محاكمة ساسة كوسوفو.. هل تغير توازنات البلقان؟ (تحليل)

محاكمة ساسة كوسوفو.. هل تغير توازنات البلقان؟ (تحليل)

Üsküp

سكوبية/ جهاد عليو/ الأناضول

– يرى مراقبون أن الشروع بإجراءات قضائية ضد سياسيين من كوسوفو، بينهم الرئيس المستقيل “هاشم تاتشي”، بمثابة عهد جديد بالبلقان. 
– البلقان تحولت إلى منطقة “حرب باردة” بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
– السياسات التي تنتهجها واشنطن، تقسم الحياة السياسية في كوسوفو والبلقان إلى قطبين مختلفين. 

يرى مراقبون أن الشروع بإجراءات قضائية ضد رئيس كوسوفو المستقيل “هاشم تاتشي” وآخرين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بمثابة علامة بارزة على عهد جديد في البلقان.

وقبل أيام، قدّم تاتشي استقالته، بعد تسلمه بلاغا من المحكمة الخاصة بكوسوفو في لاهاي، يفيد بقبول لائحة اتهام بحقه تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولم تقتصر لائحة الاتهام الصادرة عن لاهاي على تاتشي، بل شملت أيضًا سياسيين مثل “قادري فيسيلي” و”يعقوب كراسنيكي”، الذين كانوا من بين الأسماء المهمة في جيش تحرير كوسوفو خلال فترة حرب كوسوفو (1998-1999).

وسبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن قام بدور وساطة كاد أن يرشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، حيث تمكن من جمع رئيس وزراء كوسوفو “عبد الله هوتي” والرئيس الصربي “ألكسندر فوتشيتش” في البيت الأبيض هذا الصيف، في سابقة كانت الأولى من نوعها في تاريخ الصراع بين البلدين.

وآنذاك توقع الجميع مشاركة تاتشي، الذي كان لا يزال رئيسًا لكوسوفو في اللقاء، إلى أنه اضطر إلى عدم المشاركة في لقاء البيت الأبيض عقب إعداد مكتب الادعاء العام في المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في كوسوفو (مقرها لاهاي)، فجأة، لائحة اتهام ضد تاتشي وغيره من قادة جيش تحرير كوسوفو، حول ضلوعهم في ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب”.

* إجهاض مبادرات السلام

وفسر خبراء خطوة محكمة لاهاي بأنها تهدف إلى إجهاض مبادرات بناء السلام الأمريكية، التي تسعى لإضعاف دور الوساطة للاتحاد الأوروبي بين كوسوفو وصربيا والمستمر منذ عام 2011.

ترامب بدوره، لم يتراجع عن قراره في دعم وساطة بين كوسوفو وصربيا، وفضل جمع الأطراف بمشاركة هوتي بدلاً من تاتشي.

كما أن اتفاقية “التطبيع الاقتصادي”، التي أعلن عنها ترامب بعد المحادثات في البيت الأبيض، لم تصب في مصلحة البلدين (كوسوفو وصربيا) كما أنها لم تكن في الواقع سوى إعلان لخطة أمريكية تصب في مصالح واشنطن وجهودها لإقامة نظام عالمي جديد.

فالاتفاقية، التي كان من المفترض أن تبنى على أساس تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تضمنت مواد مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

* التطبيع الإجباري مع إسرائيل

ولكي تعترف الأمم المتحدة بدولة ما، يجب أن تحصل على موافقة ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أي يجب أن تعترف تلك الدول باستقلالها.

وفي هذا الإطار، تواجه كوسوفو منذ فترة طويلة “حالة ركود على صعيد الاعتراف السياسي” من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بسبب الجهود الدبلوماسية التي تجريها صربيا لوقف الاعتراف بكوسوفو.

في الواقع، كان من المفترض أن تكون إقامة كوسوفو علاقات دبلوماسية بين إسرائيل واعترافها بالقدس عاصمة لها، ثمنًا تدفعه بريشتينا لقاء الحصول على اعتراف دولي.

لكن الخطر الآخر الذي قد تواجهه كوسوفو هو ردود فعل الدول الإسلامية، وخاصة العربية، لاسيما وأن ترامب ومسؤولين إسرائيليين شددوا على وصف كوسوفو في أكثر من مناسبة بأنها “دولة مسلمة” تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

* اتهامات المدعي الخاص في لاهاي

استقالة تاتشي، على الرغم من استمرار عمليتي الحوار المنفصلين التي تجريها كوسوفو مع صربيا تحت وساطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حولت الانتباه إلى دور المحكمة الخاصة في كوسوفو، التي بدا كما لو أنها تعمل كـ”سلطة قضائية موازية”.

وبحسب لائحة الاتهام التي وجهها المدعي الخاص في المحكمة، اتُهم تاتشي ورفاقه السابقون من جيش تحرير كوسوفو، بقتل ما يقرب من 100 شخص خلال حرب كوسوفو، فضلاً عن جرائم حرب مثل النفي والتعذيب.

وأكد مكتب المدعي العام أن الجرائم ارتكبها أفراد من جيش تحرير كوسوفو ضد مئات “الأشخاص الذين لم يشاركوا بنشاط في الحرب” وأشخاص مدنيين، ولا سيما في أجزاء من كوسوفو ومقاطعتي كوكيس وكاهان شمالي ألبانيا.

وذكر مكتب المدعي أيضًا أن الانتهاكات التي ارتكبها جيش تحرير كوسوفو، طالت أعضاء في الجيش نفسه، إضافة إلى الصرب والغجر والكاثوليك، والمتعاونين مع الصرب وأعضاء أو أنصار الاتحاد الديمقراطي لكوسوفو، وعدد من الألبان المعارضين لأنشطة جيش التحرير.

* كيف تم إنشاء محكمة كوسوفو؟

في تقرير صادر عام 2011 عن مجلس أوروبا، ويحمل توقيع السناتور السويسري ديك مارتي، جرى اتهام أعضاء من جيش تحرير كوسوفو بارتكاب جرائم خطيرة أثناء حرب كوسوفو وبعدها.

وبعد مداولات مطولة، وافق مجلس كوسوفو (البرلمان) عام 2015 على إدخال تعديلات دستورية بأغلبية الثلثين، تسمح بإنشاء محكمة خاصة لجرائم الحرب على أن تكون في لاهاي.

كانت مهمة المحكمة المؤلفة من قضاة ومدعين دوليين هي التحقيق في جرائم الحرب المزعومة في كوسوفو في الفترة ما بين 1998-2000 ومقاضاة مرتكبيها.

وزعم التقرير، أن بعض أعضاء جيش تحرير كوسوفو قاموا باستئصال أعضاء بشرية من أسرى صرب ونقلها إلى عيادات خاصة خارج البلاد عبر ألبانيا.

* هل تغيرت السياسة الأمريكية في البلقان؟

بالنظر إلى التطورات الأخيرة، يقدر بعض الخبراء أن الولايات المتحدة قد غيرت سياستها في البلقان.

إلى جانب ذلك، وبالنظر إلى قبول محكمة لاهاي لائحة الاتهام فعليًا في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نرى أن استقالة تاتشي عقب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يثير الكثير من الاستغراب والتساؤلات.

وعلى الرغم من عدم التعبير عن ذلك علنًا من قبل كبار السياسيين، إلا أن الشعب الألباني في ألبانيا وكوسوفو، يتعاطف مع المرشح الديمقراطي “جو بايدن”، ويتمنى فوزه، كما يعتبر فوز بايدن “انتصارًا لكوسوفو والألبان”.

ففي رسالة فيديو نشرها، دعا ألبين كورتي، زعيم حركة “اتخذ قرارك” وأحد رؤساء الوزراء السابقين في كوسوفو، الألبان في الولايات المتحدة لدعم بايدن.

وقال كورتي في رسالته إن بايدن أدان الفاشية الصربية في عهد “سلوبودان ميلوسيفيتش” ودعا إلى تدخل الولايات المتحدة في البوسنة والهرسك وكوسوفو.

وأشار كورتي إلى أن بايدن كان من بين أوائل الشخصيات السياسية الأمريكية التي دعمت استقلال كوسوفو.

بدوره، لم يقف عضو الكونغرس الأمريكي إليوت إنجل، المحبوب من الألبان، على الحياد بشأن الاتهامات التي وجهتها المحكمة الخاصة في لاهاي، مؤكّدًا في بيان نشره قبل أيام، بصفته رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، أن تاتشي استقال وأظهر احترامه لسيادة القانون.

كما انتقد إنجل تركيز الاتهامات الصادرة عن المحكمة على القادة الألبان في كوسوفو، مشددًا على وجوب محاكمة أي شخص يرتكب جريمة حرب.

وقال إنجل إن الغالبية العظمى من الجرائم التي ارتكبت في كوسوفو ارتكبها جيش الزعيم الصربي السابق ميلوسيفيتش خلال حملة تطهير عرقي ضد ألبان كوسوفو.

* الألبان يوجهون رسائل دعم إلى تاتشي

وبينما تلقى تاتشي وأصدقاؤه رسائل دعم عديدة من الألبان داخل بلدان البلقان وخارجه، أشاد سياسيون وقادة رأي ألبان في شمال مقدونيا بـ”النضال العادل” لجيش تحرير كوسوفو.

إلى جانب ذلك، أثار استدعاء مكتب المدعي الخاص في لاهاي، علي أحمدتي، رئيس الاتحاد الديمقراطي من أجل الاندماج، أكبر حزب سياسي ألباني في مقدونيا الشمالية، وعضو سابق في جيش تحرير كوسوفو، للإدلاء بشهادته، تساؤلات حول “وجود نية ما لتصفية جيش تحرير كوسوفو من المشهد السياسي في المنطقة”.

في ضوء كل هذه التطورات، يمكن القول أن البلقان تحولت إلى منطقة “حرب باردة” بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالنظر إلى الظروف الحالية، يمكننا القول أيضًا إن السياسات التي تنتهجها واشنطن، تقسم الحياة السياسية في كوسوفو والبلقان إلى قطبين مختلفين.

وفي الوقت الذي احتدم فيه التنافس بين ترامب المؤيد للصرب وبايدن المؤيد لكوسوفو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية (قبل حسمها تقريبا)، يسعى الاتحاد الأوروبي، الذي يمنح “حصانة” لمجرمي الحرب من الصرب، للعب دور نشط في البلقان، يتوازي مع الدور الأمريكي.

Source: Aa.com.tr/ar
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!