ما هي أهمية المثابرة وضبط النفس وبناء عادات إيجابية؟

يُعَدُّ ضبط النفس الذي يترافق مع المثابرة مُكوِّناً رئيساً في صيغة العمل التي تؤدي إلى النجاح والسعادة. هذا المقال مأخوذ عن المؤلِّف "جيف مينك" (Jeff Minick) يخبرنا فيه عن تجربته في ممارسة الانضباط الذاتي لتحقيق النجاح.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلِّف “جيف مينك” (Jeff Minick) يخبرنا فيه عن تجربته في ممارسة الانضباط الذاتي لتحقيق النجاح.

يفحص “ويليام ب. إرفين” (William B. Irvine) أستاذ الفلسفة في كتابه “الدليل إلى الحياة الجيدة: الفن القديم للفرح الرواقي” (A Guide to the Good Life: The Ancient Art of Stoic Joy) مراراً وتكراراً المزايا التي يمنحها ضبط النفس؛ إذ يتناول فصلاً من الكتاب بعنوان “إنكار الذات” (Self-Denial) الفوائد التي وجدها الرواقيون القدامى في حرمان أنفسهم من بعض الملذات، على سبيل المثال: الامتناع عن تناول الأطعمة الغنية ليحل محلها طعاماً شائعاً عادياً وإيجاد المكافآت في فعل الإنكار هذا.

يُخبِرُنا “سينيكا” (Seneca) الفيلسوف الروماني أنَّ: “الماء ووجبة الطعام المُعَدَّة من الشعير وقشور خبز الشعير ليست نظاماً غذائياً مُبهِجاً، ومع ذلك أعلى أنواع المتعة أن تكون قادراً على الاستمتاع بهذا النوع من الطعام”.

لسوء الحظ، إنَّ هذا العصر هو عصر الإشباع الذاتي أكثر من إنكار الذات؛ إذ نرى أحذية الجري في متجر في المركز التجاري، ونقرر أنَّنا لا بُدَّ أن نشتريها على الرغم من عدم حاجتنا إليها، ونُصمم على خسارة 10 أرطال “ما يعادل 5 كغ” قبل إجازتنا القادمة التي سوف نقضيها على الشاطئ، ولكن تغرينا البيتزا والوجبات السريعة، ولا نستطيع مقاومتها.

ونقول لأنفسنا بكل سرور، كما تقول “سكارليت أوهارا” (Scarlett O’Hara) في فيلم “ذهب مع الريح” (Gone With The Wind): “غداً يومٌ آخر”، وكما فعل “اللورد دارلنجتون” (Lord Darlington) في مسرحية “أوسكار وايلد” (Oscar Wilde) اكتشفنا أنَّه يمكننا “مقاومة كل شيء باستثناء الإغراء”.

مقاومة الإغراءات:

يمارس الكثير من الناس ضبط النفس بالطبع، متخلين عن الملذات المباشرة على أمل الحصول على مكافآت في المستقبل؛ إذ ينظر الشخص الكسول البالغ من العمر 60 عاماً في المرآة ولا يعجبه ما يراه، فينضم إلى صالة الألعاب الرياضية، ويمارس الرياضة هناك لستة أيام في الأسبوع لعامٍ كامل، ويغادر المنزل عند الفجر كل يوم عمل أب متزوج وله طفلتان صغيرتان لبناء منزله وإعالة أسرته، كما يتجاهل طالب جامعي ضغط أصدقائه لمرافقتِهم إلى قضاء ليلة جمعة مسلية معهم لاحتساء القهوة في مقهى محلي؛ إذ يفضل بدلاً من ذلك الدراسة لاختبار الكيمياء يوم الاثنين، وكما قال “سينيكا”: ” قد يجد متعته في الدراسة”.

يمارس هذا الطالب الجامعي شكلاً آخر من ضبط النفس؛ وهو الإشباع المتأخر؛ إذ إنَّه ينظر إلى الصورة الأشمل بدلاً من التركيز في الوقت الحالي، ويأمل أن يحصل من دراسته على درجة علمية ووظيفة مُرضية.

عرفتُ ذات مرة رجلاً ادخر ماله لشراء سيارة بدلاً من شرائها بالتقسيط؛ إذ إنَّه لم يكن يريد أن يدفع فائدة، فقد اعتقد أنَّ تقديم دفعة نقدية كاملة يتيح له مساحة أكبر للتفاوض مع موظفي المبيعات، وكان على استعداد لتأجيل سعادته بملكية السيارة لتحقيق هذه الأهداف، وهذا هو تأخير الإشباع بعينه.

العمل الدؤوب:

وثمة عنصر رئيس آخر في آلية الانضباط الذاتي وضبط النفس والإشباع المتأخر وهو المثابرة.

قد نشعر في بعض الأحيان عندما نسعى إلى تحقيق هدفٍ ما، كما لو أنَّنا نسير عبر بركة من الإسمنت الرطب؛ إذ يصبح كل يوم أصعب في التقدم إلى الأمام، وأيَّة محاولة للاجتهاد قد تبدو في كثير من الأحيان بلا هدف وغير مجدية.

عندما امتلكتُ أنا وزوجتي منزلاً ومحلاً لبيع الكتب في “سموكيز” (Smokies)، مررنا بأيام؛ بل وحتى أشهر شهدنا فيها عائداتٍ مخيبة للآمال وإصلاحات مكلفة ونفقات شخصية غير متوقعة، ولقد مرَّ العديد من أصحاب الأعمال الصغيرة بأوقات عصيبة مماثلة؛ إذ يمكن أن يؤدي هذا الضغط اليومي إلى اليأس والاستسلام.

وينطبق الشيء نفسه على المساعي الأخرى الكبيرة والصغيرة؛ إذ إنَّ الرجل الذي يتخلى عن تدخين السجائر يعرف أنَّه يجب ألَّا يتجاوز اليوم الأول أو حتى الأسبوع الأول دون تبغ فحسب؛ بل يجب أن يستمر في ذلك حتى يتخلص من هذه العادة.

ويجب على طالب الدراسات العليا الذي يعمل أيضاً في وظيفة بدوام كامل تدريب نفسه على الالتزام بدراسته وإجراء الاختبارات بعد ساعات العمل التي قضاها في المكتب، وأن يتمتع بالقدرة على التحمُّل والإصرار على الصمود حتى يحصل على شهادته.

قد تكون الرحلة طويلة وصعبة، وفقط الذين يبقون على الطريق ويستمرون في التقدم سوف ينهون الرحلة.

العادة، الأداة العظيمة:

كتب “أفلاطون” (Plato) ذات مرة: “الانتصار الأول والأعظم هو قهر النفس”، ومن الأدوات القوية التي يمكننا استخدامها لنجعل هذا النصر ناجحاً هي التزام العادة.

من غير المحتمل أن يكون رجل الأعمال الثري الذي ينسبُ جزءاً من نجاحه إلى النهوض قبل الفجر قد اتَّبع هذا الجدول طوال حياته؛ إذ لا بُدَّ أنَّه أدرك في مرحلةٍ ما قيمة الاستعاضة عن النوم بالخلوة والتفكُّر في ساعات الصباح الباكر، ومن خلال الانضباط الذاتي أجبر نفسه على النهوض من السرير للعمل والتفكير بينما ينام الآخرون.

وبطريقةٍ مماثلة، تحرم الأم الشابة التي تستيقظ قبل بقية أفراد الأسرة للصلاة والتأمل نفسها من النوم الإضافي؛ وذلك لأنَّها تدرك فوائد ذلك الوقت المنفرد مع ذاتها.

عندما يصبح الانضباط الذاتي عادة – ارتياد صالة الألعاب الرياضية أو الصيام لمدة يومين في الأسبوع أو تنظيف المطبخ بشكل يومي – تحل العادة في نواحٍ كثيرة محل الحاجة إلى الانضباط الذاتي؛ إذ إنَّنا لم نَعُد مضطرين إلى إجبار أنفسنا على أداء بعض المهام الواعية، والتي غالباً ما تكون مؤلمة، ونحن نفعل ذلك ببساطة كجزء من روتيننا اليومي.

بعض النصائح لتنمية عادات جديدة:

على الرغم من أنَّ الاقتباس التالي غالباً ما يُنسَب إلى “أرسطو” (Aristotle) بشكل خاطئ، إلَّا أنَّه مأخوذ في الواقع عن “قصة الفلسفة” (The Story of Philosophy) لـ “ويل ديورانت” (Will Durant): “نحن نُعرَف بما نفعله مراراً وتكراراً، فالتميز إذاً ليس عملاً، ولكنَّه عادة”.

تتطلب تنمية عادة جديدة ومفيدة الانضباط الذاتي والمثابرة وبعض الاستراتيجيات المدروسة بعناية.

أولاً، يجب أن نكون متفائلين قدر الإمكان عندما ننطلق في مسيرتنا، تذكَّر قصة الأطفال “المحرك الصغير القادر” عندما سحب هذا المحرك الصغير قطار شحن إلى أعلى الجبل، وردد هذا الشعار مراراً وتكراراً: “أعتقد أنَّني أستطيع، أعتقد أنَّني أستطيع، أعتقد أنَّني أستطيع”؛ فإذا أردنا أن ننجح، فنحن بحاجة إلى تكرار الكلمات نفسها لأنفسنا.

يجب أن ندرك أيضاً أنَّه في تحسين انضباطنا الذاتي علينا أن نكون الطالب والمُدرِّس، وبعد كل شيء فإنَّ الانضباط مشتق من اللاتينية، والتي تعني من بين أشياء أخرى “الطالب”، وعندما نفرض ضبط النفس، نشعر كما لو أنَّنا نخوض معركة بين الرغبة والإرادة، وحتى تنتصر إرادتنا يجب أن نتعلم ضبط النفس وإنكار الذات.

يمكن أن يساعدنا البدء على نطاق صغير أيضاً على تحقيق النجاح، وإذا قررت أنَّك تريد إنقاص وزنك، فحدِّد هدفاً معقولاً يتمثل في خسارة بعض الكيلوغرامات أسبوعياً واستبعد بعض الأطعمة من نظامك الغذائي تدريجياً، وإذا كنت تريد يوم عمل أكثر إنتاجية، فحدد لنفسك هدفاً يتمثل في تفقُّد بريدك الإلكتروني كل ساعة بدلاً من كل 15 دقيقة.

توقَّع الفشل والنكسات واستخدم انضباطك الذاتي لإعادتك إلى الطريق الصحيح، كما يقول المثل الياباني القديم: “تتعثر سبع مرات، وتنهض في الثامنة”؛ إذ يُعَدُّ الانضباط الذاتي عنصراً رئيساً للوقوف والثبات على أقدامنا مرة أخرى، وقد أفلسَ العديد من رواد الأعمال ليعاودوا النهوض والنجاح مرة أخرى. صديقي “جون” الذي يعيش هذه الأيام من خلال التجارة في سوق الأوراق المالية يخسر طوال الوقت، ولكنَّه يفوز أيضاً لأنَّه يواظب على ذلك.

انتصار الإرادة على الرغبة:

عندما نمارس الانضباط الذاتي ونتغلب على أنفسنا، تظهر المفارقة؛ وهذا الاستحواذ على الذات يجعلنا أقوى، فنحن مثل لاعبي كمال الأجسام في صالة الألعاب الرياضية؛ إذ إنَّنا نبدأ بالأوزان الصغيرة، وخلال الأشهر التالية نرفع أوزاناً أثقل.

تُمكِّننا أفعالنا الصغيرة من التحكُّم بأنفسنا – كأن نتخلى عن الآيس كريم ورقائق الشوكولاتة بالنعناع في ثلاجة متجر البقالة، وإزالة الأعشاب الضارة من الحديقة بدلاً من مشاهدة التلفاز، وإجبار أنفسنا على تنظيف الخزانة – في النهاية من تحقيق أهداف أكبر من خلال التمرين على ضبط النفس.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!