحتواء تأثيرها ونتائجها.. وقد بدت هذه الخطة واضحة فى الغواية التاريخية الكبرى للإسلاميين بمسألة (السلطة والحكم) كون تطبيقها -هذه الخطة- كان له سابقة تاريخية قريبة.. الأمر الذى وفر لهم أجواء الانقضاض الآمن.. والتاريخ لا يعيد نفسه إلا عند من لا يقرؤونه.. وأعنى تجربة مصدق فى إيران. ولا أدرى كيف فات عليهم قراءة هذه التجربة والاعتبار بها والسعيد من اعتبر بغيره كما يقولون.. وهكذا فقد الرواد فى ذلك المنعطف التاريخى الاتجاه وانفصل القطار عن مقطورته التاريخية الحضارية التى بقيت فى محطة القيام.

كانت تجربة الانقضاض على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق سنة 1953 بعد سنتين فقط من حكمه.. تجربة جديدة على الأجهزة لكنها توفرت لها كل عوامل النجاح فنجحت.. ووقع الانقلاب على حكومة الزعيم الإيراني محمد مصدق(19/8) وعاد الشاه..!! وتم وضع الخطة الناجحة فى الأدراج إذ قد تأتى الحاجة يومًا ما إليها وقد أتت..
القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها أمريكا بالطبع لها مراس طويل في احتواء الثورات والحركات السياسية والاجتماعية الجذرية وخنق الثورات في مهدها وقبل أن يقوى عودها..

وقد لعبت مراكز الأبحاث والتفكير في الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص دورًا متقدمًا في تزويد صانع القرار في واشنطن والعواصم الأوروبية بآليات ومناهج احتواء هذه الثورات وترويضها..

أدركت هذه القوى أن هناك معطيات جديدة بصدد التشكل على الأرض العربية.. ولها طابع حضارى وتاريخى ضخم.. وستؤدى إلى تغيير جذرى فى واقع العلاقة التاريخية بين الشرق الإسلامى والغرب المسيحى.. سيظهر اسم صموئيل هنتجتون كثيرًا فى أروقة ودهاليز مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار.. وسيتأكد لديهم أنه من الصعب مواجهة ما يحدث الآن.. بالطرق التقليدية فى القمع.. وانتهت كل الآراء إلى أن التعامل مع ما يجرى الآن يجب أن يتسم بقدر كبير من (البراجماتية) عبر سياسة احتواء ناعمة ومسايرة للموجة إلى حين فهم كل مكوناتها وطبيعة تشكلها.. ولم تكن المسألة معقدة وكانوا لسوء الحظ لديهم تجربة سابقة.. فقط كان المطلوب استيفاء كل مكوناتها.. وكان أهم مكون كما ذكرت (غواية الحكم والسلطة).. وفيكم سمّاعون لهم.. وما من شيء أشد خداعًا من تحول الأوهام إلى رغبات ومن تحول الرغبات إلى ضرورات (نفر إلى الشراب إذا غصصنا فكيف إذا غصصنا بالشراب).

وهكذا اختارت هذه الدول فتح جسور تواصل مع القوى الجديدة التي صعدت إلى سدة الحكم بعد انتخابات حرة انتزعتها الشعوب(ظاهريًا) انتزاعًا من بين أنياب الدولة العميقة.. فى الوقت الذى كانت تعمل فيه بلا انقطاع على كبح جماح عملية التغيير الحضارى الضخم الذى بدأت بواكيره.. والحيلولة دون ذهابه بعيدًا إلى الحد الذى قد يصعب بعدها السيطرة على تداعياته وآثاره…

الموقف الأشد ضراوة.. تجاه التشكل الجديد.. جاء من بعض الدول العربية ومعها إسرائيل بالطبع التي لم تخف من الأسابيع الأولى عداءها وتبرمها من هذه الثورات فبدأت هذه الدول على الفور فى الإعداد لمواجهتها فى عقر دارها وقبل أن تقترب من عتباتها. وبدت محكومة فى هذه المواجهة بغريزة الحياة أو الموت ضمن معادلة صفرية حادة مفادها إما نحن أو هم.. مما دفعها للذهاب في سياستها التدميرية للنهاية إلى حد التفكير في الإطاحة بحكم أردوغان وإفساد الديمقراطية التركية بالمرة وإذا ضربت فأوجع فإن الملامة واحدة.. ولكن هيهات فصاحبنا فى تركيا كان قد قطع شوطًا بعيدًا فى مساره.. والتزامن بين أحداث مصر الأخيرة وما يجرى فى تركيا ليس مصادفة وقلنا كثيرًا إن المصادفة تكون فى السياسة لدى المغفلين فقط..

والتقت كل النوايا على أن هذا هو أكثر الأوقات ملائمة لغلق هذا الملف نهائيًا وإلى الأبد.. ملف الديمقراطية وحق الشعوب فى اختيار حكامها ومحاسبتهم.. ومعه ملف الإسلام الإصلاحى الذى يمثل الرافعة الكبرى فى قصة المطالبة التاريخية بالحكم الرشيد.. أما السلاح السحري الذي تم استخدامه في مواجهة كل ذلك فهو توظيف المال والإعلام والدعاية الكاذبة وتحريض قوى الثورة المضادة لإيقاف عقارب ساعة الزمن وتعطيل مسار التاريخ.. وليست موجة الارتداد القوية التي نشهدها اليوم وما رافقها من توحش وممارسة أقسى أنواع القمع والقتل في أكثر البلاد العربية ثقلًا وتأثيرًا إلا دليلًا قاطعًا على كل ذلك.

المنطقة العربية كلها بصدد تحول كبير سيأخذ وقتًا قد يطول أو يقصر والأرجح أن تستغرق عملية التغيير سنوات طويلة من الكر والفر إلى أن تستعيد المنطقة كلها توازنها واستقرارها على أسس جديدة قوامها الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى.. الثورة الفرنسية لم تستقر مبادئها وقيمها إلا بعد أن مرت بمرحلة حالكة كانت المقصلة وروبسبير هما رمزاها البارزان..

من الوهم تصور أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورات العربية.. أو أن تستسلم الشعوب لسطوة القوة المفرطة والدعاية المضللة.. وإذا كان الإسلاميون يسددون الآن ثمنًا غاليًا للقيام بعمل قبل لحظته المناسبة المحددة… فمن سيسدد عن الشعب ثمن الأيام القادمة؟

جاء الصباح وجاءت معه ضرورة تدبير الأمر… ولننتظر ونرى.. كيف أن الدخول في أمر يختلف كثيرًا عن الخروج منه..
فلم تكن القصة نزهة عند آخرالطريق. 

 

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!