ما الذي يمكن أن يتعلمه الانطوائيون والاجتماعيون من بعضهم بعضاً؟

لقد أدت أزمة جائحة كورونا إلى ترك الأشخاص الاجتماعيين في حالة من الانسحاب الاجتماعي، ممَّا يفسِّر سبب انخفاض نسبة سعادتهم الآن، بالإضافة إلى توفير فرصة لهم لتكوين صداقات حقيقية أكثر، مثل الانطوائيين. سنتعرف في هذه المقالة على الدروس التي يجب أن يتعلمه الانطوائيون والاجتماعيون من بعضهم بعضاً.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن “آرثر سي بروكس” (Arthur C. Brooks)، والذي يحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية مع الانطوائية والانفتاح.

قال صديقي: “أنت محظوظ، فالأشخاص الاجتماعيون أكثر سعادةً من غيرهم”. لقد كان على حق بشأن ذلك الأمر؛ حيث أظهرَت العديد من الأبحاث أنَّ الأشخاص الاجتماعيين يتمتعون بسعادةٍ كبيرةٍ أكثر من الأشخاص الانطوائيين، كما أنَّهم يؤكِّدون بأنَّهم يتمتعون بصحة جيدة وبلحظات كثيرة من الفرح.

ومع ذلك، فقد أثَّرَت أزمة جائحة كورونا في الأشخاص الاجتماعيين؛ حيث درس بحث نُشِرَ في شهر آذار في المجلة العلمية “بلوس ون” (PLOS One) تأثير الجائحة في الأشخاص بمختلف صفاتهم، ووجدوا أنَّ مزاج الاجتماعيين أصبح سيئاً، في حين تحسَّن مزاج الانطوائيين. قال صديقي بين المزح والجد بهذا الشأن: “لماذا لا نبقى محبوسين إلى الأبد؟”

في الأوقات العادية، لا يحظى الأشخاص الانطوائيون بالتقدير الكافي، ولا يشعرون بالراحة، ويشعرون بأنَّهم لا ينتمون للأماكن التي يوجدون فيها. وأحد الآثار الجانبية لإغلاق العالم بسبب جائحة كورونا هو أنَّ العالم أصبح فارغاً تماماً على الأقل لفترة قصيرة؛ ممَّا منح الانطوائيين فرصةً للشعور بالراحة.

لكنَّ التغيير المؤقَّت أدى إلى إجراء نوع من التجارب الميدانية في مجال العلوم الاجتماعية؛ حيث سلَّطَت الضوء على الطرائق جميعها التي يمكِن للانطوائيين والاجتماعيين من خلالها التعلم من بعضهم بعضاً. وإذا أخذنا الدروس على محمل الجد، يمكِننا الاستفادة منها جميعاً.

يرى علماء النفس أنَّ الانفتاح هو أحد الصفات الشخصية الخمس الهامة لدى الناس، إلى جانب الوفاق والصراحة والضمير الحي والعصابية، فلقد كانت هذه الصفات الخمس عنصراً أساسياً في علم النفس منذ ثمانينيات القرن الماضي، ثمَّ انتشرَت فكرة الانطوائي والاجتماعي لأول مرة في عام 1921 من قِبَل عالم النفس السويسري “كارل يونج” (Carl Jung)، الذي افترضَ أنَّ النوعين يمتلكان أهدافاً مختلفة في الحياة، وكان يعتقد أنَّ الشخص الانطوائي يسعى إلى الاستقلالية، في حين يسعى الشخص الاجتماعي إلى التفاعل مع الآخرين وبناء العلاقات، وقد استمرَّت هذه الأفكار النمطية حتى وقتنا هذا.

طوَّر عالم النفس “هانز آيزنك” (Hans Eysenck) نظرية “يونغ” في الستينيات، بحجة أنَّ جيناتنا هي التي تحدِّد مدى انفتاحنا نسبياً، وكان يعتقد أنَّ استثارة القشرة المخية – أي مستوى يقظة الدماغ – كانت أكثر صعوبةً بالنسبة إلى الأشخاص الاجتماعيين منها للانطوائيين؛ لذلك يشعر الشخص الاجتماعي بالتحفيز بوجود الآخرين، وتحديداً الانخراط في علاقات جديدة، وأظهرَت الأبحاث اللاحقة نتائج مختلفة حول نظرية “آيزنك”، لكنَّها وجدَت اختلافات معرفية واضحة بين النوعين.

أحد التفسيرات المشتركة لاختلاف مستويات السعادة بين الانطوائيين والاجتماعيين يأتي من الأفكار النمطية لـ “يونغ وآيزنك” وهو أنَّ البشر بطبيعتهم اجتماعيون؛ لذلك فإنَّ التواصل مع الآخرين يحقِّق الشعور بالسعادة؛ حيث يسعى الأشخاص الاجتماعيون إلى التواصل، ولهذا السبب يكونون أكثر سعادةً. وحقيقة أنَّ الأشخاص الانطوائيين يفضِّلون العزلة وغالباً ما يواجهون صعوبةً في التواصل الاجتماعي، فلا يعني أنَّ تجنُّب التواصل يجعلهم أكثر سعادةً؛ وإنَّما يعني أنَّهم يفضِّلون أمراً يجعلهم غير سعداء. ولا يوجد أمر غريب هنا، فهو أشبه بتفضيل الأطعمة غير الصحية.

كما يوجد تفسيرات ثقافية إضافية لتفاوت السعادة؛ فمثلاً، يُكافَأ الأشخاص الاجتماعيون بصورة كبيرة، ويتميزون باكتساب القوة، ويجنون الكثير من المال أكثر من الانطوائيين، ويحصلون على مزايا أخرى في مكان العمل، مثل الترقيات للمناصب القيادية وتقييمات الأداء العالي.

يستاء بعض الأشخاص من هذه الأنماط، ويعتقدون أنَّها تُظهر افتقاراً إلى العمق الثقافي، حيث تتحدث الكاتبة “سوزان كاين” (Susan Cain) في كتابها “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يمكِنه التوقف عن الحديث” (Quiet: The Power of Introverts in a World That Can’t Stop Talking)، عن التطورات العديدة التي حقَّقَها الانطوائيون، من اكتشاف نظرية الجاذبية إلى إنشاء موقع “جوجل” (Google)، وتناقش بأنَّ إظهار الإعجاب بالأشخاص الاجتماعيين ومكافأتهم ليس أمراً غير عادل فحسب؛ وإنَّما يعيق التقدم أيضاً، وإذا شعرتَ يوماً بخيبة أمل من عادة رفع مستوى القادة الأنانيين أصحاب الكاريزما، فقد تضطر إلى الاعتراف بأنَّ “كاين” كانت على حق.

سواءً كنَّا أشخاصاً انطوائيين أم اجتماعيين، يمكِن لكل نوع أن يتعلم من الآخر درساً يمكِن أن يحسِّن من صحته. أقدِّم لك فيما يلي درسين يمكِن أن يستفيد منهما الانطوائيون والاجتماعيون:

1. يجب على الأشخاص الانطوائيين التركيز على المستقبل أكثر، كما يفعل الأشخاص الاجتماعيون:

في عام 2001، قسَّمَت مجموعة من علماء جامعة “أكسفورد” (Oxford) عينةً من المشاركين في الاستطلاع إلى أربع مجموعات: الاجتماعيون السعداء، والاجتماعيون غير السعداء، والانطوائيون السعداء، والانطوائيون غير السعداء. وكما هو متوقَّع، تجاوز عدد الاجتماعيين السعداء عدد الانطوائيين السعداء بحوالي شخص أو اثنين، لكنَّ الباحثين كانوا أكثر اهتماماً بالأسباب التي تجعل الشخص الانطوائي السعيد يتمتع بصحة جيدة.

كما وجدوا الخصائص نفسها بين المجموعتين السعيدتين وهي التفاؤل والشعور بالهدف في الحياة وتقدير الذات، حيث يحب الأشخاص الاجتماعيون التحدث إلى الآخرين عن مستقبلهم وأحلامهم والهدف من حياتهم، كما أوضح علماء النفس منذ فترة طويلة أنَّنا نميل إلى تحقيق الأمور التي نخبر الآخرين بها؛ لذلك، فإنَّ عادة الانفتاح المتمثلة في إخبار كل شخص تقابله بأهدافك تجعلك أكثر عرضةً لتحقيقها وبالتالي شعورك بالسعادة.

وقد وجد الانطوائيون السعداء طريقة تصوُّر المستقبل دون مشاركة أمورهم الشخصية مع الآخرين، فهم يميلون إلى تكوين صداقات من طرف واحد (وتعني الصداقة التي يهتم فيها أحد الطرفين أكثر من الآخر) بدلاً من ذلك، حيث يمكِنهم مشاركة أحلامهم معهم متى أرادوا.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/q24yHl-UlQM?rel=0&hd=0″]

2. يجب أن يعمل الأشخاص الاجتماعيون على تكوين صداقات عميقة، والتي يميل الانطوائيون إلى اكتساب المزيد منها:

لا تُعَدُّ الصداقات العميقة جيدةً لمشاركة أحلامك فحسب؛ وإنَّما سبب واضح ومباشر للسعادة؛ حيث يُعَدُّ تكوين صداقات وثيقة مع أشخاص ليس لديك ما تكسبه منهم مصدراً قوياً لشعورك بالرضا. لكنَّ القيام بذلك الأمر ليس سهلاً، تحديداً بالنسبة إلى الأشخاص الاجتماعيين، بسبب حبهم للحشود والجماهير والتواصل مع أشخاص جدد والشعور بالحماس.

لقد أدت أزمة جائحة كورونا إلى ترك الأشخاص الاجتماعيين في حالة من الانسحاب الاجتماعي، ممَّا يفسِّر سبب انخفاض نسبة سعادتهم الآن، بالإضافة إلى توفير فرصة لهم لتكوين صداقات حقيقية أكثر، مثل الانطوائيين، وعلى الرغم من أنَّ الأشخاص الاجتماعيين لا يميلون إلى هذا الأمر، تُظهِر الأبحاث أنَّهم يميلون إلى تكوين الكثير من الصداقات قليلة العمق مع أشخاص اجتماعيين آخرين، ويرون أنَّ ذلك أفضل من أجل السعادة. فيجب أن يضع الاجتماعيون هدفاً للأسابيع والأشهر القليلة القادمة لتعميق صداقةٍ واحدةٍ على الأقل قبل أن تعود الحياة إلى طبيعتها تماماً.

إذا كانوا لا يعرفون طريقة القيام بذلك، فكل ما عليهم القيام به هو مراقبة شخص انطوائي سعيد يفعل ذلك؛ فمثلاً، أنا شخص اجتماعي، بينما ابنتي البالغة من العمر 18 عاماً انطوائية، وهي تتحدث مع صديقتها المقربة منها لمدة ساعة أو ساعتين كل يوم؛ لذا، ابحثْ عن أقرب الأشخاص الانطوائيين حولك، وتصرَّف مثلهم.

وبتجاوز تفاصيل الانطوائية والانفتاح، يوجد درس واحد هام يمكِنك الحصول عليه ممَّا سبق، وهو أنَّ مراقبة أشخاص مختلفين عنك تماماً والتعلم منهم طريقةٌ رائعةٌ لتتعلم أن تكون أكثر سعادةً. في الواقع، إنَّ محبة التنوع البشري بأنواعه كافةً أمرٌ هام لمساعدة نفسك في الحفاظ على صحتك وسلامتك.

إحاطة أنفسنا بأشخاص مثلنا لن يلهمنا أفكاراً جديدةً للشعور بالرضا عن حياتنا. ولكي نعيش حياةً سعيدةً، نحن بحاجة إلى وجود أشخاص اجتماعيين وانطوائيين من حولنا.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!