علم الإحصاء: مفهومه، وأهميته، وأنواعه، وفروعه

فرض التطور التكنولوجي في شتى المجالات واقعاً جديداً، لما بات له من تأثير واضح في مختلف العلوم، ونخصُّ بالذكر العلوم الإنسانية، التي استُحدِثت فيها طرائق جديدة للبحث، كما في الأمور الاجتماعية والفلسفية والنفسية وغير ذلك، وبهذا نجد أنَّ أحد أهم الموارد المساعدة على تنفيذ هذه البحوث، هي العلوم الطبيعية.

وكان الدور الأبرز في هذا التطور الكبير، من نصيب علم له مرتبة عالية من ضمن هذه العلوم، وبلغ ذروته حين ما برح أي علم من العلوم الأخرى إلا وتأثر به؛ ألا وهو علم الإحصاء، أو قد يُسمَّى بالإحصاء الاجتماعي أو الطريقة الإحصائية، ويُعدُّ من أهم أدوات الباحثين في مجال العلوم الإنسانية.

وفي إطار بحثنا في هذا العلم، أردنا أن نوضِّحه لكم من خلال النقاط الآتية:

  1. ‫مفهوم علم الإحصاء.
  2. أهمية علم الإحصاء.
  3. أنواع وفروع علم الإحصاء.
  4. أهداف علم الإحصاء.

مفهوم علم الإحصاء:

بدايةً يجب أن نتعرَّف إلى علم الإحصاء من الجانب النظري، فهو يشير إلى ميدان علمي ذي أهمية كبيرة في كل مجالات الحياة، وبالذات تلك التي تحتاج إلى حل المشكلات، أو تفسير الظواهر، ويكون ذلك من خلال تجميع كل البيانات والأحداث والمعطيات حول مشكلة أو ظاهرة ما، ومن ثم فرزها إلى معلومات أولية، ومعلومات ثانوية.

أمَّا بالنسبة إلى الجانب التطبيقي، فيمكن تعريف علم الإحصاء على أنَّه عملية جمع ووصف وتنظيم وتلخيص وعرض وتمثيل البيانات، ومن ثم تحليلها وتفسيرها عن طريق الأساليب الرياضية والعلمية، للوصول إلى معلومات دقيقة، تساعد الباحثين على اتخاذ القرارات المناسبة.

ويُعدُّ علم الإحصاء أحد فروع الرياضيات الهامة، لما له من تطبيقات علمية في مجالات عدة، كما يلعب دوراً هاماً في السياسة والأعمال.

إنَّ الطريقة الإحصائية تُعدُّ أسلوب عمل لتنفيذ البحوث الاجتماعية، ونظرية الاحتمالات، والنهاية المركزية، وكل ما يشمل ذلك من تطبيقات أساسية لها أهميتها في هذا المجال، فضلاً عن أنَّه أسلوب لإيجاد علاقة الارتباط، سواء كان بسيطاً أم متعدداً، للظواهر الاجتماعية والفلسفية، وغير ذلك من الظواهر التي نفسرها وندرسها، وتدخل في إطار العلوم الإنسانية.

أهمية علم الإحصاء:

نجد عند حديثنا عن أهمية علم الإحصاء أنَّ له ضرورة كبيرة في العصر الحديث الذي اتصف بالتطور، فالإحصائيات أصبحت تمثِّل جانباً مهماً من المعلومات اللازمة في مواجهة المشكلات واتخاذ القرارات، ويوجد العديد من الأمور التي تبرز من خلالها الأهمية العظيمة لعلم الإحصاء، ومنها:

  1. القدرة على التعاطي مع الدراسات التي تقوم على أعداد ضخمة من القياسات؛ نظراً لأنَّها تحتاج إلى تحليل وتفسير.
  2. إمكان توصيف الظواهر توصيفاً رقمياً وكمِّياً دقيقاً، أكثر وضوحاً وقرباً من الواقع، فضلاً عن إيجاد الفوارق والاختلافات من خلال البيانات الخام.
  3. القدرة على تفسير الظواهر، وتحديد مدى تأثير العوامل المفروضة، ومن ثمَّ التنبؤ بالمستقبل بالمعنى العلمي للكلمة.
  4. أهميته البالغة في اتخاذ القرار، وتحديداً في المواقف التي تخضع للمصادفة، فضلاً عن الأمور التي تحتاج إلى اتخاذ قرار عقلاني، مع تقدير كمِّي لحجم المخاطرة، وبذلك فإنَّ الإحصاء هو الفن في اتخاذ القرارات الحاسمة عند المواقف الصعبة.
  5. إمكان تصنيف العيَّنات باستخدام تصاميم معيَّنة، وعيَّنات للتجربة بكل أشكالها.
  6. القدرة على تخطيط البحوث عن طريق الحصول على عدد التكرارات في المخطط، وهذا الأمر يفيد في الحصول على التقديرات المبدئية من آثار حل المشكلات، وكذلك الفرضيات البديلة.

لذلك فإنَّ تطبيق أي نظرية علمية، يتطلب وضع فروض واختبارات إحصائية، وتحديد التوزيعات الاحتمالية اللازمة، فكل ذلك هام وضروري في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية؛ لذا فإنَّ على كل باحث في أحد مجالات هذه العلوم، أن يكون لديه قدر كافٍ من الإلمام بالخطوات الأساسية للطريقة الإحصائية، والنظريات العديدة لهذا العلم، والمجالات التطبيقية له، في حال أراد هذا الباحث أن يرفع من درجة جودة وأهمية وموثوقية بحثه ومعلوماته.

أنواع وفروع علم الإحصاء:

يُصنَّف علم الإحصاء إلى نوعين رئيسين، أو فرعين أساسيين، هما:

1. الإحصاء الوصفي:

ويُعرف هذا النوع من الإحصاء على أنَّه الطريقة التي يتم استخدامها في عرض وتفسير وتنظيم ووصف وتبويب البيانات، عن طريق الجداول والمخططات والرسوم البيانية، بأساليب ونماذج سهلة وبسيطة تراعي الحدود المعرفية لعقل الإنسان واستيعابه.

ويعتمد على المقاييس الإحصائية المتعددة، مثل مقاييس التشتت، ومقاييس النزعة المركزية، وأي أسلوب آخر توصَّل إليه المختصون في هذا المجال، من أجل وصف الميزات والخصائص.

ومن المجالات التي يُستخدم فيها الإحصاء الوصفي: الدراسات الأكاديمية، والأعمال الميدانية، وتقييم البحوث العلمية، وفي البحوث العلمية الخاصة بالقطاع الحكومي.

وفي إطار الحديث عن أقسام علم الإحصاء وتعريف الإحصاء الوصفي، من الجدير بالذكر أنَّ هذا النوع من الإحصاء يهدف إلى:

  • إعطاء وصف دقيق ومحدد، للبيانات والمعلومات التي تكون عينات عشوائية.
  • تمثيل البيانات والمعلومات بقيمٍ عددية، ذات مدلولات هامة، مثل المتوسط الحسابي، والوسيط، والانحراف المعياري.
  • الوصول إلى تحديد طبيعة العيِّنة المأخوذ منها تلك البيانات والمعلومات، والمُمثَّلة بتلك القيم، بعد تحليلها وتجميعها.

2. الإحصاء الاستدلالي:

قد يُسمَّى هذا النوع من الإحصاء بالإحصاء الاستنتاجي، أو الإحصاء التحليلي، ويعرف بأنَّه مجموعة من العمليات الإحصائية التي تهدف إلى الوصول إلى الخصائص والصفات التي يتميز بها البحث موضع الدراسة، أو أفراد مجتمع الدراسة.

ويتم ذلك بتطبيق الدراسة الإحصائية على عيِّنة تمثِّل مجتمع الدراسة؛ وذلك بسبب عدم إمكان دراسة وحصر هذا المجتمع كاملاً إذا كان تعداد أفراده هائلاً.

وهكذا يتم استخدام الإحصاء الاستدلالي، للاستدلال عن هذا المجتمع المدروس، من أجل الوصول إلى قيمٍ عددية تعبِّر عن صفاته إلى حدٍّ ما، وذلك باستخدام بيانات العيِّنة المأخوذة عشوائياً.

يقوم الإحصاء الاستدلالي على تحليل المعطيات (بيانات أو معلومات)، ليقوم بعد ذلك بتفسيرها بناءً على دراسة أسباب تأثيراتها ومناقشة هذه التأثيرات والعوامل الإيجابية والسلبية المتعلقة بها، وبذلك يتيح الإحصاء الاستدلالي للباحث فرصةً لإصدار أحكامه، كما يمكِّنه من التنبؤ، وغير ذلك من الأمور.

علاوة على أنَّ الطرائق المتَّبعة في الإحصاء الاستدلالي، تعطي القدرة على تحديد أثر كل عامل من العوامل المختلفة، في سلوك أفراد المجتمع الإحصائي موضع الدراسة، كما يمكن التحكم بهذه العوامل وضبطها أيضاً.

ثم إنَّ الإحصاء الاستدلالي، كأحد أقسام علم الإحصاء، ينقسم بدوره أيضاً إلى قسمين أساسيين هما:

  • التقدير الإحصائي: يشير إلى طرائق التعرُّف إلى المجتمع المجهول المختص بالدراسة، والتي تكون ذات علاقة متينة مع مشكلة البحث.
  • الفروض الإحصائية: تقوم على وضع افتراضات من قبل الباحث، ثم يتم فحص مدى صحة هذه الافتراضات إحصائياً.

وللإحصاء الاستدلالي ميزة مهمة، ألا وهي أنَّه يمنح الباحث أدوات تسهِّل عليه مهمته البحثية، وسعيه إلى إيجاد كل المعلومات المطلوبة.

أهداف علم الإحصاء:

بعد أن تناولنا تعريف علم الإحصاء، وتبيَّنا أهميته، وتعرفنا على أقسامه، نجد أنفسنا أمام أهداف هذا العلم، وهي:

  1. العمل على وضع آلية يمكن من خلالها جمع المعلومات والبيانات جمعاً سهلاً وبسيطاً، مثل استخدام الرسوم البيانية، والجداول التوضيحية.
  2. تمكين الباحث من التعبير عن النتائج التي توصَّل إليها بطريقة إنشائية؛ أي أن تكون بصورة عددية تتصف بالدقة والوضوح وقابلية الوصول من قبل أيٍّ كان.
  3. العمل على مقارنة المجموعات المختلفة من البيانات والمعلومات، وإيجاد علاقة تربط بين هذه المجموعات المختلفة.
  4. تسهيل عملية التنظيم والتخطيط للبيانات؛ وذلك لأنَّه يقوم بالتنبؤ بالبيانات المستقبلية.
  5. العمل على استخلاص النتائج، واستنباط القرارات المنطقية والصحيحة، التي تتناسب مع المجتمع، وكذلك مع النتائج التي تم الوصول إليها.
  6. العمل على تلبية الاحتياجات الحكومية من المعلومات والبيانات العددية، حول الأنشطة الاقتصادية المتنوعة.
  7. تلبية الحاجة إلى تحويل الكمِّيات الضخمة من البيانات إلى معلومات مفيدة.

وبهذا نخلص إلى أنَّ الإحصاء علم ذو طرائق علمية، ووظائف متطورة، وأهمية بالغة، وقوانين ونظريات عدة، وبذلك يُعدُّ أساساً لكثير من العلوم الأخرى، وقاعدة متينة لانطلاقها وتطورها.

فهو علم تمتد علاقاته إلى كل العلوم، فيؤثر فيها ديناميكياً ويتأثر بها، ويشكِّل جزءاً لا يتجزَّأ منها؛ إذ إنَّ كل هذه العلوم تبدأ بالدراسات الإحصائية، وتنهل من طرائقه ونظرياته.

إنَّه علم له العديد من الوظائف المتطورة، التي تساهم في التقدم والرقي في كافة الميادين، وهي تشكل في إطارها العام، أدق وأحسن أسلوب للبحث العلمي الخلاق وذلك على نحو ما أوضحنا.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!