هل الأنشطة اليومية الهادفة مرتبطة بالعافية؟

تُعَدُّ العافية أو الصحة موضوعاً هامَّاً وشائعاً. في الواقع، هناك طرائق مختلفة لتعزيز الصحة، مثل: شراء الخبرات وشراء الأشياء، ورعاية نقاط القوة الشخصية، وعدم التفكير في الوقت على أنَّه مال، وما إلى ذلك. ولكنَّ هناك طرائق أخرى لتحقيق العافية مثل، المشاركة في نشاطات مفيدة. يناقش هذا المقال، أهمية النشاطات الهادفة للصحة العقلية والنفسية.

مذهبا اللذة (Hedonism) واليودايمونيا (Eudaimonia):

هناك مساران شائعان للصحة النفسية هما: عيش حياة سعيدة، وعيش حياة هادفة.

  • حياة سعيدة: حياة ماتعة تزخر بالأمن والأمان والراحة.
  • حياة هادفة: حياة تنطوي على تحقيق الذات والسعي إلى تحقيق أهداف نبيلة.

يعتقد الفلاسفة الذين ينتمون إلى مذهب اللذة (Hedonism) أنَّ ما يُعزِّز العافية والحياة الرغيدة هو السعادة والفرح وإشباع الرغبات، وأنَّ ما يجعل الحياة تستحق العيش هو المتعة مثل: الطعام والشراب والراحة. على النقيض من ذلك، يزعم أولئك الذين ينتمون إلى مذهب اليودايمونيا (eudaimonia) أنَّ الحياة الرغيدة تتحقق بإشباع الحاجات النفسية مثل: الاستقلالية، والكفاءة، والارتباط، وإطلاق العنان لإمكانات الفرد وتحقيقها، والسعي إلى تحقيق أهداف جديرة، حيث يدَّعي هؤلاء الفلاسفة أنَّ النشاط الفاضل مثل: تنمية ضبط النفس والشجاعة والكرم وتحقيق الذات، هو ما يجعل الحياة تستحق العيش.

بالنسبة لهذه المجموعة الثانية، لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة فيما يتعلق بكيفية عيش حياة هادفة. على سبيل المثال، هل يجب أن نتطوع كل يوم لنشعر بأنَّ حياتنا هادفة؟ أم أنَّنا نستطيع إضفاء معنى على الحياة من خلال الأنشطة اليومية الروتينية؟ وكيف يؤثر التفاعل في أنشطة هادفة في النتائج الأخرى، مثل السعادة والمزاج؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، لنلقِ نظرة على إحدى الدراسات التي تناولت هذا الموضوع.

المناهج والعيِّنات:

خصائص العيِّنة: 160 فرداً (123 أنثى)، متوسط ​​العمر 43 سنة، 74% من البيض، 52% متزوجين، 81% يعملون بدوام كامل، 84% لا يقل دخلهم عن 40 ألف دولار في السنة، 88% يحملون شهادات جامعية.

اختارت الدراسة المشاركين عشوائياً وضمَّتهم إلى مجموعة المراقبة الذاتية أو المجموعة القياسية، حيث استكملوا استطلاعات الرأي اليومية لمدة ثمانية وعشرين يوماً. أجاب المشاركون من مجموعة المراقبة الذاتية عن أسئلة تتعلق في النشاط البدني، والمزاج الإيجابي، وأهمية المعنى (أي تكرار التفكير في الهدف والمغزى)؛ أما المشاركون من المجموعة القياسية، لم يجيبوا عن أسئلة حول مزاجهم أو المغزى الطاغي؛ وخلال ثمانية أيام عشوائية، طُلب من الجميع أيضاً تذكُّر أنشطة اليوم السابق.

كان المقياس الرئيسي هو قائمة تحقق الأنشطة الهادفة (تقييم أهمية 46 نشاطاً شائعاً، مثل الأكل والنوم والعمل)، والتي اكتملت في بداية الدراسة وأثناء نشاط التذكُّر على مدار 24 ساعة. وكانت المقاييس الأخرى المستخدمة تتعلق بالمعنى في الحياة، وأهمية المعنى، والرضا عن الحياة، والهدف في الحياة، والحيوية الذاتية، وأعراض الاكتئاب، والمزاج.

النتائج:

أظهرت النتائج أنَّ التفاعل مع أنشطة هادفة ارتبط في زيادة أهمية المعنى، والمزاج الإيجابي، والرضا عن الحياة، والهدف في الحياة، والحيوية.

من بين ستَّة وأربعين نشاطاً تم تقييمه، صُنِّفت النشاطات التالية على أنَّها أكثر عشرة نشاطات هادفة:

  1. قضاء الوقت مع الأحباء.
  2. دعم أهداف أفراد الأسرة أو الأصدقاء واهتماماتهم.
  3. رعاية الأطفال وأفراد الأسرة الآخرين.
  4. مساعدة الآخرين.
  5. التعليم/ التعلم / المدرسة.
  6. المثابرة على تحقيق هدف ثمين حتى في مواجهة العقبات.
  7. التعبير عن الامتنان سواء شفوياً أم كتابياً.
  8. السفر.
  9. الإصغاء بعناية لوجهات نظر مختلفة.
  10. النوم.

كانت أيضاً الأرقام واحد وثلاثة وعشرة على قائمة النشاطات الأكثر تكراراً التي مارسها المشاركون خلال الدراسة، حيث تراوح متوسط ​​مغزى النشاطات العشرة المذكورة أعلاه كما يلي: 3.5 (التفاعل مع الأحباء) – 2.9 (النوم) – حيث يشير الـ 0 إلى أنَّ النشاط بلا مغزى والـ 4 إلى أنَّ النشاط ذو مغزى كبير.

بينما كانت درجات المغزى لبعض النشاطات الشائعة الأخرى: العمل (2.7) – التفاعل الاجتماعي العام (2.6) – الأكل (2.4) – ممارسة الرياضة (2.4) – ارتداء الملابس أو الاستحمام (1.9) – مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى الراديو (1.7) – القيادة (1.3).

قد يكون من الصعب شرح سبب اعتبار بعض النشاطات المذكورة أعلاه ذات مغزى. فعلى سبيل المثال، لماذا كان النوم مفيداً؟ أحد الاحتمالات هو أنَّ النوم – باعتباره جزءاً من الروتين اليومي – يجلب معه شعوراً بالانتظام والقدرة على التنبؤ والراحة، خاصة بعد يوم مليء بالضغوطات غير المتوقعة. ومع ذلك، هذه مجرد تكهنات.

النتيجة:

تتفق نتائج هذه الدراسة مع الأبحاث السابقة التي درست مجموعات سكانية مختلفة (مثل: الأفراد الأكبر سناً) بشأن الأهمية المحتملة للنشاطاتِ الهادفة للصحة العقلية.

إذاً، لتعزيز العافية، قد يكون من المفيد تشجيع الناس على استكشاف النشاطات الهادفة والتفاعل معها ودمجها في حياتهم اليومية، ولكن يجب أن تُعبِّر هذه النشاطات عن القيم المركزية للفرد أو تُعزِّز الإتقان والتمكين. في عبارة أخرى، إذا كان قضاء الوقت مع أحبائك، أو مساعدة الآخرين، أو تلقي دورة تدريبية حول موضوع يهمك أمراً هاماً بالنسبة لك، فخصِّص وقتاً لممارستها، أو مارسها كثيراً.

قد يكون من المفيد أيضاً محاولة اكتشاف المغزى في النشاطات الروتينية، حتى لو بدت هذه النشاطات بلا مغزى في البداية. على سبيل المثال: فكر في تحضير العشاء، فهو من منظور ما عمل روتيني متكرر، ولكنَّه يُعدُّ من منظور آخر طريقة ذات مغزى وثمينة لرعاية الأحباء أو رعاية الذات. وبالمثل، يمكن تأطير النشاطات اليومية على أنَّها مفيدة في تنمية مجموعة متنوعة من الفضائل مثل: ضبط النفس، والشجاعة، والكرم، والثقة بالنفس، والمودة، والامتنان، والصبر، واحترام الذات، والتواضع، والصدق، والانفتاح، والعمل الدؤوب، والاستمرارية، والرحمة.

ومن خلال الممارسة والمحاولة المدروسة لربط النشاطات الشائعة بالفضائل الثمينة، يمكن إثراء النشاطات اليومية للفرد بالمغزى والأهمية. وبهذه الطريقة، حتى عندما لا نستطيع التفاعل مع النشاطات الهادفة التي اخترناها، نظل نجد معنى في حياتنا.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!