كيف تدرب دماغك على أن يكون أكثر إبداعاً؟

تؤدي شرارة الإلهام التي تأتي في لحظة مفاجئة إلى إثارة حسك الإبداعي الذي غالباً ما يكون عمليةً بعيدة المنال، فهل من الممكن تعلُّم الإبداع؟ ستعرف الإجابة عن هذا السؤال عندما نلقي نظرة فاحصة على كيفية عمل الدماغ.

تقول “شيلي كارسون” (Shelley Carson) الطبيبة النفسية “بجامعة هارفارد” (Harvard University): “لقد كان النموذج القديم للدماغ هو أنَّ النصف الأيسر مسؤول عن التفكير التحليلي والتعاقبي، بينما النصف الأيمن منه مسؤول عن التفكير الشمولي، ثم اتَّجه العلماء نحو تقسيم الدماغ إلى أمامي وخلفي؛ حيث يكون الدماغ الأمامي هو الذي يتحكم في المدخلات التي تأتي من الدماغ الخلفي، ولكنَّنا نعتقد الآن أنَّ الأمر أكثر تعقيداً بكثير من أيٍّ من هذه النماذج، وأنَّه يعتمد على المرحلة الإبداعية التي أنت فيها”.

إذاً ليست هناك عملية واحدة تحدِّد الإبداع، حيث تعدد “شيلي” (Shelley) في كتابها “دماغك الإبداعي: ​​سبع خطوات لمضاعفة الخيال والإنتاجية والإبداع في حياتك” (Creative Brain: Seven Steps to Maximize Imagination) المراحل السبع للإبداع، أو “مراتب الفكر” كما تسميها، وهي:

  1. الاستيعاب.
  2. التفكير المنطقي.
  3. القدرة على ربط الأمور ببعضها بعضاً.
  4. التخيُّل.
  5. التقييم.
  6. التحول.
  7. حالة تدفُّق الأفكار الإبداعية.

فكِّر في الإبداع كأنَّك تتعلَّم الطبخ؛ ففي المرة الأولى التي تطبخ فيها طبخة معيَّنة، ستسأل عن الوصفة لتعرف كيفية القيام بذلك، وبمجرد أن تتعلَّم، تبدأ فعلها بنفسك، ثم تبتكر بعض النكهات أو الإضافات الجديدة، وبعد ذلك، تتخيَّل جميع الطرائق التي يمكنك من خلالها إعداد هذه الطبخة، وتقيِّم الأفكار التي ستطبِّقها. وفي يوم سيء، قد تحوِّل طاقتك السلبية إلى طبخة رائعة للغاية، وفي النهاية، يمكنك تكرار العملية بإبداع متدفِّق.

الآن، دعنا نلقي نظرةً معمَّقةً على كل مرحلة من مراحل التفكير الإبداعي:

1. مرحلة الاستيعاب:

أنت نتاج ما تستهلكه، ولا تقتصر هذه النظرية على ما تأكله فحسب؛ بل على ما تُغذِّي به عقلك أيضاً؛ فإذا تمعَّنا في الأمر، سنجد الأطفال يأتون إلى هذا العالم بدماغ نقي لا يعرف سبيلاً للانحياز، ثم يستوعبون كل شيء فيما بعد.

وينطبق الشيء نفسه عليك؛ فعندما تصل إلى مرحلة الاستيعاب من الإبداع، ينفتح عقلك على تجارب وأفكار جديدة، وتنظر إلى عالمك دون تمحيص وتتقبَّل أي معرفة، وحينها ستسحرك وتجذب انتباهك جميع الأمور التي تصادفها تماماً كالأطفال.

إذا أردت اتباع أقصر طريق للولوج إلى هذه المرحلة الإبداعية، فجرِّب التأمل: اجلس في هدوء، وصفِّ ذهنك ولاحظ الأفكار التي تخطر في بالك مع ملاحظة أحاسيس جسدك وما تشعر به، وبالإضافة إلى ذلك، حاول أن تتعرَّف إلى وجهات نظر جديدة ومختلفة، على سبيل المثال: إذا كنت معتاداً على الاستماع إلى مدوَّنات صوتية عن علم النفس، فحاول الاستماع إلى بضع حلقات من المدونات الصوتية التي تتحدَّث عن موضوعات خيالية أو كوميدية. الفكرة هي أن تتمرَّن على ملاحظة كل التفاصيل، وبدون إطلاق أي أحكام.

2. مرحلة التفكير المنطقي:

يتعيَّن عليك تحليل الثغرات بمنهجية واختبار الأفكار وتقييمها من أجل التمكُّن من الإبداع؛ وذلك لأنَّه من المفيد معرفة الموضوع المطروح معرفة عميقة عند استخدام العقل لإثارة الإبداع من خلال التفكير لاستخدام المعلومات المخزنة في ذاكرتك العاملة (قشرة الفص الجبهي).

تلعب البيئة دوراً رئيساً في مدى تركيزك في أفكارك؛ لذا عندما تفكر بعمق، لا تدَع وابل الإشعارات يشتِّت انتباهك، وتخلَّص من كل عناصر التشتيت.

فيما يلي بعض الأسئلة التي يجب أن تفكر فيها قبل جلسة التأمل أو التفكير:

  • كيف يمكنك التخلُّص من مشتِّتات هاتفك؟
  • ما هي المشتِّتات الأخرى الموجودة في المكان الذي تؤدي فيه أهم أعمالك؟
  • هل يمكنك التخلُّص ممَّا يشتِّتك أو نقله إلى مكانٍ آخر؟

شاهد بالفيديو: 10 أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/7SAFOr2DI_Q?rel=0&hd=0″]

3. مرحلة ربط الأمور ببعضها بعضاً:

قد تكون مررت بلحظات تسللت فيها الأفكار إلى عقلك بمنتهى السلاسة، ربما كانت في أثناء الاستحمام أو في أثناء ممارسة المشي أو في أي وقت؛ حيث تُعرِّف الدكتورة “شيلي” (Shelley) هذه المرحلة بأنَّها حالة تتخلى فيها عن تركيزك وتسمح لك برؤية الروابط بين الأشياء أو المفاهيم المتباينة تماماً بطبيعتها.

يمكنك أن تبدأ هذه العملية في دماغك من خلال تخصيص الوقت لأحلام اليقظة، لقد كنَّا نفعل ذلك في طفولتنا، ولكن لم تَعُد حياتنا المزدحمة تسمح بذلك الآن، أو ربما لأنَّ الناس لا يحبون أن ينفردوا بأفكارهم، كما يقول “كريس بيلي” (Chris Bailey) في كتابه “التركيز الفائق: كيف نكون أكثر إنتاجية في عالم من التشتُّت؟” (Hyperfocus: How to Be More Productive in a World of Distraction).

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك تحاول حل خلاف بين الموظفين، احتفِظ بهذه المشكلة في ذهنك في أثناء أداء أي مهمة اعتيادية، أي شيء لا يتطلب الكثير من التفكير ويسمح لعقلك بالشرود (مثل الذهاب للجري)، وحاول أن تختار مهمة تستمتع بها لتبقي عقلك في مزاج إيجابي؛ ممَّا يجعل عقلك يفكِّر بتلقائية ويربط المعلومات ويشكِّل أفكاراً إبداعية جديدة؛ حيث ينصح الخبراء بأن تحتفظ بمذكرة معك لتدوين الأفكار التي تتدفَّق إلى عقلك في مثل هذه اللحظات.

4. مرحلة التخيُّل:

هذه هي المنطقة الإبداعية لكل الفنانين والحالمين، فعندما تستوعب الإبداع وتتخيَّله، تستطيع التفكير بطريقة تصوريَّة، حيث يمكنك استخدام الخيال.

إليك بعض النصائح الممتعة لإثارة خيالك:

  • اقرأ: سينفتح عقلك على العالم حينما تتعرَّف على أفكار جديدة.
  • عبِّر عن نفسك: يمكنك القيام بذلك من خلال كتابة اليوميات أو ممارسة فن تقليد أصوات الآلات الإيقاعية والنغمات الموسيقية عن طريق الفم أو التحدث عن شيء تحبه.
  • شاهد فيلماً: نوصي بمشاهدة أفلام من إنتاج “بيكسار” (PIXAR).
  • اسعَ للمغامرة: خُض تجاربَ جديدة لتتعرف إلى عالم جديد كليَّاً.
  • العب: يبثُّ فينا اللعب روحاً طفولية تدفعنا إلى الإبداع.

5. مرحلة التقييم:

إذا كنت تستشعر أي شيء خاطئ عند التفكير في فكرة أو مشروع جديد، فأنت تمتلك نظرةً إبداعيةً ناقدة؛ إذ تستطيع أن تحكم بصورة ممتازة على الأفكار والمفاهيم والمنتجات والسلوكات، وتختار أفضل فكرة للمضي قدماً بصورة إبداعية، أمَّا إذا كنت تبالغ في التفكير، فاعلم أنَّ الفشل أحد الطرائق التي تعزز مهاراتك؛ إذ يتسنَّى لنا التعلُّم من أخطائنا فقط من خلال الفشل، وإعادة اكتشاف أنفسنا والأمور من حولنا، والمضي قدماً على نحو أكثر كفاءة ممَّا كنَّا عليه.

هناك طريقة أخرى تتمثل في البدء بوضع النهاية في الحسبان، ثم إجراء هندسة عكسية لنجاحك، على سبيل المثال: إذا كنت ترغب في إطلاق منتج جديد في الربع السنوي التالي بهدف تحقيق أرباح بقيمة 100000 دولار في الأشهر الستة الأولى؛ قيِّم أولاً أفكار المنتج التي ستمكِّنك من تحقيق هدفك، أو ابحث عن شخص جديد ليتعاون معك في مشروع ما، أو تحدَّث إلى شخص يفكِّر بوجهة نظر جديدة أو معاكسة تتحدى طريقة تفكيرك.

6. مرحلة التحويل:

هذا هو الجانب المظلم للإبداع؛ إذ وُلِدَت بعض أعظم المساهمات في الفن والأدب والموسيقى من رحم المعاناة؛ لذا تقول الدكتورة “شيلي” (Shelley): “إذا وجدت نفسك في حالة ذهنية سلبية أو شعرت أنَّك مستاء أو غير راضٍ، فاستخدم هذه الحالة لتحويل الطاقة السلبية إلى أعمال فنية وأداء متميِّز”.

لا يعني هذا أن تبحث عن الألم لتدرِّب عقلك على الإبداع، ولكن المقصود هنا هو توجيه هذا الألم إلى الإبداع.

تكون المعاناة غالباً هي ثمن فهم الحياة، سواء كانت معاناة من فقدان الأحبَّاء أم معاناة من مشكلات نفسية أم أي عقبة أخرى قد تواجهها، فبدلاً من أن تدفع هذا الألم إلى أعماق روحك، استثمره لإثارة خيالك؛ ممَّا قد يوصلك إلى حل فريد للعقبة التي تواجهها، على سبيل المثال: يمكنك كتابة كتاب لإحياء ذكرى مَن فقدته بسبب مرض السرطان.

7. مرحلة التدفق الإبداعي:

تدفُّق الإبداع هو سيل الإبداع الجارف، وهو الحالة التي نتوق إليها جميعاً عند العمل أو الانخراط في مَهمةٍ ما، عندما يمر الوقت دون أن تلاحظ ذلك لأنَّك مركِّز أو مستمتع جداً بما تفعله، وفي هذه المنطقة الإبداعية، لا تستطيع السيطرة على انفعالاتك، مثل الأطفال الصغار؛ لذا نقدِّم لك بعض النصائح للاستفادة من هذه المرحلة دون خسائر:

  • لاحظ عواطفك واسمح لها بالتدفق (قد يساعدك التدوين أو التأمل).
  • تخلَّص من الصوت السلبي في داخلك من خلال قول عبارات تحفيزية وإيجابية لنفسك.
  • جِد توازناً بين الصعوبات التي تواجهها واستثمار مهاراتك.
  • اختَر عملاً مثمراً للغاية.
  • كوِّن رؤية واضحة حول فوزك أو هدفك النهائي.

في الختام:

إذا كنت تريد أن تمارس التمرينات الذهنية المكثفة لتصبح أكثر إبداعاً، فيتعيَّن عليك الخروج من منطقة راحتك؛ إذ ستقوى على الاستفادة من الإبداع عندما تتعلَّم كيفية المشاركة والتنقُّل بين طرائق تفكير متعدِّدة.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!