مهددون بالطرد خلال أيام.. فاطمة سالم وأبناؤها يتشبثون بمنزلهم في حي الشيخ جراح

تعيش فاطمة سالم وأبناؤها في منزل استأجره والدها عام 1948 بالشق الغربي من حي الشيخ جراح. وتسلمت قبل أيام أمرا إسرائيليا بإخلائه لصالح المستوطنين، لكنها ترفض الخروج منه.
المقدسية فاطمة سالم تعرض قرارا إسرائيليا مكتوبا يخطرها بضرورة إخلاء منزلها في حي الشيخ جراح (الجزيرة)

القدس المحتلة- في القسم الغربي من حي الشيخ جرّاح، المعروف فلسطينيا بـ”أرض النقاع”؛ قلّما يصادف الزائر مارة يسيرون في الأزقة خاصة مع حلول الظلام، تحسبا لاستهداف مباغت للسكان من المستوطنين الذين يعيشون في الحي بقوة الاحتلال.

في منزل عائلة سالم، تعيش المسنة فاطمة مع أبنائها الثلاثة وعائلاتهم في منازل قديمة متهالكة استأجرها والدها عام 1948، بعدما قرر الاستقرار في القدس قادما من قرية ترمسعيا (إحدى قرى محافظة رام الله وسط الضفة الغربية).

ووُلدت فاطمة سالم في حي الشيخ جراح عام 1952، وعند خطبتها كان شرطها الوحيد أن ينتقل زوجها لاحقا للعيش معها في منزل والديها لتكون قريبة منهما، ولأنها تشعر بالغربة خارج هذا البيت، الذي تسلمت قبل أيام أمرا إسرائيليا بإخلائه لصالح المستوطنين.

خلال زيارة الجزيرة نت لمنزلها، نبشت هذه المسنة ذاكرتها وتحدّثت عن تاريخ وجود عائلتها في حي الشيخ جراح. وقالت “يدّعي اليهود أنهم كانوا يعيشون في هذا المنزل قبل حرب عام 1948، وبعد اندلاعها فروا هاربين وجاء والدي وسكن في المكان وبدأ بدفع الإيجارات لدائرة حارس أملاك العدو التابعة للحكومة الأردنية التي وقعت شرقي القدس تحت حكمها آنذاك”.

توالت السنوات والتزمت العائلة بدفع الإيجار بشكل سنوي، ومع وقوع شرقي القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 بدأت “دائرة أملاك الغائبين” الإسرائيلية بجباية الإيجار من العائلة.

منزل عائلة سالم المهدد بالإخلاء لصالح المستوطنين وتظهر بالصورة المسنة فاطمة سالم (الجزيرة نت)

انتماء عاطفي

ألِفت فاطمة المكان وتعلقت بالمنزل وبالأشجار التي زرعها والداها قبل رحيلهما، وخلال جولة في بستانها الصغير، قالت “عندي شجرة رمان وتفاح وزيتون وتين وكرز وليمون.. شغلي الشاغل العناية بالأشجار، كيف يمكن أن أُبعد عنها قسرا؟ لن أخرج من هنا سوى إلى القبر”.

وتعجُّ جدران غرفة فاطمة بصور بأحجام وأشكال مختلفة، وكلما تلعثمت نظرت للصور وقالت “هذا ابني الكبير وهؤلاء أطفاله، وفي تلك الصورة يقف زوجي خلال حفل زفاف ابنتنا، رحل زوجي وأبي وأمي، وها أنا أواجه المستوطنين والقضاء الإسرائيلي العنصري”.

يجلس إبراهيم سالم (38 عاما) بجوار أمه، ويقول إن قرار الإخلاء الأخير قلب حياتهم رأسا على عقب، لكن أكثر ما يزعجه أن نائب رئيس بلدية الاحتلال “أرييه كينج”، وعضو المجلس البلدي المتطرف يونتان يوسف (حفيد الحاخام عوفاديا يوسف)، هما من طرقا الباب وسلّما والدته قرار الإخلاء.

المقدسي إبراهيم سالم المهدد بالإخلاء من منزله في الشيخ جراح لصالح المستوطنين (الجزيرة)

ويضيف سالم للجزيرة نت، أنه رغم معاناة كافة سكان الحي من الانتهاكات اليومية على يد المستوطنين، ومن التنكيل على يد شرطة الاحتلال التي تقيّد حركتهم في كثير من الأحيان لتسهيل مرور المستوطنين من وإلى “الشيخ جراح”؛ فإنه يرفض فكرة العيش في مكان آخر بعيدا عن منزله.

ويقول الشاب المقدسي إنه منذ انطلاق الحملة التضامنية العالمية المساندة لأهالي الشيخ جراح، استنفرت طواقم الاحتلال للانتقام من السكان بوسائل عدة، أحدها تسليم أوامر إخلاء بالجملة.

وتسلّمت عائلة سالم قرار الإخلاء بعد أسابيع من إخطار سكان بناية مكونة من 3 طوابق يعيش فيها 50 مقدسيا من عائلات (البشيتي والغزاوي والخطيب وشريتح وأبو دولة وحبّابي) بإخلاء بنايتهم في الشق الغربي للحي أيضا، رغم أن هذه العائلات تعيش في المكان منذ عام 1952.

مسار قانوني مسدود

لجأت عائلة سالم إلى المحامين لفحص إمكانية التحرك ضد قرار الإخلاء الأخير الذي يمهلهم حتى 29 ديسمبر/كانون الأول الجاري لمغادرة المنزل، لكن من المرجح أن المسار القانوني لوقف قرار الإخلاء سيكون محالا.

وفي عام 1987 صدر قرار عن محكمة الصلح الإسرائيلية يقضي بإخلاء الحاجة فاطمة سالم بادعاء إخفاقها في إثبات أنها كانت تعيش مع والديها في هذا البيت قبل موتهما، وفي ظل عدم تقدم عائلة سالم باستئناف ضد هذا القرار أصبح الحكم قطعيا وغير قابل للإبطال.

وبعد سنوات من موت الإسرائيليين الذين يدّعون ملكيتهم للعقار قبل عام 1948، باع ورثتهم المنزل لآخرين وتوالت عمليات البيع حتى انتقلت ملكية المنزل لعدة أشخاص، وخلال انتقال الملكية تم تجيير حقوق الإخلاء لصالح المستوطنين بموجب قرار الحكم الصادر عام 1987.

وفي عام 2012، فتح المستوطنون الملف مرة أخرى بهدف تنفيذ قرار المحكمة الصادر عام 1987 بموجب قانون “التقادم على حكم مدني”، والذي يتيح إمكانية تنفيذ الحكم حتى 25 عاما من تاريخ صدوره.

ويقف الآن “أرييه كينج” وحفيد “الحاخام عوفاديا يوسف” المتطرفين بوجه العائلة بشكل شخصي، لتنفيذ حكم الإخلاء الذي تم فتحه عام 2012 أي بعد مرور 25 عاما على قرار محكمة الصلح، الأمر الذي وضع العائلة التي تعيش في حي الشيخ جراح منذ 73 عاما تحت خطر التهجير القسري الوشيك رغم أنه يجب تصنيف أفرادها مستأجرين محميين.

ويذكر أن الجمعيات الاستيطانية طردت بالقوة أسرتين في القسم الغربي من حي الشيخ جراح حتى الآن، من أصل 40 أسرة تعيش على مساحة نحو 10 دونمات (الدونم ألف متر).

فاطمة سالم تتفقد الأشجار في بستانها الصغير بمنزلها في حي الشيخ جراح (الجزيرة)
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!