كيف تؤذي التحيزات أطفالنا؟

يمتلك جميع الآباء تحيزات قوية عندما يتعلق الأمر بإدارة استخدام أطفالهم للأجهزة الذكية والتكنولوجيا. نقدم إليك فيما يأتي بعض التحيزات التي يمكن أن تفاجئ الآباء في عالم التكنولوجيا والشاشات.

Share your love

يحب الآباء أطفالهم، وجميع الآباء لديهم تحيزات عندما يتعلق الأمر بالتربية، فالتحيزات جزء من الحياة.

قد يتذكر معظمنا قصة “ملابس الإمبراطور الجديدة”؛ حيث يأتي بعض النصابين والمشعوذين إلى المدينة ويقنعون الإمبراطور بشراء أفخم الملابس، وأنَّها ملابس غير مرئية للأشخاص الأغبياء أو غير الأكفَّاء.

وقد كان الإمبراطور غير قادر على رؤية الملابس، لكنَّه فخور بها جداً، ويتمايل في المدينة عارياً، والجميع يتماشى مع تلك الحيلة، ولم يستمر الأمر على هذا الحال حتى أعلن طفل صغير بصوت عالٍ: “الإمبراطور لا يرتدي شيئاً”، فلاحظ سكان المدينة ذلك أخيراً، لقد أعاقهم انحيازهم المحدد مسبقاً وأصابهم بالعمى، فقد أرادوا بشدة أن يصدقوا أنَّ شيئاً ما كان صحيحاً كما كانوا يفعلون.

عندما يحب الآباء أطفالهم، فإنَّهم يخلقون بعض التحيزات ويصبحون غير قادرين على فهم أطفالهم؛ ممَّا يؤثر سلباً فيهم.

توجد بعض الثغرات التي تحدث مع الآباء عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال في ظلِّ وجود التكنولوجيا، ومنها الخلط بين النضج الجسدي والذكاء، والنضج العاطفي، والاعتقاد بأنَّ الحب دائماً ما يعني الثقة، والاعتماد كثيراً على الرقابة الأبوية لمنع حدوث المشكلات، وعلى المناقشات لتغيير السلوك، والإيمان بالخرافات الشائعة المتعلقة باستخدام التكنولوجيا والسعي إلى تأكيد التحيزات الشخصية.

ما هي التحيُّزات؟

التحيزات (أو ما يسمى بـ الانحياز) ضرورية في الحياة، فهي تساعد في مهارات البقاء والاستمرار وتساعدنا على توفير الطاقة.

يطور النظام التنفيذي في الدماغ بعض التحيزات طبيعياً من أجل إدارة المخاطر واتخاذ القرارات بكفاءة؛ لهذا السبب نحن نعتمد على التحيزات لاختصار تلك العملية، لكنَّ هذه الاختصارات يمكن أن تزيد من الافتراضات التي تمنعنا من ملاحظة إشارات الإنذار المبكر للنشاطات التي يحتمل أن تكون خطرةً.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/ns67vHm5dJU?rel=0&hd=0″]

نقدم إليك فيما يأتي بعض التحيزات التي يمكن أن تفاجئ الآباء في عالم التكنولوجيا والشاشات.

1. تحيُّز “ليس طفلي” أو “طفلي لن يفعل ذلك أبداً”:

يقول بعض الآباء: “ابني ليس مثل أصدقائه، إنَّه ناضج وتصرفاته تتجاوز عمره، ولديه قدرة جيدة على ضبط نفسه” أو “ابنتي المراهقة ذكية جداً، إنَّها أكثر نضجاً من شقيقها الأكبر، وقادرة على التعامل مع الأمور المشتِّتة للانتباه والمتعلقة بالهواتف الذكية، أنا لا أشعر بالقلق تجاهها أبداً”.

في الحقيقة، من الطبيعي أن يعتقد الآباء أنَّ أطفالهم مميَّزون؛ حيث يرى معظم الناس أنَّ أطفالهم يتميزون عن الآخرين وأنَّهم أكثر نضجاً ممَّا هم فعلاً، فنحن نعادل بين الأفعال الناضجة والتفكير في أنَّ أطفالنا حكيمون، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ أطفالنا أكثر نضجاً من أقرانهم.

بالعودة إلى علم الدماغ التنموي، نحن نعلم أنَّ جميع الأطفال والمراهقين غير ناضجين، ونعلم أيضاً أنَّ مهارات تربية الأطفال لدينا لا يمكنها زيادة عملية النضج؛ حيث يستغرق النضج وقتاً ولا يكتمل حتى نصل إلى منتصف العشرينيات من عمرنا، عندما يصبح للقشرة الأمامية روابط عصبية أقوى.

قد يكون طفلك ذكياً جداً، لكنَّه ليس ناضجاً بعد، فطفلك غير مُحصَّن من إصدار أحكام سيئة عندما يتعلق الأمر باستخدام التكنولوجيا المتعلقة بالبالغين، ونحن نؤذي أطفالنا عندما نعتقد أنَّهم محصنون ضد اتخاذ القرارات السيئة.

2. تحيُّز التفاؤل الأبوي:

  • “أنا أؤمن بطفلي، وأريد الأفضل له؛ لذلك أنا أثق به”.
  • “طفلي لا يكذب عليَّ أبداً، وأنا أعلم أنَّه لن يحدث معه أيُّ أمر سيِّئ عبر الإنترنت، وإذا حدث ذلك، فسوف يخبرني وسنتعامل مع الأمر معاً”.

في الحقيقة، من السهل المبالغة في توقع احتمال حدوث أمور جيدة، والتقليل من احتمال حدوث أمور سيئة، فنحن نفترض أنَّ أطفالنا لن يرتكبوا أموراً سيئةً عبر الإنترنت، لكنَّ الإحصائيات تشير إلى عكس ذلك تماماً.

من الجيد أن يكون موقف الآباء إيجابياً، لكنَّ هذا من شأنه أن يجعلهم يبالغون في ثقتهم بأبنائهم المراهقين، ومن ثمَّ سيؤدي هذا التحيز إلى انخفاض الصحة العاطفية لدى المراهق؛ حيث إنَّ قوة التفكير الإيجابي لا يجب أن تنطبق على استخدام الأجهزة الذكية والشاشات.

3. تحيُّز الحوار:

  • “ما دمتُ أخبر أطفالي بعدم متابعة أمور معيَّنة، وعدم إظهار المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، وتجاهل أيِّ محتوى لا يناسب أعمارهم، وأناقش معهم الإرشادات الأخرى؛ فسوف يكونون على ما يرام”.
  • “سيخبرني أطفالي إذا ما وجدوا أمراً خاطئاً على الإنترنت”.

في الحقيقة، لو كانت المناقشات ناجحة فعلاً، لكنَّا قادرين على القضاء على انحراف المراهقين من خلال إجراء مناقشات حول هذه الأمور؛ إذ تُعَدُّ المناقشات أساس بناء العلاقات الجيدة مع أطفالك، ولكنَّها لا تغير السلوك وحدها، وعندما نعتمد على المناقشات حول السلامة الرقمية، فإنَّنا نؤذي أطفالنا.

وفي حين أنَّ المناقشات المستمرة تثبت أنَّك خبير وتمتلك نصائح تفيد أطفالك في الحياة، غير أنَّها ليست الورقة الرابحة عند التعامل مع خصوصية التكنولوجيا.

4. التحيُّز الراسخ:

  • “أنا أثق بطفلتي عندما تستخدم هاتفها الذكي؛ إذ إنَّها عندما كانت في الثامنة من عمرها، أخبرتني عن أمر سيِّئ رأته في جهازها الخاص وأطلعَتني عليه، أنا فخور جداً بها لأنَّها طفلة ناضجة جداً، وتوجد بيننا علاقة وثيقة؛ لذا ليس لديَّ أيُّ سبب يدفعني إلى الاعتقاد بأنَّها لن تكون منفتحةً وصادقةً معي”.
  • “يشاهد أطفالي الرسوم المتحركة على “يوتيوب” (YouTube) منذ سنوات، ولا يوجد ما يدعو إلى القلق”.

في الحقيقة، يشير التحيز الراسخ إلى أنَّنا نتأثر بشدة بالانطباع الأول الذي نأخذه حول موضوع أو شخص ما، لكنَّ هذا الانطباع قد يؤثر بصورة غير صحيحة في حكمنا على التقييمات المستقبلية، وكون طفلك ناضجاً خلال مراحل عمره الأولى لا يعني أنَّه سيكون ناضجاً فيما بعد، ومن المنطلق نفسه، فإنَّ إخبارك بأمر ما مرةً واحدةً لا يعني أنَّه سيخبرك بكل شيء.

عندما يكون لدينا تحيز راسخ، لا نكون منفتحين للإصغاء إلى معلومات جديدة، ونميل إلى التمسك بحادثة إيجابية واحدة، بدلاً من تقييم أطفالنا في مراحل نموهم المختلفة؛ إذ إنَّ ما يفعله الطفل البالغ من العمر 8 سنوات قد يكون مختلفاً تماماً عمَّا يفعله في سن الثانية عشر.

عندما نكون منفتحين على الحقائق والأفكار الجديدة، سيساعدنا ذلك على اتخاذ قرارات صائبة فيما يتعلق باستخدام الأجهزة الذكية والتكنولوجيا.

5. التحيُّز التأكيدي (البحث عن حقائق تؤكد المعتقدات):

  • “إنَّ ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي مناسبة لأولادي؛ ذلك لأنَّ الثقافة المعاصرة ونظام التعليم وجميع أصدقائي يعتقدون أنَّها مفيدة، بالإضافة إلى ذلك، ليس لدينا خيار آخر، فنحن لا نريد أن يتخلف أطفالنا في تعلُّم طريقة استخدام التكنولوجيا الحديثة”.
  • “جميع الأطفال في صف طفلي لديهم هواتف ذكية، ويبدو أنَّهم بخير، أنا لا أريد أن يُهمَل أطفالي اجتماعياً”.

في الحقيقة، نحن نسعى عادةً إلى قراءة المعلومات التي تؤكد ما نعتقده بالفعل، وإذا أردنا أن نُصدِّق أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو مفيدة لأطفالنا، فتوجد الكثير من المنصات التي يمكننا البحث عنها لدعم هذا التحيز.

نحن نفعل ذلك جزئياً؛ لأنَّ القيام بما يفعله معظم الناس يتطلب طاقة أقل؛ ولأنَّنا نريد أن يحبنا أطفالنا؛ لذلك ندعهم يفعلون كل ما يفعله أقرانهم.

لكنَّ السير مع التيار غالباً ما يكون أمراً خاطئاً؛ ذلك لأنَّ معظم الناس يفضلون بذل مجهود بسيط واتخاذ طريق سهل، كما أنَّ ثقافتنا الحالية تميل نحو المسار الذي يحقق ربحية أكثر من الناحية المالية، وليس نحو المسار الأفضل لأطفالنا.

يتطلب الأمر مزيداً من الطاقة للابتعاد عمَّا يفعله الآخرون، ودراسة الحقائق، والسير عكس تيار الثقافة السائدة، ولكن قبل أن تختار نهجاً معيَّناً، يجب عليك دائماً توخي الحذر الواجب والبحث جيداً، فإذا كان لديك شعور داخلي بأنَّ طفلك يتعرض للأذى بسبب استخدامه للهاتف الذكي، فقف على الحياد وابحث عن الحقائق بنفسك، وتذكَّر أنَّك تهتم بأطفالك أكثر ممَّا يهتم بهم الآخرون، وعندما نرفض التفكير في خيارات أخرى، قد نؤذي أطفالنا.

6. تحيُّز الوضع الراهن (التغيير أصعب من التسليم بالأمر الواقع):

  • “يمتلك ولدي المراهق هاتفاً منذ فترة طويلة، ولا يمكنني أخذه منه الآن”.
  • “ابني يلعب في هاتفه منذ سنوات، وسيفقد صوابه إن منعتُه من ذلك الآن”.

نحن مطبوعون على العادات، ومن الصعب تغيير العادات؛ لأنَّها تتطلب الكثير من الطاقة والجهد؛ لذا نميل نحو الحفاظ على الأمور كما هي؛ لأنَّنا ندرك أنَّ أيَّ تغيير هو عبارة عن خسارة، وهذا الأمر صحيح، تحديداً عندما يتعلق الأمر بالابتعاد عن الهواتف الذكية.

نحن نعتقد أنَّه نظراً إلى أنَّ أطفالنا يستخدمونها مسبقاً، فمن السهل علينا السماح لهم بمتابعة استخدامها، ويصبح التفكير في إجراء التغيير أمراً صعباً جداً.

في الحقيقة، التغيير أمر صعب، والقيام بالأمر الصحيح صعب أيضاً؛ حيث يُعَدُّ إجراء تغييرات تتعلق بالهواتف الذكية أحد أصعب القرارات التي يجب اتخاذها؛ ذلك لأنَّها إحدى أكثر العادات رسوخاً في ثقافتنا اليوم.

عموماً، أيُّ أمر يستحق القيام به هو أمر صعب، وهذا ليس استثناءً؛ إذ يتأذى معظم الأطفال لأنَّ آباءهم غير مستعدين لإجراء التغييرات الصعبة والضرورية لتغيير عاداتهم المتعلقة باستخدام الأجهزة الرقمية.

7. تحيُّز المعلومات (أمثلة خارج السياق):

  • “أعرف فتاةً كرهت والدتها لسنوات لأنَّها لم تسمح لها بامتلاك هاتف ذكي”.

في الحقيقة، يعتمد هذا الاختصار العقلي على الأمثلة التي تتبادر إلى الذهن عند طرح موضوع معيَّن، فإذا تذكرناها بسرعة، فلا بُدَّ أنَّها أكثر صحةً، وحقيقة أنَّك تتذكر قصة معيَّنة عندما تناقش موضوعاً ما، يجعلها تبدو هامةً وصحيحةً، لكن عموماً لا نتذكر القصة بأكملها.

كيف تكسب حرب التحيُّز؟

أنت تتغلب على التحيزات ونقاط الضعف عندما يمكنك الحصول على معلومات صحيحة، ثم تفكر ملياً وتنظر إلى المشكلة من وجهة نظر جديدة، فكلما أسرعتَ في فهم العلم وإشارات التحذير، كنت أقل تحيزاً.

من غير المُجدي أبداً أن يقضي الأطفال وقتاً طويلاً على هواتفهم الذكية أكثر ممَّا يقضونه في تعلُّم مهارات حياتية، أو قضاء بعض الوقت مع الأشخاص من حولهم، فنحن نعلم أنَّه من الطبيعي أن يختار الأطفال نشاطات منخفضة الجهد وذات مكافآت عالية مقابل المهارات الحياتية الصعبة، ونعلم أيضاً أنَّ إغراء الأجهزة الرقمية يفوق قدرتهم على الاستغناء عنها.

لهذا السبب يحتاجون إلى الآباء لتقييم المخاطر تقييماً موضوعياً واتخاذ قرارات التربية المناسبة.

ومع ذلك، لا يحتاج الآباء إلى دراسات بحثية أو مجموعات اجتماعية لتأكيد ما يعرفونه في أعماقهم عمَّا يصبُّ في مصلحة أطفالهم؛ لذا فاليوم الذي تشعر فيه بأنَّه يوجد أمر غير جيد، هو يوم اتخاذ الإجراءات.

توقَّف عن محاولة العثور على أشخاص يؤكدون لك بأنَّ استخدام الأجهزة الرقمية وألعاب الفيديو يمكن أن يكون مفيداً لأطفالك، ثم احصل على معلومات واضحة، وكن على استعداد لتقبُّل المعلومات الجديدة وتغيير ما تفعله، وإذا وجدتَ نفسك تبحث عن المزيد من الدعم أو الأعذار لاستمرار أطفالك في استخدام هواتفهم، عندما تكون هناك إشارات تؤكد على وجود مشكلة، فهذه علامة تحذيرية.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!