عــــــبء الهدايــــــا

أرجعتني هذه الهدية البسيطة إلى شريط طويل من الذكريات؛ عندما كان الناس يُعَبِرون عن فرحتهم بنجاح أحد أبنائهم في المدارس بتوزيع المشروبات على بيوتات الفريج.

وكيف كانت الفرحة تعم كل الحي. بعض الأسر كانت توزع شراب الفيمتو البارد على المارة في الشارع وتتلقى منهم عبارات التهنئة والدعوات للناجح بالتوفيق والصلاح، وبأن يبلغ الله والديه ليزوجوه ويربوا أبناءه.

في فترة العشرين سنة الأخيرة تغيرت عادات الناس في أفراحهم كما أحزانهم. فأصبحت كلتا المناسبتين مكلفتين لدرجة اضطرار البعض للاستدانة ليوفوا بالتزاماتهم.

وتولدت لديهم عادات تبذيرية غريبة سببها الأساسي تفشي النزعة الاستهلاكية التي كبلت الناس بأعباء مادية لا حصر لها. واستعاض الناس عن توزيع المشروبات الغازية عند نجاح الأبناء بتوزيع ما لذ وطاب من أصناف الحلوى والشوكولاتة التي تأتي في أشكال وعلب مختلفة قد يفوق ثمنها ما تحتويه بداخلها. بينما فضلت أسر أخرى إقامة الحفلات في الصالات وأحياناً الفنادق.

وأصبح الأبناء ينتظرون الهدايا من آبائهم ثمناً لنجاحهم ؛ وامتد ذلك ليصبح واجباً على الأصدقاء والجيران والمعارف، وذلك عكس الجيل السابق حيث لم نكن ننتظر أية هدية لقاء نجاحنا الدراسي، بل كانت تكفينا نظرة الفرح تشع من عيون والدينا ودعوة صادقة لنا بالتوفيق والنجاح الدائم.

يقولون إن الهدايا تقرب القلوب، ويقول إخوتنا في مصر إن النبي قَبلَ الهدية؛ وكل ذلك صحيح إذا كانت الهدية نابعة من القلب ولا تشكل عبئاً ثقيلاً على مقدمها.

الآن أصبحت الهدايا تأكل جزءًا ليس باليسير من ميزانية الأسرة، وأصبحت (أي الهدية) تشكل مصدر قلق للمرأة لأنها المعني أساساً بها بحيث لا يمر شهر إلا وتضطر إلى تقديم هدية أو هديتين. فهذه هدية لمولود وأمه، أو لمريض في المستشفى أو لعائد من السفر وغير ذلك.

حتى مناسبات الحج أصبحت تشكل عبئاً على المهنئين كما الحجاج حيث يتبادل الطرفان الهدايا التي تتنوع في حجمها وقيمتها وشكلها الغرائبي. المشكلة إن أغلب الهدايا لا يستفاد منها وتتكدس في مخازن البيوت. وقد يتم تدويرها أي إعادة إهدائها مرة أخرى لدرجة يخشى البعض من أن يعيدوا الهدية نفسها لمن قدمها لهم.

كثيراً ما نناقش موضوع الهدايا أو عبئها وعدم فائدتها على الشخص المهداة له. وكثيراً ما نخرج ببعض الاقتراحات؛ منها على سبيل المثال: أن تقوم إحدى الجمعيات ببيع الهدايا المتكدسة لدى أصحابها وتتقاسم ثمنها معهم بنسب يتفق عليها سلفاً. الاقتراح الآخر هو أن يتم

الاقتصار على الهدايا النقدية مهما قلت قيمتها. فمثل تلك الهدايا ترجع بالفائدة على المهداة إليهم وخاصة الشباب المتزوجون حديثاً.

اقتراح آخر يفيد كذلك هذه الفئة من الشباب وهو كتابة قائمة باحتياجاتهم بحيث يلتزم مقدم الهدية بشراء إحدى تلك الاحتياجات أو جزء

منها بحسب قدرته المالية.

وهذه الطريقة متبعة في العديد من الدول الأوروبية بحيث يحدد أصحاب الدعوة سواء أكانت المناسبة زواج أو غيره قائمة احتياجاتهم بالاتفاق مع متجر أو أكثر ويشار إليه في بطاقات الدعوة.

 الاقتراح الأخير هو ما حاولت تطبيقه عند رجوعي من الحج وهو أن أضع صندوقاً توضع فيه أية مبالغ نقدية مهما صغرت قيمتها بدلاً من الهدايا العينية؛ وأن أخصص المبلغ المتجمع لأي عمل خيري. وقد اعترضت العائلة بشدة على هذا الاقتراح رغم جدواه، وفي الأسبوع الأول من عودتي جاءتنا سيدة تطلب معونة لرحلة علاج لا تكلف أكثر من ستمائة دينار؛ فتمنيت عندئذ لو تجرأت ونفذت فكرتي التي آمل أن ترى النور على يد من هو أو هي أجرأ مني.

ظاهرة الإسراف في الحفلات وتقديم الهدايا وغيرها من العادات التي دخلت على المجتمع وانتشرت فيه انتشار النار في الهشيم بحاجة إلى دراسات اجتماعية واقتصادية بهدف تعديل مسارها. وهنا يأتي دور الجامعات ومراكز البحوث.

المصدر: بوابة المرأة

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!