ورشة الأمل باب المحرق المفتوح

هكذا كتب الشاعر قاسم حداد نص المحرق حينما حوّل بحرها وماءها ورداً ولغة شعرية وسردية مدونة بين سندان الحداد ومطرقة الطارق، فنص الشاعر نفسه دوّنه لكل من وضع خده على تراب المحرق، أو نام قرب شاطئ بحرها، إن النص الذي حفر الذاكرة منذ الطفولة المزهوة المزغردة للقادم كان ولايزال علامة شامخة في سماء المحرق، أما الطفولة التي كانت تزغرد للقادم هي طفولة جاءت من شرفات الكلام، ومن نوافذ المارة، ومن بين خيوط الظلام في ليالي رمضان،

نص الأمل كان ورشة يقرأها أهل المحرق في ليالي الأصيل، يقرأ المحرق كتاب البحر الذي فرح به قاسم، وتتصفح المحرق دفاتر العذاب التي كانت تعبد شوارع المحرق، لذلك هي ورشة داخلة في نص حفظه قاسم بعد أن رسمه حروفاً على جباه هؤلاء الفقراء.. ودخل به بين تعرجات الأيدي وتجاعيد الوجوه. كتب قاسم نص المحرق وهو معلق بين الأرض والسماء ليكون نصاً يكوي الذات بنار المحرق، ولكي يحترق أهلها بمائها، ويغتسلوا بنارها في مجالس النضال ومختبر الإبداع، وليكون نصاً متجهاً إلى الأرض التي زرعت رائحة الناس ومهنهم على ترابها، وصاعداً إلى السماء التي عطرت بزخات مطرها العيون حتى يرتوي النص بها وترتوي هي به.. حتى غدا النص ينبوعاً للشاعر والناس كما حنّوا إلى أزقة المحرق، أو أرادوا استنشاق عذابات الأسماك التي طاردها الشاعر وهو في سن الطفولة.

انغمس قاسم في ورشة الأمل ليكتب سيرة المكان.. سيرة التعليم والعلاقات في المحرق سيرة الحب والعطاء لمجد المحرق الذي رسم البطولة على جباه الأطفال.. سيرة الأمهات وهن يوزعن قبلاتهن على أبنائهن في الأعياد.. سيرة نص لم يفـرق بين مجنون عقل ومجنون عاطفة.. بين مجنون حب للمدينة والمكان، ومجنون حب للابتعاد.. وبين مجنون أمل!

كتب قاسم ورشة الأمل ليقول هناك حكايات وسرديات ولغة شفافة بين الأهالي والتاريخ، لذا جاءت سيرة ذاتية في روح الذوات الأخرى.. في ذات المكان المحلي المادي والمعنوي.. في الزمان الذي يتشربه كأساً حلواً لأنه أبدع من خلاله، ومراً لأنه ظلم الوقت والإنسان معاً، وفي الشخصيات أيضاً التي توسدها قاسم ليرسم خده على صدرها، مما حفرت في جبين الشاعر علامات ودمناً لا تندمل لأنها متوثبة دوماً..

هكذا كان حادث انهيار البيت على رؤوس العمال، والذئب الذي طارد السيارة لولا قطع من لحم الدجاج، ومدرسة الهداية الخليفية، وتجربة البحر والمسحراتي الذي كان فرداً في الجماعة وجماعة في الفرد، والمكتبة العصرية ومكتبة المكتب الثقافي البريطاني، والعلاقة المعرفية والأدبية مع أحد معلمي الهداية في ذلك الوقت الأستاذ عبدالحميد المحادين، وابن عم عيسى الذي أخذه في نزهة ليرى المسيرات والمظاهرات وغيرها من العلامات التي كانت مفاصل حقيقية في تجربة قاسم الذي زرع الورد في طريق الإبداع ولكن الورد الصعب اقتطافه.

المصدر: بوابة المرأة

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!