كيف نُوجِد وظائف يحتاجها الناس في ظلِّ انتشار فيروس كورونا؟

كان معظم مديري التوظيف قبل ثلاث سنواتٍ متردِّدين فيما يخصُّ إدارة الفرق التي تعمل عن بعد، لكنَّهم يتعلَّمون في يومنا هذا كيفية القيام بذلك بالطريقة الصعبة؛ فقد طُبِّق الحجر الصحي في هذا الوقت العصيب في أغلب البلدان بشكلٍ مفاجِئٍ بسبب تفشِّي فيروس كورونا. إذاً، ما القطاعات التي ستتأثَّر بشدةٍ من تفشِّي فيروس الكورونا؟ نوردُ فيما يلي بعض المهن والحِرَف التي من المحتمل أن تتلقَّى ضربةً موجعةً من جرَّاء تفشِّي فيروس كورونا

بما أنَّ السكَّان في العديد من البلدان الأوروبية من كبار السن -لا سيما في إيطاليا وإسبانيا وبلغاريا- فإنَّ نسبةً كبيرةً من سكَّان هذه الدول ضمن المجموعة الأكثر عرضةً إلى خطر الإصابة بفيروس كورونا؛ وقد طُلِبَ من الناس البقاء والعمل من المنزل -إن أمكنَ ذلك- من أجل حمايةِ هذه الفئات من المُجتمع وسلامتهم، وحماية الجميع أيضاً؛ كما وقد أُغلِقَت المتاجر والمطاعم والمقاهي وصالونات التجميل، بالإضافة إلى محال السوبرماركت والصيدليات، وتوقَّفت كلُّ الأعمال تقريباً.

على الرغم من أنَّ معظم الشركات الكبرى من الممكن أن تنجو من هذا الوضع دون إيراداتٍ لمدَّة شهر (أو حتَّى لعدَّة أشهر)، إلَّا أنَّ آلاف الشركات الصغيرة ستواجه الإفلاس؛ إذ إنَّ الخسائر التي لحقت بالاقتصاد العالمي فادحةٌ حتَّى الآن، وما زال الوقت مبكِّراً للتنبؤ بالتأثيرات طويلة الأمد التي من الممكن حدوثها، وسيؤدِّي تباطؤ الاقتصاد وانهيار سوق المال بالتأكيد إلى تسريح العاملين من وظائفهم.

تُشير التوقعات الاقتصادية في الوقت الحالي بحسب مؤسسة (جولدمان ساكس)، إلى أنَّ النموّ الاقتصادي سيبلغ 0% في الربع الأول من السنة، وسيشهد الربع الثاني انكماشاً اقتصادياً بمعدَّل 5% (حسب المعدَّل السنوي)؛ نظراً إلى تجميد حجوزات المطاعم والخطوط الجوية والمرافق السكنية. ربَّما هذا تنبؤٌ مبالغٌ فيه من حيث التفاؤل، لكن لنلتزم به في الوقت الحالي دون نظرةٍ تشاؤميةٍ أكثر من اللازم.

يشير هذا التوقُّع إلى تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 1.25% من شهر كانون الثاني إلى شهر تموز من عام 2020، أي بنسبة 2.5% من المعدلات السنوية لمنتصف العام.

بالنظر إلى الأرقام المذكورةِ أعلاه، فمن المُرجّحِ أنَّ ثلاثة ملايين شخصٍ سيخسرون وظائفهم في الولايات المتحدة فقط؛ بالرغم من تأكيد بعض الخبراء أنَّ تفشِّي فيروس كورونا (كوفيد-19) سيكون تحت السيطرة بحلول حزيران من عام 2020.

إذاً، ما القطاعات التي ستتأثَّر بشدةٍ من تفشِّي فيروس الكورونا؟ وكيف نؤسِّس وظائف للعمل من المنزل للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم أو أخذوا إجازةً مفتوحةً دون أجر؟

إنَّ تأمين فرصٍ مُتساويةٍ في الوظائف للجميع وتوفير وسائل آمنةٍ للدفع مَهمَّةٌ مُلِّحةٌ على عاتق الموارد البشرية في المُؤسسات، ويعني هذا توفير الوظائف للأشخاص المُحتاجين، بغض النظر عن العمر والجنس والعرق والوضع الشخصي أو مكان الإقامة؛ كما يُعدُّ الحصول على المعلومات حول المهارات التي يمتلكها الأشخاص الذين هم بحاجةٍ إلى العمل أمراً أساسياً لتشجيع الشركات على تأسيس وظائف لهم.

وبما أنَّ هناك أكثر من 4700 عميلٍ من رجال الأعمال على موقع “ترانسفورمِفاي” (Transformify)، والملايين من الأشخاص الذين يسعون إلى البحث عن الوظائف في مختلف أنحاء العالم؛ فإنَّنا نملك المعلومات الكافية لإجراء مثل هذه الأبحاث، والخروج بخطَّةٍ للتواصل معهم.

لا تمتلك الشركات في الحقيقة معلوماتٍ كافيةً عن المهارات التي يمتلكها الأشخاص الذين هم بحاجةٍ إلى عمل، والأمر الأكثر أهميَّةً أنَّ الأشخاص العاملين في مجال الصناعة الذين تلقَّوا ضربةً موجعةً إثر تفشِّي فيروس كورونا (كوفيد-19)، يتمتَّعون غالباً بما يسمَّى “المهارات القابلة للنقل”، والتي يُمكِن أن تضيف القيمة إلى الصناعات الأخرى.

هناك عموماً نوعان من الوظائف التي يمكن تأسيسها للأشخاص المحتاجين إلى العمل إثر تفشِّي فيروس كورونا والحجر الصحي:

  1. عقود العمل المؤقَّتة: حيث تمتد مثل هذه العقود عادةًَ ما بين ثلاثة إلى اثني عشرَ شهراً لتلبِّي احتياجات العمل المؤقَّتة، كما يمكن تكييفُ العقود لتصبحَ مناسبةً للعمل من المنزل في بعض الحالات المعيَّنة.
  2. العمل الحرُّ أو المستقل: وهو عبارةٌ عن أعمالٍ قصيرة الأمد أو وظائف مُحدَّدةٍ بساعةِ العمل.

يُمكن تكييف معظم هذه الوظائف لتناسب العمل من المنزل، ورغم أنَّ وظائف العمل الحرِّ أو المُستقل تُعَدُّ حلَّاً مؤقتاً فقط؛ لكنَّها  يُمكن أن تكون ذات منفعة -خاصّةً للأشخاص الذين يحتاجون إلى مصدر دخلٍ إضافي- وحلَّاً مُرضياً للشركات التي لا تستطيع تحمُّل أعباء وأجور الوظائف بدوامٍ كاملٍ أو على أساسِ عقد عملٍ بسبب قيود الميزانيَّة؛ وللأسف، من المتوقَّع أنَّ العديد من الأعمال والشركات ستقع ضمن هذه الفئة بحلول الصيف.

إنَّ مثلَ هذا التحوُّل في المعايير الوظيفية أمرٌ مطالبٌ فيه حالياً لتأمين فرص عملٍ للأشخاص الذي يحتاجون إلى كسب لقمة العيش في البلدان الأكثر تضرُّراً من تفشِّي فيروس كورونا.

يميلُ أصحاب الأعمال إلى اتخاذ قرارات التوظيف بناءً على آخر مسمَّىً وظيفيٍّ للمُتقدّم للوظيفة، دون الأخذ بالحسبان المجموعة الكلية لمهارات المرشحين؛ وإذا استمرَّ الوضع على ما هو عليه دون تغيير، فسيكون أكثر الناس مُضطرين إلى طلبِ مساعدات الشؤون الاجتماعية؛ ذلك لأنَّ الصناعات كافة ستلغي الوظائف على نطاقٍ واسع. لكن ببساطة، إذا استمرَّ المفهوم السائد بأنَّ أشخاصاً -مثل الوكلاء السياحيين- لا يُمكن أن يُمنحَوا فرص عملٍ سوى تلك المتعلِّقة بالوظيفة التي شغلوها قبل أن يُسرَّحوا من العمل، فمن المحتمل أن يبقوا عاطلين عن العمل لفترةٍ طويلة من الزمن، على الرغم من امتلاكهم مهاراتٍ قابلةً للتحويل والاستثمار في مجالاتٍ أخرى.

لذا نوردُ فيما يلي بعض المهن والحِرَف التي من المحتمل أن تتلقَّى ضربةً موجعةً من جرَّاء تفشِّي فيروس كورونا:

1. السياحة:

بما أنَّ العديد من البلدان قد أعلنت حالة الطوارئ والحجر الصحي في مختلف أنحائها، فقد أُغلِقت الحدود كليَّاً تقريباً؛ وحتَّى إن سُمِحَ بالسفر قريباً، فسيكون أغلب المسافرين من البلاد الأكثر تضرُّراً غير مرحبٍّ بهم، وسيُطلَب منهم العزل المنزلي لمدة أربعة عشر يوماً عقب وصولهم؛ ممَّا سيجعل أغلب المسافرين يأجِّلون مخططات سفرهم، نظراً إلى الشكوك المتعلِّقة بالأمر؛ إلَّا إذا كان السفر ضروريَّاً للغاية.

إنَّ إلغاء الحجوزات، وقلَّة الحجوزات الجديدة، والمبالغ الكبيرة التي يجري استردادها؛ ليست إلا جزءاً من التحديات التي تواجهها الشركات في هذا القطَّاع من الأعمال.

حتَّى في غضون عدَّة أشهرٍ قادمة، وعندما لا يبقى السفر محظوراً كما هو عليه الآن، فمن المحتمل أن تقلَّ نسبة الأشخاص الذين سيخطِّطون لقضاء العطلات والسفر خارج بلدانهم؛ إذ قد انخفض مدخولُ العديد منهم بسبب الإجازات غير مدفوعة الأجر في شركاتهم. وبالفعل، فقد بدأت العديد من الشركات في مجال الصناعة بتقليل الوظائف ضمنها، وذلك كمحاولةٍ لتقليل التكاليف والبقاء في سوق العمل.

ما الوظائف التي يمكن توفيرها للأشخاص العاملين في مجال السياحة؟

عادةً ما يتحدَّثُ الأشخاص العاملون في هذا المجال عدَّة لغات، ويتمتَّعون بمهاراتٍ عاليةٍ في التواصل، كما إنَّ التعامل مع الزبائن صعبي المراس جزءٌ من عملهم أيضاً، ويمكن أن يساعدهم ذلك في العمل في عدَّة مجالاتٍ أخرى.

يعدُّ العمل كمُوظَّفي مراكز اتصالٍ ودعم العملاء الأجانب والمبيعات ودروس تعليم اللغة عن طريق الإنترنت، أمثلةً عن بعض وظائف العقود والأعمال المُستقلة التي يُمكن لهؤلاء الأشخاص العمل فيها.

2. الفنادق والمطاعم والمقاهي:

أُغلِقَت العديد من المقاهي والفنادق والمطاعم في عددٍ كبيرٍ من البلدان لأسبابٍ تتعلَّق بالأمان والصحة، ومن المحتمل أن يؤدِّي تراجع عدد السياح وكساد الموسم الصيفي إلى إفلاس هذه المُنشآت، تاركاً العمَّال بدوامٍ كاملٍ والعمَّال الموسميين يُعانون لكسب لقمةِ عيشهم دون عمل؛ وفوق كلِّ ذلك، لدى هؤلاء العمال -مثل: النادلين، والطهاة، إمكانياتٌ مُتخصِّصةٌ لا تجعلهم مؤهلين للعمل في مجالاتٍ أخرى، أسوةً بالعاملين في مجال السياحة.

من خلال تحليل بيانات الأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على الوظائف في قسم الموارد البشرية لموقع ترانسفورمِفاي (Transformify)، وجِدَ أنَّ بعض المهارات قد تساعد مثل هؤلاء على تأمين وظائف مُستقلة، وتشمل هذه الوظائف: إدخال البيانات عن طريق الإنترنت، ووضع شعاراتٍ للصور؛ لأنَّ هذه الأنواع من الوظائف تتطلَّب مهاراتٍ رقميةً أساسيةً يمتاز بها الأشخاص العاملون في المُنشآت الخدمية.

من الممكن أن يتشارك بعض الطهاة مع المدوِّنين على الإنترنت أو المؤثِّرين على الانستغرام في مجال الطعام، والذين يستعينون بهم بانتظامٍ في جزءٍ من إنشاء المُحتوى وتسجيلات الفيديو؛ حيث أنَّ الطهوَ أمام عدسات الكاميرا نشاطٌ يستغرق الكثير من الوقت.

3. سائقو سيارات الأجرة/ سائقو سيارات أوبر:

يُطلَب من معظم الناس البقاء والعمل في المنزل خلال الحجر الصحي، وسيجني السائقون في أحسن الأحوال دخلاً أقل، ولن يُسمَح لهم في أسوأ الأحوال بالعمل طوال فترة الحجر الصحي.

تعدُّ مدفوعات أجرة السيارات ومدفوعات الضرائب الأخرى وما شابهها، العبء المالي الأكبر بالنسبة إلى العديد من أولئك الأشخاص الذين من المحتمل أن ينتهي بهم الأمر الى الاستعانة بإمدادات الشؤون الاجتماعية؛ وبالتأكيد، ليس الجميعُ مؤهلاً للحصول على معونات البطالة في الكثير من الدول حول العالم، وسيُترَك الأشخاص الذين لا يحصلون على الإعانة دون مصدر دخلٍ تماماً.

ليس من المحتمل أن يتحسَّن الوضع في المستقبل القريب، حيث أنَّه من المتوقع حدوث نقصٍ هائل في أعداد الوظائف، كما ستقلُّ رغبة الناس في الإنفاق على سيارات الأجرة عوضاً عن إنفاقها على وسائل النقل العامِّ الأرخص ثمناً.

رغم ذلك، يبدو أنَّ سائقي سيارات الأجرة وسيارات الأوبر هم المجموعة الأكثر تنوعاً، بالإضافة إلى من يتمتعون بمهاراتٍ قابلةٍ للتحويل والاستثمار في مجالاتٍ أخرى؛ فالكثير منهم حاصلٌ على إجازاتٍ جامعية، ويفضِّلون قيادة سيارات الأجرة لجني مزيدٍ من المال والبقاء مستقلِّين مادياً.

والأمر المثير للدهشة أنَّ بحث الموارد البشرية لموقع ترانسفورمِفاي (Transformify) قد أشار إلى أنَّ الناس في أوروبا الشرقية -مثل: إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة- غالباً ما يمتهنون مهنة سائقي الأجرة وسائقي سيارات الأوبر، حتَّى وإن كان لديهم مهنةٌ أخرى؛ فقد رأينا صحفيين سابقين وممرضاتٍ ومعلِّمين يُمارسون هذه المهنة.

توجد العديد من الوظائف المُستقلة التي يمكن تأسيسها لهذه المجموعة من الأشخاص مع اختلاف مهاراتهم، والتي تتراوح من تعليم اللغات عبر الإنترنت، إلى الكتابة والتدوين وإدخال البيانات، وغيرها الكثير.

يجب أن تتحلَّى الشركات بالمسؤولية الاجتماعية في وقتنا الحالي أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى قبل تفشِّي فيروس الكورونا بشكلٍ أكبر؛ إذ لا يقتصر التنوع الوظيفي على المجموعات التي تمّ ذكرها هنا عن طريق تأسيس الوظائف للأشخاص الذين هم بحاجةٍ إلى العمل في المناطق الأكثر تضرُّراً بسبب تفشِّي فيروس الكورونا.

أخيراً وليس آخراً، لقد حان الوقت بالنسبة إلى مُديري التوظيف للنظر في مجموعة المهارات المتنوعةِ التي يمتلكها الأفراد، ومنح الفرص للمرشحين ذوي الخبرات السابقة بمجالات العمل المتنوعة؛ كما باستطاعتهم وضع الطاقات والمهارات القابلة للاستثمار والدوافع الذاتية على الطاولة، واعتبارها معايير أساسيةً في عملية التوظيف.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!