كيفية تحقيق التوازن بين السيطرة والتجنب

يبدو أحياناً أنَّه يوجد مدرستان فكريتان في الاختيار، ، وقد نوقِشَت وجهات النظر المختلفة دون اتفاق واضح يُظهر فيما إذا كنا نمتلك السيطرة على خياراتنا وأفعالنا أم لا.

Share your love

لعنة السيطرة:

لقد مر معظمُنا بمواقف أردنا فيها نتيجةً معينةً بشدة، وأصبحنا خائفين من التخلي عمَّا كنَّا نظن أنَّه تحت سيطرتنا، قد نعرف أشخاصاً – وربما نحن – غير مرتاحين لفكرة التخلي عن أيِّ مظهر من مظاهر السيطرة لدرجة أنَّهم يعوِّضون عن ذلك بممارسة أكبر قدر ممكن من السيطرة خلال حياتهم، وأحياناً، قد يبدو ذلك بمنزلة تحكُّم، فأطفالنا يفعلون ما نريد منهم أن يفعلوه، وينجز موظفونا ما نتوقع منهم إنجازه.

تخيَّل أنَّ مديرك يركز بشدة على تحقيق أرقام مبيعات الربع الثاني من العام، ويحاول تعزيز المنافسة الصحية بين أعضاء الفريق من خلال نشر أرقام مبيعات الجميع في كل ساعة، وإذا انخفضت مبيعات شخص ما عن المتوسط، يشارك تغذية راجعة فورية تخصُّ الخطأ الذي حدث.

في الأيام الثلاثة الأولى، عزَّز فريق المبيعات من جهوده، ثم بدأ الضغط على الحاجة إلى البقاء متاحاً في كل دقيقة بالتأثير سلباً في المشاركة والأداء والإحساس بالمسؤولية؛ فكلما حاول المدير، قل دافع فريق المبيعات لديه.

ليس غريباً أن يؤدي الاعتماد على السيطرة المفرطة كاستراتيجية إلى نتائج عكسية، فقد وجدت دراسة أَجرتْها “جامعة كوليدج في لندن” (A University of College London)، التي تعقَّبت الأفراد منذ أربعينيات القرن الماضي، أنَّ الأشخاص الذين لديهم آباء يسيطرون عليهم كثيراً لديهم مستويات أقل من السعادة والرفاهية، حتى لو كانوا في الستينيات من العمر.

كما وجدت دراسة أخرى أنَّ المديرين الذين يفرطون في المراقبة لديهم موظفون ذوو أداء منخفض وضعيف، فقد تؤدي زيادة وجود مديرين تفصيليين إلى خفض الروح المعنوية والإنتاجية، بالإضافة إلى زيادة معدَّل الدوران وزيادة فرصة الشعور بالإرهاق.

قد لا تكون زيادة وعينا الذاتي أمراً مضموناً، ولكنَّها تمكِّنُنا من جذب المزيد من الاهتمام لمعرفة الطرائق والأسباب التي تدفعنا إلى التصرف بهذه الطريقة، كما تتيح لنا الإدارة الذاتية التحقُّق من أنفسنا وأفعالنا.

لعنة التجنب:

من المحتمل أنَّنا واجهنا لحظات قلنا فيها: “مهما فعلنا سيحدث هذا الأمر”؛ لهذا السبب، يصبح من المنطقي عدم اتخاذ أيِّ إجراء أو أيِّ قرار، ومن المحتمل أنَّنا نعرف أشخاصاً – وربما نحن – يخافون من اتخاذ القرار الخاطئ، سواء بسبب الخوف من إيذاء شخص آخر، أم من الصدق مع أنفسهم، أم حتى الشعور بالسعادة بما يتجاوز توقعاتهم، لدرجة أنَّهم ينفصلون عن الواقع من حولهم، ويتجنبون مسؤولية أفعالهم ويسمحون لكل شيء أن يحدث في حياتهم دون تدخُّل منهم.

في بعض الأحيان، قد يبدو أنَّ التجنب ينجح، فنحن نحصل على وظيفة ونتزوج ونكوِّن عائلة، ولكن ليس من المستغرب أن يؤدي تجنُّب القرار في النهاية إلى نتائج عكسية.

على سبيل المثال: لنفترض وجود شخص يؤدي أفضل ما لديه في وظيفته، لكنَّه غير سعيد لأكثر من عشر سنوات؛ وذلك لأنَّه يدرك أنَّ هذا العمل ليس شغفه، ومع ذلك، فهو لا يريد أن يُخيِّب آمال مديره أو عائلته بالاستقالة من عمله؛ لذلك يتجنَّب اتخاذ القرار عاماً بعد عام، على أمل أن يحدث أمر يساعده على متابعة أحلامه.

عاماً بعد عام، يصبح أداؤه فعَّالاً بما فيه الكفاية ويُرقَّى في عمله؛ ولتجنُّب اتخاذ قرار صعب، فإنَّه يقبل بالترقيات، ولكن خلال ذلك، تزداد تعاسته ويؤثر ذلك في حياته الأسرية وشعوره بالرفاهية.

أكثر من نصف الموظفين الأمريكيين ليسوا سعداء ولا تعساء في وظائفهم، و13% منهم لا يشاركون بفاعلية في عملهم، والأشخاص الذين يميلون إلى تجنُّب المسؤولية هم أقل عرضةً ليصبحوا قادةً، كما ترتبط زيادة تجنُّب الصراعات بزيادة توتر العلاقة الزوجية.

يمكن أن تزيد النظرة الإيجابية قدرتنا على تقبُّل أيِّ أمر مجهول بفضول أكبر وخوف أقل؛ ممَّا يسمح لنا باتخاذ إجراءات مدروسة، فكلما واجهنا موقفاً يدفعنا للاختيار – كما يحدث آلاف المرات في اليوم – فإنَّنا نواجه لحظات غير منطقية؛ بحيث يبدو أنَّ الخيارات الصغيرة جداً يمكن أن يكون لها تأثير كبير.

كل قرار وحتى عدم اتخاذ قرار هو قرار بحد ذاته، وينتج عنه مجموعة كاملة من الأحداث التي تمثِّل في حد ذاتها المزيد من الخيارات؛ لهذا السبب، يفشل معظمنا بسبب كثرة القرارات المطروحة، فإما نحاول السيطرة على المجهول، أو نهرب من المساءلة من خلال التقاعس.

إيجاد التوازن:

دون مناقشة ما يتضمنه الخيار النهائي، من المحتمل جداً أن يكون لكل من السيطرة المفرطة والتجنُّب عواقب غير مقصودة؛ حيث يوجد توازن دقيق بين إرادة المرء في اتخاذ قرار أو عدم اتخاذه، في حين لا يمكننا السيطرة على أفكار الآخرين وردود أفعالهم، أو ما سيحدث نتيجةً لذلك، فنحن نمتلك القدرة على التأثير بناءً على ما نفعله أو لا نفعله، وكذلك ما نقوله أو لا نقوله.

يمكن أن يساعدنا الوعي الاجتماعي – ومن ذلك التعاطف – على التفكير والنظر في المتغيرات الأخرى، بدلاً من مواجهة أمور غير متوقعة خلال اتخاذ القرارات الحاسمة، فإنَّ تنمية الوعي والاهتمام بعقلية النمو وتوفر الإمكانات، وتعرُّف القواسم المشتركة للآخرين قد يدعمنا لإيجاد هذا التوازن.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!