“عجبوني الليلة”.. تراجع أيها الطوفان ففي قريتنا رجال

“عجبوني الليلة” أغنية حماسية تخلد قصة بطولية لسكان جزيرة توتي السودانية مع النيل. فما هي القصة؟ وما حكاية الأغنية؟

خاص-الوثائقية

يمر النيل الأزرق من شرقها، ومن غربها يداعبها الأبيض، فيما تكسو الخضرة معظم رقعتها وتتميز ببساتين المانجو والجوافة والليمون، فتأسر بطبيعتها سكان الخرطوم والسياح الأجانب.

ومنذ زمن بعيد، كانت جزيرة توتي واحدة من أجمل الجنان في الأرض، ونسجت قصصا وأساطير كثيرة عن سكانها والتقاء النيلين عندها.

لكن هناك حكاية حقيقية لا يزال بعض شهودها على قيد الحياة، ويرويها كل فرد من سكان توتي ويتحدث عنها الناس في مختلف أرجاء السودان.

في عام 1946 ضرب الجزيرة فيضان فظيع واجتاحها النيلان في وقت واحد، فما كان من الرجال إلا أن تجلدوا لهذا الخطب الجلل وعقدوا العزم على صد غضب الطبيعة.

هذه القصة البطولية خلدتها أغنية “عجبوني الليلة” التي تتناولها الجزيرة الوثائقية في فيلم قصير ضمن “سلسلة حكاية أغنية”.

وعلى وقع الربابة، تتجول الجزيرة الوثائقية في جزيرة توتي فتنبش ذاكرة المسنين وتتحدث للمطربين والموسيقيين والسكان العاديين.

في ذلك اليوم المشهود، خرج كل الأهالي لوضع المتاريس الترابية. شمروا عن سواعدهم بصغيرهم وكبيرهم، ووقفوا وقفة رجل واحد إلى أن صدوا هيجان البحر عن ديارهم.

 

وبينما كان الرجال يقارعون عنف النيل بالمتاريس والمجاديف وبكل ما أوتوا من قوة، أطلقت النسوة الزغاريد وغنين كلمات تمجد هذا الفعل البطولي:

عجبوني أولاد الأهالي
عجبوني وسرّوا بالي
طول الليل واقفين سواري

ووسط الزغاريد وقرع الطبول استمد الشباب طاقة إضافية فتسارعت وتيرة إقامة المتاريس، وتحولت المحنة إلى عرس وملحمة، فلم يشعر الأهالي بالذعر الذي يصيب القرى في مثل هذه الأحوال.

قصة ترويها الأجيال

ولأن هذه القصة تستحق أن تروى، يحرص سكان “توتي” على تلقينها لأحفادهم، فيما تُغنى في المناسبات الحماسية وفي كل المواسم التي يقسو فيها النيل على السكان.

أحد المسنين رافق الوثائقية في “توتي”، وتحدث قائلا “ولدت في هذه الجزيرة يا ولدي وعشت فيها زمنا طويلا وكل حياتنا فيها وهي محبوبة لنا.. كانت تلك الواقعة فخرا للأهالي”.

وأضاف “في نفس الوقت ظهرت أغنية مشجعة، تتغنى ببطولة الفتيان الذين صارعوا البحر فصدوه عن جزيرة توتي. هذه القصيدة لها معان كبيرة جدا”.

 

وهذه الأغنية أداها كثيرون، وكل مطرب أضاف لها بعدا شخصيا، وأخيرا غناها حمد الريح على نمطين، شكل إيقاعي سريع وآخر بطيء ثقيل.

ولا يُعرف من هو كاتب كلمات الأغنية في شكلها الحالي، كما يثور الخلاف على أول من غناها، إذ تذهب بعض الروايات إلى أن الفنانة الراحلة عائشة ابنة الله جابو سبقت الجميع لأداء هذه الكلمات، بينما يتحدث آخرون عن مغنية اسمها سعاد عثمان.

في بيت المطربة

ورفقة المسن التوتي، زارت الوثائقية بيت عائشة ابنة الله جابو وسألت بناتها عما إذا كانت أمهنّ حدثتهن عن تاريخ الأغنية ومن كتب كلماتها وأول من غناها.

تروي إحداهن أن عائشة التي توفيت عام 2009 هي أول من غنت هذه الكلمات وأنها أذنت لحمد الريح بغنائها دون مقابل، “وكان المفروض أن يسجلها باسمها ولكنه لم يفعل”.

هذه الأغنية أداها كثيرون، وكل مطرب أضاف لها بعدا شخصيا
هذه الأغنية أداها كثيرون، وكل مطرب أضاف لها بعدا شخصيا

 

وتحكي أخرى “هذه الأغنية حماسية، وكل ما جاء فيضان تذكّر الناس عام 1946. وأداء هذه الكلمات يشجع الرجال والشبان على مواجهة الفيضان وترس البحر”، لكن عائشة لم تخبرهن باسم كاتب هذه الكلمات.

وبينما ترى الفُلك تجري في النيلين وتبدو لك الخرطوم وقد خضبها المغيب، يختم الوثائقي بفرقة موسيقية تتمايل طربا وتغني:

عجبوني أولاد الأهالي
عجبوني وسروا بالي
طول الليل واقفين سواري
ترسوا البحر بالطواري
ما شالونا باللواري

عجبوني الليل جو
ترسوا البحر وصددو

عجبوني أولاد الفرسان
ملصوا البدل والقمصان
وصبوا البحر خرسان
من شاوش لي برقان..

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!