مسلمون وحداثيون … السعي ما بين أدوات التجميل الحلال والمسجد المحمول

القاهرة ـ «القدس العربي»: ينظر الغرب دوماً إلى العالم الإسلامي بكثير من الريبة، في أنه المُهدد الأول لحضارته، وربما لم تتخذ هذه النظرة خطواتها العملية إلا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، التي جسدت هذا العدو أكثر، وعقدت النية على محاربته بمزيد من الجديّة غير المسبوقة، وحتى يثبت بعض المسلمين العكس، كونهم ليسوا أعداء حضارة، بل أنهم السبّاقون دوماً ـ من دون الإخلال بمبادئهم الدينية ـ قاموا بالانخراط في الركب الحداثي للعالم، خاصة الفئة المسلمة التي تعيش في الغرب، وتحتك مع العالم الغربي بواقعية أكثر من مؤلفي الكتب عن العلاقات بين الشرق والغرب، وما شابه ذلك من مؤلفات كثيرة تفتقر إلى المنهج والتدقيق العلمي، والمشكلات الحياتية، فجاءت المواجهة عن طريق التجارة في أشياء تطمئن المسلم على نفسه ودينه وآخرته، من دون أن تطرده من رحمة الغرب.

Share your love

مسلمون وحداثيون … السعي ما بين أدوات التجميل الحلال والمسجد المحمول

[wpcc-script type=”ccf8a921d3c70cd8d36936f7-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: ينظر الغرب دوماً إلى العالم الإسلامي بكثير من الريبة، في أنه المُهدد الأول لحضارته، وربما لم تتخذ هذه النظرة خطواتها العملية إلا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، التي جسدت هذا العدو أكثر، وعقدت النية على محاربته بمزيد من الجديّة غير المسبوقة، وحتى يثبت بعض المسلمين العكس، كونهم ليسوا أعداء حضارة، بل أنهم السبّاقون دوماً ـ من دون الإخلال بمبادئهم الدينية ـ قاموا بالانخراط في الركب الحداثي للعالم، خاصة الفئة المسلمة التي تعيش في الغرب، وتحتك مع العالم الغربي بواقعية أكثر من مؤلفي الكتب عن العلاقات بين الشرق والغرب، وما شابه ذلك من مؤلفات كثيرة تفتقر إلى المنهج والتدقيق العلمي، والمشكلات الحياتية، فجاءت المواجهة عن طريق التجارة في أشياء تطمئن المسلم على نفسه ودينه وآخرته، من دون أن تطرده من رحمة الغرب.

الحلال

حينما يُذكر لفظ «الحلال» يتبادر للذهن الإسلامي فوراً اللفظ المقابل «الحرام»، وهذه المقابلة هي المُسيطرة على العقلية الإسلامية، سواء من خلال التشريع أو آراء الفقهاء ورجال الدين، الموكل لهم وضع جداول المنع والإباحة.
والحالة هنا أن المسلمين يعيشون تحت سماء دار الحرب/الغرب، وبالتالي تحيطهم المحرمات من كل جانب، فكان لابد لهم من الخروج من هذا المأزق، وبمباركة رجال الدين، ومن دون الصدام مع الدول الغربية التي يعيشون فيها، وجاء هذا الخروج من خلال عدة مُنتجات تجارية تطالعنا بها الصحف ووكالات الأنباء من حين لآخر، انحصرت في مُنتجات غاية في الحميمية تتصل بشخصية وجسد الرجل المسلم والمرأة المسلمة، حتى أنها امتدت إلى العلاقات الشرعية بينهما ــ الشرعية فقط كما يقول أصحاب هذه المُنتجات ــ من دون نسيان الجانب الروحي، الذي تناولته التجارة أيضاً، ومن دون أن ننسى أن تسعة أعشار الرزق في التجارة.

مُستحضرات التجميل

«سامينا بيور ميكاب» شركة بريطانية تنتج وتسوّق أدوات تجميل تحت شعار «الحلال»، التي تخلو من الكحول والمواد الحيوانية المُحرّمة شرعاً، وقد أطلقتها مسلمة بريطانية اسمها «سامينا أختر» من منزلها في برمنغهام، وتفتخر بأنها صاحبة أول شركة في بريطانيا تبيع مُستحضرات تجميل حلال. والسبب كما ذكرته لوكالات الأنباء، «كان ذلك يشكل عبئاً على ضميري، عرفت أن الكثير من مستحضرات التجميل يحتوي على مكونات غير مسموح للمسلمين بأكلها، ثم بدأتُ أفكر إذا كان أكلها حراماً فلماذا أضعها على وجهي؟».
وتتكون هذه المستحضرات من مواد نباتية ومعادن وزيوت أساسية وفيتامينات، يتم تصنيعها في استراليا وأوروبا، كما حصلت منتجاتها على شهادة بأنها حلال من هيئة في استراليا تمنح شهادات المطابقة للشريعة الإسلامية. وتضم المستحضرات التي تباع أساساً عن طريق الإنترنت مُنتجات مثل كريم الأساس وظِل الجفون وأحمر الشفاه، واستهدفت في البداية نحو مليون مسلمة يعشن في بريطانيا. من ناحية أخرى قامت ساندرين جافيت، التي تعيش وتعمل في فرنسا والمتخصصة في مُستحضرات التجميل بتأسيس علامة تجارية جديدة لمنتجات التجميل الحلال باسم «جمال»، في أعقاب زيارة لماليزيا ذات الأغلبية المسلمة. وقد حصلت مُنتجاتها هي الأخرى على شهادة من مسجد باريس بأنها مطابقة لاحكام الشريعة الإسلامية.

وللبيرة أيضاً نصيب

لم يتوقف الأمر على مُنتجات التجميل، بل أصبح هناك مجال للبيرة الحلال، ففي آخر مُستجدات سوق الحلال تم الترويج للبيرة، التي يفضل مُروّجوها استعمال كلمة «مشروب»، لـ»تجنب نفور المشترين الذين لا يقتنون سوى المنتجات الحلال، نظراً لأنها لا تتوفر إلا على 0.05 في المئة من الكحول» وهي نسبة مسموح بها من قِبل علماء العربية السعودية، الذين أصدروا فتوى بهذا الشأن. حسب قول موّزع هذا المُنتَج، الذي لاقى إقبالاً في فرنسا، رغم كونه يُصنع في سويسرا خصيصاً للسوق السعودية.

المتعة الحلال

هذه المرّة ننتقل إلى أمستردام، فقد افتتح منذ سنوات عبد العزيز عوراج وهو هولندي من أصل مغربي أول متجر في العالم لبيع المنتجات الجنسية «الحلال» التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية على الإنترنت، تحت اسم «عشيرة»، ويبدو أن المتجر الإلكتروني يحقق نجاحاً كبيراً، فحسب زعم صاحبه وبعد أربعة أيام فقط على الافتتاح تجاوز عدد المشترين 60 ألفا يومياً.
ويُلاحظ أن الموقع يخلو من الصور المثيرة، والمُحفزة للخيال المُحرّم، فمتصفح الموقع لن يجد إلا صورة بألوان رمادية، فيها شارع يتوسطه خط فاصل، حيث تجد النساء مدخلاً للمحتويات لجهة اليسار ويجد الرجال مدخلاً خاصاً بهم لجهة اليمين. ويحتوي الموقع على أكثر من عشرة أنواع من زيوت التدليك، والمواد الدهنية الميسرة للإيلاج، ومواد أخرى للإثارة الجنسية. ويتم البحث بالموقع من خلال اللغة الهولندية أو العربية أو الإنكليزية. أما الصور على العلب والعقاقير والأنابيب والزجاجات الصغيرة فتكون باللون الوردي أو الأزرق، وعليها العلامة التجارية للشركة، وهي عبارة عن شعلة تتلون حسب لون المُنتج الأساسي. من ناحية أخرى يؤكد صاحب المشروع أنه يشتري معظم بضاعته من شركة سويدية تُصنِّع مُنتجاتها من المواد العضوية الطبيعية الخالية من الدهون الحيوانية.
وبالسؤال عن استعمال البعض لهذه المنتجات الحلال خارج إطار العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، التي حددها الإسلام، يقول عبد العزيز إنه سأل مستشاره الشرعي الإمام الهولندي ــ في حوالي الأربعين من عُمره ــ والذي يعمل تقنياً في مجال الكهرباء ويتحدث العربية، وكذلك يؤم المصلين في عدة مساجد هولندية، كما يقدم المشورة في القضايا الجنسية للأزواج من أبناء الجالية المسلمة، أفتى الإمام بأن الذنب يقع على المستخدمين ونواياهم، فلا جناح عليك يا عبد العزيز. ويُلاحظ أنه قبل أن يفتتح عبد العزيز متجره «عشيرة» على الإنترنت، قام هذا الإمام بإرشاده إلى أحد المشايخ في المملكة العربية السعودية، حيث التأويل الأكثر تشدداً للإسلام. وعن سؤاله بخصوص جواز بيع المواد التي تعزز الطاقة الجنسية بحسب الشريعة الإسلامية، أجابه الشيخ السعودي هاتفياً: «هذا ليس بالشيء الجديد. ومواد كهذه تباع في مكة والمدينة المنورة».

المسجد المحمول

مُجسّم مصنوع من البلاستيك أو من الورق المقوّى أو من الخشب، طوله قد يصل إلى المترين، لونه يختلف من الوردي للنساء والأطفال إلى الأزرق والرمادي للرجال، فيه محراب يشبه محراب المسجد الأقصى أو المسجد النبوي+ سجادة تركية + أضواء كأضواء ثريات المساجد + مُكبّر صوت ينادي للصلاة، ويسمى «محراب بوكس». هذه هي آخر صيحات الحداثة الإسلامية، والفكر الإسلامي الذي يواجه الغرب. صاحب هذه الفكرة ومُنفذها هو حسن بونمشة تونسي الأصل، ويعمل إمام مسجد أوبرفيلييه في باريس، كما يملك مطعماً إيطالياً للأكل الحلال.
ويقول حول أسباب تنفيذه لهذه الفكرة، والمتاجرة بها كسلعة يرى أنها مضمونه «الصلاة لحظات اتصال مع الخالق، يجب خلالها قطع جميع الصلات الأخرى، لذلك يجب خلق محيط يساعد على التركيز لبلوغ الخشوع كما لو أننا في بيت من بيوت الله». ولخلق هذا المُناخ الروحي يَعِد الشيخ حسن مُريديه من المؤمنين بإدخال التحسينات على المسجد الشخصي، فقريباً ستوجد به شاشة تصحح أخطاء تلاوة القرآن، تعمل بنظام إلكتروني يعطل جميع الألعاب الإلكترونية الموجودة في البيت وقت الصلاة. وبسؤاله بأن صلاة الجماعة هي أساس الصلاة الإسلامية، ومحرابه هذا يتنافى مع طبيعة الصلاة، ردّ قائلاً كمروّجي المُنتجات في القنوات الفضائية «الأمر ليس حراماً، فمحراب بوكس لم يكن أبداً ليحل محل المسجد، ولكنه أنشئ خصيصاً للنساء والأطفال الذين ليسوا مُجبرين على الذهاب إلى المسجد، ولصلاة النوافل بالنسبة للرجال، خاصة للثلث الأخير من الليل، أو للأشخاص الذين لا يوجد مسجد بالقرب من سكنهم، لا سيما في البلدان الغربية».
كما نفى تماماً أن يكون الأمر بدعة، وكل بدعة ضلالة كما نعرف، وآخرها جهنم، فكان لابد من التوسل برجال الدين الإعلامي، لإضفاء الشرعية على المُنتج والترويج له بصورة مُشرّفة للإسلام والمسلمين في الغرب، فيسترسل الشيخ حسن بمنطق الإعلان التجاري «بمجرد سماع مسجد محمول ومحراب من الورق يخيل بأن الأمر بدعة، وتعد على صورة بيت من بيوت الله، ولكن بعد مشاهدة المحراب فالكثير غيّر من رأيه، بدليل أن الكثير من العلماء المسلمين المعروفين في العالم، أبرزهم الشيخ سعد البريك وعبد الله بصفر وعمر عبد الكافي، تبنوه وهم يصلون خلفه».
نعتقد أن المسلمين بهذه الوسائل والاختراعات المذهلة سيقفزون قفزة هائلة نحو الحداثة وما بعدها، وقد نسمع يوماً في ظل ما يحيط العالم الإسلامي من اضطهاد أن يقول أحدهم لأخيه في الله «إحمل مسجدك واتبعني».

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!