التعرق الزائد: أنواعه، وأسبابه، وطرق علاجه

مشكلات الصيف كثيرةٌ ومزعجةٌ، ويُعدُّ التعرُّق من أكثر المشكلات المسببة للإحراج في هذا الفصل الحار؛ إذاً كيف سيكون الأمر إن لم يكن التعرُّق طبيعياً؛ بل كان تعرقاً زائداً ومفرطاً وغير مرتبطٍ بالظروف الطبيعية التي يحدث بسببها في الحالات العادية؟ وهل حدوثه مرتبط بوجود مرضٍ آخر أكثر خطورة؟ هل يمكن علاج التعرُّق الزائد والتخفيف من حدَّته ومشكلاته؟ هذا ما سنتعرَّف إليه فيما يأتي.

أنواع التعرق الزائد وأسبابه:

التعرُّق عموماً هو الآلية التي يتَّبعها الجسم ليُبرِّد نفسه ذاتياً؛ حيث يقوم الجهاز العصبي للإنسان مباشرةً بإثارة الغدد العرقية عند ارتفاع الحرارة، ويُحرِّضها على إفراز العرق؛ إذاً، فالتعرُّق ظاهرة طبيعية، إذا ما كان إفرازه ضمن المعدلات الطبيعية.

أمَّا التعرُّق الزائد أو فرط التعرُّق، فهو حالة مَرَضيَّة تحدث نتيجة زيادة نشاط الغدد العرقية، وتبدأ هذه الحالة في فترة الشباب غالباً، وتصاحب الإنسان في بقية حياته إن لم يُعالج الأمر؛ حيث يعاني حوالي 1% من السكان في العالم من هذه الحالة.

لا يحدث التعرُّق الزائد نتيجةً للأسباب المعروفة كالتمرُّن أو الحرارة المرتفعة؛ بل يحدث من دون بذل أي جهد، وقد يصل الأمر إلى حدِّ تقطُّر العرق من اليدين أو تبلل الملابس، وقد يبدو للوهلة الأولى، عند الحديث عن هذه المشكلة، أنَّها مشكلة جمالية وبسيطة، ولكن في الحقيقة، أبعاد هذه المشكلة أخطر من المشكلة نفسها؛ حيث نجد أنَّها تؤثِّر سلباً في حياة الأشخاص المصابين بها، سواء كان هذا التأثير من الناحية الاجتماعية أم من الناحية النفسية، حتى أنَّ بعض المراجع الطبية، ونظراً إلى الأثر السلبي الكبير الذي تتركه، وصفت هذه المشكلة بالإعاقة الصامتة.

من الجدير بالذكر، أنَّه لا توجد رائحة فعلية للتعرُّق، وهذا ما أثبتته الدراسات الطبية، أمَّا النسبة إلى الرائحة الكريهة التي نشمها، فتحدث عندما تقوم البكتيريا بتكسير الأحماض الدهنية الطويلة السلسلة إلى حمض البيوتريك أو حمض الفورميك، ويظهر التعرُّق ظهوراً كبيراً في أثناء ساعات الاستيقاظ الأولى، وتتوجب زيارة الطبيب عندما يصاحب التعرُّق الشديد أعراضٌ أخرى كالغثيان أو الآلام أو الدوار؛ إذ قد يكون هذا دليلاً على الإصابة بأمراض أخرى؛ لذا يُنصح في الحالات التالية مراجعة الطبيب مباشرةً:

  • كثرة التعرُّق في أثناء الليل ومن دون سبب.
  • بدأ التعرُّق يسبب إحراجاً كبيراً، وأوصلك إلى الرغبة في الانعزال والبقاء وحيداً.
  • بدأ تعرُّقك الزائد يؤثِّر في حياتك الطبيعية.

وقد تحدث الكثير من المضاعفات نتيجةً لفرط التعرُّق؛ وذلك لأنَّ الجسم يصبح أكثر عرضةً للإصابة بالالتهابات الجلدية، ومن ثمَّ أكثر عرضةً للعدوى، وقد يسبب اكتئاباً.

تتوزع الغدد العرقية في جميع أنحاء الجسم، وتوجد بكثرة في اليدين وتحت الإبطين وفي القدمين والوجه، وهذا ما يجعل هذه المناطق أكثر عرضةً من غيرها للتعرُّق الزائد، وبناءًَ على هذا التوزيع تمَّ تقسيم التعرُّق إلى نوعين:

  • التعرُّق الزائد الأولي (الأساسي): لا يوجد سبب طبي لهذا النوع، ويُعتقد أنَّ للوراثة دوراً في ظهوره، ويبدأ هذا النوع بالظهور عادةً في سن المراهقة؛ حيث تظهر وتتضح أعراضه، ويُرجِّح العلماء سبب الإصابة به إلى فرط نشاط الجهاز العصبي الودِّي؛ حيث يصبح نشاط الأعصاب المسؤولة عن إرسال الإشارات إلى الغدد العرقية، نشاطاً زائداً عن الحد، وحتى لو لم تتعرض للإثارة بسبب عامل ما، ثم إنَّ التوتر والعصبية والمشاعر الزائدة والعواطف، تُعدُّ أسباباً أخرى لهذا النوع من التعرُّق، كما أنَّ تناول بعض أنواع الأطعمة والمشروبات يزيد من التعرُّق، فضلاً عن التدخين.
  • التعرُّق الزائد الثانوي (متعدد المناطق): يحدث هذا النوع في أي مرحلة عمرية، ويرتبط حدوثه بوجود مرض لدى الشخص المصاب به، كالسكري أو أمراض القلب أو الإيدز أو داء باركنسون أو البدانة، كما أنَّ هذا التعرُّق يحدث عند السيدات خلال فترة الحمل، وقد يكون في بعض الحالات ناتجاً عن الآثار الجانبية لبعض الأدوية، كأدوية مرض السل أو مضادات الاكتئاب.

عندما يقتصر التعرُّق على منطقة محددة، يُسمَّى هذا التعرُّق بالتعرُّق الموضعي، ومن مواضعه الاعتيادية تحت الإبطين، باطن اليدين وهو الأكثر انتشاراً، باطن القدمين وهو ما يُسمَّى فرط التعرُّق الأخمصي، إضافة إلى فرط التعرُّق الوجهي، وقد يظهر هذا النوع في الظهر أو الجذع أو الفخذ، أمَّا في حال أصاب التعرُّق كل أنحاء الجسم سُمَّى فرط التعرُّق العام.

الأسباب التي تؤدي إلى التعرُّق الزائد:

إضافةً إلى الأسباب السابقة التي أتينا على ذكرها، هناك مجموعة من الأسباب الأخرى التي سنلخِّصها فيما يأتي:

  1. أسباب هرمونية بالنسبة إلى السيدات، فضلاً عن اضطرابات فترة الطمث أو بعد انقطاعه؛ حيث ترتفع حرارة الجسم ويحدث ما يُسمَّى بالهبَّات الساخنة بسبب التغيُّر الهرموني، ممَّا يؤدي إلى زيادة نشاط الغدد العرقية، ويعدُّ هذا السبب من أكثر الأسباب المؤدية إلى التعرُّق الليلي.
  2. القيام بالنشاطات وبذل الجهد، وعند القلق أو الخوف والتوتر.
  3. بعض الأمراض العصبية، مثل عسر الحركة اللاإرادي، أو معاناة الشخص من فرط نشاط الغدة الدرقية.
  4. الإفراط في تناول الكافيين والأطعمة الحارة.
  5. نوبات الهلع.

هناك أيضاً ما يُسمَّى بالتعرُّق مجهول السبب، والذي يحدث من دون أي سبب طبي واضح، ويؤدي إلى إفراز كثير من العرق وفي كل الأوقات.

علاج التعرق الزائد:

قبل البدء بالعلاج، يجب معرفة سبب المشكلة، وتحديد نوع التعرُّق؛ إذ في حالة التعرُّق الأولي مثلاً، يكون التركيز في العلاج متوقفاً على درجة التعرُّق وعلى الأماكن التي يظهر فيها، أمَّا في حالة التعرُّق الثانوي، فيكون التركيز على معالجة المرض المسبب للتعرُّق، وعموماً، هناك مجموعة من العلاجات التي يمكن اتباعها، وتتلخص بالآتي:

  • أدوية مضادات التعرُّق الموضعية: يتم تطبيق هذه المضادات على الجلد قبل النوم، ويتم غسله في الصباح، تحتوي هذه المركبات على كلوريد الأمونيوم، الذي يُعدُّ علاجاً موضعياً يصفه الأطباء لعلاج هذه الحالة، غير أنَّه قد يسبب مشكلات جلدية كالتهيُّج، وهذا ما يدفع الطبيب إلى أن يصف معه كريمات للتخفيف من التهيُّج.
  • الأدوية عن طريق الفم: يُستخدم خاصةً للأشخاص الذين يعانون من فرط التعرُّق العام؛ حيث يمكن في هذه الحالة تناول مضادات إفراز الكولين، التي تمنع تشنُّج العضلات وتمنع إثارة الغدد العرقية.
  • الكريمات الموضعية: مثل الكريمات التي تحوي مركبات الجليكوبيرولات، وتستخدم خاصةً لمنطقة الرأس والوجه.
  • أدوية حجب الأعصاب: تعتمد هذه الأدوية على إيقاف عمل المواد الكيميائية التي تساعد الأعصاب على التواصل مع بعضها.
  • العلاج باستخدام حقن البوتكس: تعتمد هذه الآلية على تخريب وتعطيل عمل الأعصاب التي تسبب التعرُّق مؤقتاً، ويستمر التأثير تقريباً من ستة أشهر إلى سنة؛ حيث تُحقن المناطق المصابة في الجسم بعدَّة حقن.
  • كيُّ الأعصاب: يقوم الطبيب في هذا العلاج بكيِّ الأعصاب الشوكية المسؤولة عن التعرُّق في اليدين. وقد يؤدي هذا إلى زيادة التعرُّق في مناطق أخرى كنوع من التعرُّق التعويضي.
  • العلاج باستخدام حقن البوتولينيوم: تبدأ علامات العلاج بالظهور بعد ثلاثة أيام تقريباً؛ حيث يتوقف التعرُّق في المنطقة المحقونة، ويستمر هذا العلاج تقريباً مدة تتراوح بين أربعة إلى تسعة أشهر، وبعدها يُعاد الحقن مرة أخرى.
  • العلاجات الأيونية: يعتمد هذا العلاج على توليد تيار كهربائي قليل الشدة عن طريق بطارية، ويصل هذا التيار إلى القدمين واليدين والإبطين فيقوم بمنع إنتاج العرق، وتُعدُّ هذه الطريقة الأفضل للأشخاص الذين يعانون من فرط التعرُّق في اليدين، ويحتاج الشخص تقريباً من خمس إلى عشر جلسات للحصول على نتائج جيدة، ويستمر العلاج بضعة أسابيع.
  • العلاج بالجراحة: ويتم اللجوء إلى هذا الحل، عندما تفشل العلاجات الأخرى، وعندما يصبح التعرُّق أحد منغصات الحياة وسبباً للحرج الشديد والعزلة، ويوجد نوعان لهذا العلاج؛ إمَّا عن طريق إزالة الغدد العرقية، وتُزال معها كمية من الدهن أيضاً، عِلماً بأنَّ هذه الطريقة لا تُستخدم في علاج تعرُّق اليدين أو القدمين أو الوجه، وإنَّما تُستخدم فحسب في علاج تعرُّق الإبطين، أمَّا النوع الثاني، فهو القطع الودِّي بالتنظير، ويجب أن يقوم جرَّاح صدر بهذه الجراحة، عِلماً بأنَّ 80% من المرضى الذين خضعوا لهذه الجراحة، عانوا من عودة التعرُّق الزائد لهم في مناطق أخرى كالظهر.

بعض الإجراءات للتخفيف من التعرُّق الشديد:

سنعرض فيما يلي مجموعة من الإجراءات التي تساعد على التخفيف من التعرُّق والحد من آثار المشكلة:

  1. النظافة الشخصية: هي الأساس الذي يبدأ حل هذه المشكلة منه؛ لذلك لا بدَّ من تغيير الملابس باستمرار، وخاصةً الملابس الداخلية والجوارب، كما يجب الاستحمام دائماً، وأفضل وقت للاستحمام بعد الاستيقاظ مباشرةً، وذلك لأنَّ إفراز العرق يزداد في فترة الليل.
  2. العادات الغذائية: يُحدِث تناول بعض أنواع الأطعمة أو الإكثار منها زيادةً في التعرُّق، أو قد تصبح رائحة العرق كريهة في بعض الأحيان، ومن هذه الأطعمة التوابل الحارة، فضلاً عن بعض المشروبات كالقهوة، ولهذا لا بدَّ من اعتماد نمط غذاء صحي، وتجنُّب مثل هذه الأطعمة والمشروبات في أوقات الحر، أو عند القيام بالنشاطات المُجهدة، حتى لا تُنشَّط الغدد العرقية بشدة.
  3. يجب ممارسة الرياضة بانتظام؛ وذلك لأنَّ الرياضة تساعد على تنظيم إفراز العرق.
  4. عدم استخدام الروائح القوية للعطور؛ وذلك لأنَّ فاعلية مزيلات العرق ستزول بعد ساعات قليلة، لتبدأ هذه الروائح بالتفاعل مع رائحة العرق الناتجة عن البكتيريا؛ الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى رائحة كريهة ومنفرة، كما يجب الابتعاد عن مزيلات العرق التي تحتوي كحولاً أو مواداً حافظة أو ملونات، وخاصة بالنسبة إلى المرأة الحامل.

لا تتغاضَ عن مشكلة فرط التعرُّق:

في الختام وكما لاحظنا آنفاً، التعرُّق الزائد أحد المشكلات التي يعاني منها الإنسان، والتي قد تسبب له الكثير من الإحراج، وهي ليست مشكلة عابرة؛ بل هي حالة طبية يجب علاجها، فضلاً عن أنَّها قد تكون سبباً في الكشف عن أحد الأمراض الأخرى التي يعاني منها الإنسان، والتي من الوارد جداً أن تكون مشكلات صحية أو أمراضاً خطيرة؛ لذلك يجب مراجعة الطبيب واستشارته، لإجراء الفحوصات المناسبة والخضوع للعلاج الطبي الجيد.

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!