شرح الناسخ والمنسوخ

جاءت شريعة الإسلام ناسخةً لما سبقها من الشرائع،ومهيمنةً عليها، واقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يشرع أحكامًا لحكمة يعلمها، ثم ينسخها أي يغيرها لحكمة أيضًا تستدعي ذلك النسخ، إلى أن استقرت أحكام الشريعة أخيرًا، وأتم الله دينه، كما أخبر الله تعالى في قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم..){3-المائدة}، فما معنى النسخ؟ وما الناسخ والمنسوخ؟ وما أنواعه؟ وما الحكمة التي من أجلها أوجد الله تعالى النسخ؟ تعرفون إجابات هذه الأسئلة إن شاء الله تعالى في هذا المقال مع الموسوعة.   

مفهوم النسخ

• النسخ في اللغة معناه: النقل أو الإزالة.
• أما في اصطلاح العلماء فهو: رفع حكم شرعي بدليل شرعي، بينهما تراخ (أي زمن).
• والحكم السابق هو المنسوخ وهو الذي تم العمل به حتى نزول الحكم اللاحق وهو الناسخ وهو الذي يتم العمل به إلى الآن.
• وقد ينسخ الحكم بأن يزال دون حكم جديد كتلاوة آية أو غير ذلك وسنعرض أنواع النسخ في هذا المقال.
• وقد بحث العلماء الناسخ والمنسوخ ضمن أبحاث القرآن الكريم، وأفرده بعضهم بالكتابة في عدة مؤلفات.

مجال النسخ

أو موضوعه أو اختصاصه: فهو يختص بالأوامر والنواهي الشرعية فحسب أما الاعتقادات والأخلاق وأصول العبادات والأخبار الصريحة التي ليس فيها معنى الأمر والنهي، فلا يدخلها النسخ بحال من الأحوال.

طرق معرفة الناسخ والمنسوخ

حدد أهل العلم عدة طرق يعرف بها الناسخ والمنسوخ ومنها:

النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حكم زيارة القبور: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها)رواه مسلم، فالمنسوخ هو عدم زيارة القبور وهو الجزء الأول من الحديث وهو الحكم السابق، والناسخ هو زيارتها وهو الجزء الثاني من الحديث وهو الحكم اللاحق والذي يتم العمل به الآن وحتى قيام الساعة.

النقل عن الصحابي

ومن الأمثلة الدالة على ذلك: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة ونزل فيهم قرآن قرأناه ثم نسخ بعد(بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) رواه البخاري، فهذا يدل على وجود تلك الآية في القرآن الكريم ثم أزيلت من القراءة.

إجماع الأمة

بأن تتفق الأمة الإسلامية على أن هذا الحكم قد نسخه حكم آخر قد أتى بعده.

معرفة تاريخ الحكم المتقدم من المتأخر

بأن يحدد العلماء الثقات أهل علوم القرآن الكريم، تاريخ نزول آية تحمل حكمًا ما ينسخ آية أخرى قد حددوا تاريخ نزولها أيضًا فيعرفون بذلك الناسخ من المنسوخ.

أمور لا يثبت بها النسخ

النسخ لا يثبت بالاجتهاد غير المدعوم بدليل، ولا بمجرد التعارض الظاهر بين الأدلة، فكل هذه الأمور وما شابهها لا يثبت بها النسخ.

أنواع النسخ

للنسخ أنواع عدة باعتبار ذات أو نوع الناسخ والمنسوخ فمنها:

نسخ القرآن بالقرآن

أي نسخ حكم جاء في القرآن بحكم آخر من القرآن أيضًا ومثال ذلك، قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس){219-البقرة}، فقد نسخت تلك الآية بقوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}{90- المائدة}، وهذ النوع من النسخ قد جاء في القرآن الكريم في عدة آيات.

نسخ السنة بالقرآن

أي نسخ حكم من السنة بحكم من القرآن، كحكم التوجه في القبلة إلى بيت المقدس الذي كان ثابتًا في السنة، فقد نسخ هذا الحكم بقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام){144-البقرة}، ونسخ وجوب صيام عاشوراء بصوم رمضان في قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه){185-البقرة}.

نسخ السنة بالسنة

أي نسخ حكم جاء في السنة بحكم آخر من السنة أيضًا، ومن ذلك حكم زيارة القبور الذي ذكرناه من قبل.

الحكمة من النسخ

• ابتلاء المكلفين واختبارهم بالامتثال وعدمه لأوامر الله تعالى ونواهيه.
• إرادة الخير للأمة، لأن النسخ إن كان من حكم خفيف إلى حكم أشق ففيه زيادة في الثواب إن شاء الله تعالى.
• إرادة التيسير، في الانتقال إلى حكم أخف ففيه زيادة تيسير وسهولة ويسر.

فوائد معرفة النسخ في القرآن الكريم

تساهم معرفة الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم في عدة مزايا وفوائد ومنها:

• تفسير القرآن الكريم.
• معرفة تاريخ التشريع والأحكام والتسلسل الزمني للأحكام وتدرجها.
• فيه درس من الله تعالى لنا في مجال الدعوة فالله تعالى راعى أحوال الناس في عدد من الأحكام وتدرج فيها حتى لا ينفروا كتحريم الخمر.
• ضبط الفتوى فعن ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره لمعنى الحكمة في القرآن الكريم، فقال: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره وحرامه من حلاله.
• بيان حكمة الله تعالى ونعمته وإظهارها عن طريق الشرع في مراعاة مصالح العباد.

لذلك فإن معرفة الناسخ والمنسوخ من العلوم التي ينبغي على كل علماء الشريعة معرفتها، سواء كانوا متخصصين في القرآن الكريم لأن هذا العلم يتصل بالقرآن الكريم مباشرة، أو متخصصين في الفتوى حتى لا يصدروا احكامًا قد نسخت وأتى بدلًا منها حكم جديد، كذلك على من يعملون في مجال الدعوة حتى يتبينوا التيسير في الدعوة إلى الله وحتى يردوا على من يشككون في وجود تعارض بين أحكام الشريعة أو في القرآن الكريم، ندعو الله تعالى أن يرزقنا ثواب نشر العلم كما نسأله الإخلاص والنفع. تابعونا على الموسوعة ليصلكم كل جديد.