كيف تُصمِّم معدلك الخاص لتحقيق النجاح؟

الإنتاجية ليس لها مقياس واحد يمكِن تطبيقه على الجميع، وحالها كحال الحياة بمجملها؛ لذا علينا التوقف عن التفكير بما علينا فعله، والعمل على الاستفادة من الاستراتيجيات التي سنقرأ عنها بحيث تفيدنا شخصياً.

مبدأ باريتو موضوع متداول اليوم بكثرة، لكنَّه اكتُشِف أوَّل مرة في أواخر القرن الثامن عشر على يد عالِم الاقتصاد الإيطالي “فيلفريدو باريتو” (Vilfredo Pareto)؛ إذ لاحظَ “فيلفريدو” أنَّ الثروة الإيطالية يمتلكها 20% من السكان فقط؛ أي أنَّها غير موزعة بتساوٍ؛ بل ترتكز على نمط يمكن توقُّعه بسهولة، وذلك هو جوهر المبدأ، وأنَّ معظم الأمور في الحياة ليست موزعةً بتساوٍ.

أعاد “جوزيف موسى جوران” (Joseph Moses Juran) -أحد رواد القرن العشرين في الإدارة والذي يَعُدُّه العديد من الناس رائد نظام إدارة الجودة- إحياء مبدأ باريتو في الخمسينات، وما اكتشفه هو أنَّه يمكِن تطبيق هذا المبدأ على مختلف جوانب الأعمال والحياة.

يُثبت مبدأ باريتو في جوهره أنَّ بذل جهود بسيطة ومركَّزة مسؤول عن معظم النتائج التي نحرزها؛ بمعنى آخر، ليس لكلِّ الأمور القيمة ذاتها؛ لذا لا يجب أن تُعامَل على أنَّها متساوية، وفي الحقيقة، نحن نُحقِّق أقصى تأثير حين نركز على عدد صغير من المشاريع أو المهام أو الأنشطة، أو ما يدعى “القلة الحيوية” (vital few)، فإذا حددنا أولويات لوقتنا سنزيد فاعليتنا في العمل عند التركيز على تلك “الأقلية” من المهام، ومن هنا تنبع أهمية استيعاب هذا المفهوم.

معتقدات خاطئة وشائعة تتعلق بمبدأ “باريتو”:

يُقدِّم لنا مبدأ “باريتو” حين يُستخدَم بطريقة صحيحة، صورةً أوضح للمواضع التي يجب أن نركز جهودنا ووقتنا في العمل عليها؛ إذ بالنهاية تعزى الأهمية الأكبر لعدد قليل من المهام، ولكن للأسف هناك عدد ليس بقليل من المفاهيم الخاطئة التي يتم تداولها عن هذا المبدأ؛ فهناك الكثير من المدعوين بـ “الخبراء” الذين يستغلون مبدأ باريتو لجذب الانتباه إلى تعاليمهم دون تطبيقه بصورة صحيحة.

للتعمق في هذا المفهوم علينا التذكر أولاً أنَّ الإنتاجية ليس لها مقياس واحد يمكِن تطبيقه على الجميع، وحالها كحال الحياة بمجملها؛ لذا علينا التوقف عن التفكير بما علينا فعله، والعمل على الاستفادة من الاستراتيجيات التي سنقرأ عنها بحيث تفيدنا شخصياً:

1. الاعتقاد الخاطئ الأول “يجب اتباع نسبة 80/20 بحذافيرها”:

لأنَّ اسمه مبدأ 80/20، تستحوذ هذه النسبة على كامل انتباه الناس، لكنَّ مبدأ باريتو لا يقتصر على تلك الأرقام، وعوضاً عن ذلك انظر إلى العددين 20 و80 على أنَّهما يرمزان إلى “عدم التكافؤ” الذي ناقشناه منذ قليل، وكون مجموعهما يساوي 100 ليس سوى مصادفة.

قد تكون نسبة مدخلاتك إلى مخرجاتك مختلفة، فلَربَّما أنت شخص ينتج بنسبة 80/10؛ أي أنَّ 10 بالمئة من جهودك مسؤولة عن 80 بالمئة من نتائجك، أو قد تكون 90/15. فالفكرة هي ألَّا تنشغل بالرقمين 20 و80؛ بل انظر إلى عملك اليومي من منظور هذا المبدأ كما يلي: يولِّد مجرد بذل جهود بسيطة ومركَّزة معظم النتائج التي تُحقِّقها. 

2. الاعتقاد الخاطئ الثاني “يجب التركيز على القلة الحيوية وتجاهل الكثرة التافهة لتكون منتجاً”:

ستكون الحياة أسهل بكثير لو كان هذا الاعتقاد صحيحاً، لكن لو فعلنا ذلك في الحياة الواقعية؛ أي ركزنا فقط على “القلة الحيوية” (vital few) وتجاهلنا “الكثرة التافهة” (trivial many) تماماً، فستكون العواقب كارثية، ولمجرد أنَّ أمراً ما لا يعود علينا بربح مباشر لا يعني أنَّه علينا صرف انتباهنا عنه بالكامل، وبقدر ما قد نتمنى ذلك، لكن لا يمكِننا التظاهر بأنَّ تلك “المهام التافهة” مثل: تسديد الفواتير أو الأعمال المكتبية غير موجودة.

ربما لا نُحبِّذ القيام بتلك المهام، وقد نشعر بأنَّها مضيعة للوقت مقارنة بغيرها، لكنَّ واقع الأمر هو أنَّ تلك المهام هي أمور علينا فعلها، بغضِّ النظر عن مشاعرنا تجاهها. وفي الحقيقة، لن يكون مبدأ باريتو فعالاً إذا ركز المرء أكثر من اللازم على مثل هذه المهام، ولو فعلنا ذلك، فسنعلق في دوامة وهو عكس ما نبتغيه تماماً.

تخصيص مبدأ باريتو ليناسبك أنت:

وبعد التعرف إلى المفاهيم الخاطئة والشائعة، يمكِنك البدء بتصميم نسبة النجاح خاصتك تبعاً لما تعنيه الإنتاجية لك شخصياً.

فلنعد إلى السؤال الذي طرحناه في بداية المقال: هل أنت شخص مفكر أم فاعل؟ بغضِّ النظر عن إجابتك، اطرح الآن الأسئلة التالية على نفسك: ما هي نسبة تفكيرك التي تُخلِّف أثراً فعالاً؟ وكم من القرارات التي تتخذها تؤثر في عملك فعلاً؟ وهل أيٌّ من هذه الأمور فعال حقاً إن كنتَ تقضي وقتك تفكر بالأمور الخاطئة، أو تتنقل دون توقف من مَهمة إلى أخرى، فالنقطة المفتاحية التي نغفل عنها عند مناقشة مبدأ باريتو هي أنَّه لا فائدة من هذه القاعدة مالم نطبقها بفاعلية على أنفسنا.

يُنظَر إلى رجل الأعمال والمستثمر الأمريكي الناجح “وارن بافيت” (Warren Buffet) على أنَّه خبير فيما يتعلق بمبدأ باريتو، ومن المعروف أنَّه يقضي 80 وحتى 90 بالمئة من يومه في التعلم؛ ذلك يعني أنَّ الرجل المشهور باستثماراته يقضي القليل من وقته على الاستثمار ومعظمه في التعلم، ويمكِنك تطبيق هذا المثال في حياتك، لكنَّك قد تجد أنَّ هذه النسبة لن تأتيك بالنتائج نفسها؛ فالنجاح لا يعني حصر نفسك داخل صندوق صُمِّمَت أبعاده لشخص آخر، ولا تقيِّد نفسك بتعريف شخص آخر للنجاح، فالتعريف الوحيد الهام هو التعريف الذي تُحدِّده أنت لنفسك بناءً على حياتك الآن والحياة التي تطمح إليها في المستقبل.

يجب ألَّا تنشغل باتباع نسبة 80/20 وتغفل عمَّا تريده حقاً، وإليك ما عليك فعله عوضاً عن ذلك: اجلس وفكر بما تبدو عليه نسبة النجاح لك شخصياً، وانسَ أمر المدخلات والمخرجات، وتوصَّل إلى نسبة تُعبِّر عن فاعليتك. فهل نسبة إنتاجيتك 80/20؟ وهل تقضي 20% من وقتك بالتفكير و80% في تطبيق أفكارك؟ أم أنَّها 90/10، بل وربما 85/15؟ أم نسبة مختلفة تماماً عن كل ذلك؟

عليك التفكير هنا بأولوياتك ومدى فاعلية جهودك في تنفيذها وتنميتها، وإن كنتَ فعالاً في تفكيرك، فستكون فعالاً في تنفيذها والعكس صحيح، وهنا تكمن الإنتاجية الحقيقية.

وفي الختام، لا تُطبِّق مبادئ الإنتاجية دون تفكير لأنَّك تعتقد أنَّ هذا ما عليك فعله؛ بل ضَع بعض المسافة بينك وبين الوضع، وانظر إلى الصورة الشاملة للأمور لتُحدِّد كيف يمكِنك أن تستفيد منها.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!