هل يصاب الناجون من فيروس كورونا بالمرض من جديد؟

بينما تستعد الصين لرفع تدابير الحجر الصحي عن مدينة ووهان والسماح للسكان بمغادرة مركز تفشِّي المرض في العالم الشهر المقبل (أيار 2020)، تُثير سلسلةٌ من حالاتٍ غامضةٍ عن عودة الإصابات للمرة الثانية تساؤلاتٍ حول دقة وسائل تشخيص كوفيد 19، كما تُثير مخاوف بشأن موجةٍ محتملةٍ ثانيةٍ من حالات العدوى بفيروس كورونا المستجد.

Share your love

في الفترة الممتدة بين 18 و22 مارس، لم تظهر أيُّ حالاتٍ جديدةٍ سببها الانتقال المحلي (انتقال العدوى من شخصٍ إلى آخر ضمن المدينة نفسها) في مدينة ووهان، وعُدَّ هذا الإنجاز نقطة تحولٍ في جهود احتواء الفيروس الذي أصاب أكثر من 80 ألف شخصٍ في الصين؛ أكثر من نصفهم في مدينة ووهان.

إنَّ بعض سكان ووهان الذين ثبُت شفاؤهم سابقاً تَظهَرُ نتائج فحوصاتهم إيجابيةً من جديد، واستناداً إلى بيانات العديد من مرافق الحجر الصحي في المدينة، والتي تؤوي المرضى لمزيدٍ من المراقبة بعد خروجهم من المستشفيات، فإنَّ 5% إلى 10% من المرضى الذين شُفِيوا أظهرت نتائج فحوصاتهم إصابتهم بالمرض مرةً أخرى.

من الممكن أن يكون أولئك الذين كانت فحوصاتهم إيجابيةً‎‎ في المرة الثانية حاملين للمرض دون أعراض، أي: من الممكن أن يحمل هؤلاء الأشخاص المرض وينقلوه إلى الآخرين دون أن يعرفوا لأنَّ أعراض المرض لا تظهر عليهم؛ ممَّا يشير إلى أنَّ الجائحة في ووهان لن تنتهي قريباً كما كان متوقعاً.

وفي حديثٍ للإذاعة الوطنية العامة (NPR) عبر الهاتف مع أربعة أشخاصٍ في ووهان من المجموعة التي ظهرت اختباراتهم إيجابيةً بعد شفائهم من المرض سابقاً، قال الأربعة أنَّهم أصيبوا بالفيروس سابقاً وتلقَّوا الرعاية الطبية اللازمة حتَّى تحسَّنت حالتهم في الأسابيع الأخيرة، وكانت نتائج فحوصاتهم سلبيةً للمرض؛ ليخرجوا بعدها من المراكز الصحية.

كان اثنان من هؤلاء طبيبين في الخطوط الأمامية، وقد أُصيبا بعد معالجتهما للمرضى المصابين بالفيروس، وكان الاثنان الآخران من سكان مدينة ووهان. وقد طلبوا جميعاً عدم ذكر أسمائهم؛ لأنَّ الحكومة الصينية تقوم باعتقال المعترضين على طريقة تعاملها مع المرض.

ظهرت على أحد المتحدثين من سكان ووهان أعراضٌ شديدةٌ للمرض عند إصابته للمرة الأولى، وأُدخِل إلى المستشفى في نهاية المطاف؛ أمَّا الثاني فقد ظهرت عليه أعراضٌ خفيفةٌ في البداية، وعُزِل في أحد مراكز العزل العشر المؤقتة التي أُنشِئت في ووهان خلال ذروة تفشِّي المرض.

ولكن عندما أُجرِي الاختبار لكليهما للمرة الثانية لفيروس كورونا يوم الأحد 22 مارس، كشرطٍ مسبقٍ للحصول على رعايةٍ طبيةٍ للمشكلات الصحية غير المتعلِّقة بالفيروس، كانت نتائج فحوصاتهما إيجابيةً وأُثبِتت إصابتهما بفيروس كورونا من جديد، رغم أنَّهما لم يُظهِرا أيَّ عرضٍ من أعراض الفيروس مثل: الحمى، أو السعال الجاف. تراوح الوقت بين تعافيهم وخروجهم وإعادة اختبارهم مجدداً بضع أيام إلى بضع أسابيع.

هل يمكن أن يعني هذا الاختبار الإيجابي الثاني جولةً ثانيةً من انتشار العدوى؟ يعتقد علماء الفيروسات أنَّه من غير المحتمل أن تُعاد إصابة مريض “كوفيد 19” بسرعةٍ بعد الشفاء، ولكنَّهم يُحذِّرون من أنَّ تأكيد ذلك أمرٌ سابقٌ لأوانه.

وبموجب أحدث توجيهات الوقاية من فيروس كورونا، لا تُدرِج الصين في حسابها اليومي إجمالي الحالات الجديدة التي تعيد اختبارها بعد خروجها من الرعاية الطبية؛ كما أنَّها لا تُضمِّن الحالات المصابة بدون أعراضٍ في إحصائياتها للمرض.

قال أحد أطباء ووهان الذين كانت نتائج اختباراتهم الثانية إيجابيةً بعد شفائهم: “ليس لدي أيُّ فكرةٍ لماذا تختار السلطات عدم حساب الحالات اللا عرضية من العدد الرسمي للحالات. أنا في حيرةٍ من أمري”.

يُعزَل هؤلاء الأشخاص الأربعة الآن تحت المراقبة الطبية، فمن غير الواضح ما إذا كانت حالاتهم معدية، ولماذا كانت نتائج الاختبارات إيجابيةً بعد نتائج اختباراتهم السلبية السابقة.

يوجد عدة احتمالاتٍ لتفسير ما يحدث، فمن الممكن أن تكون نتيجة الاختبار السلبية الأولى خاطئة؛ وهذا يمكن أن يحدث إذا أخطأت المسحة المستخدمة في جمع عيناتٍ من الفيروس. وكانت نتائج اختبارٍ أُجري للطبيب “لي وين ليانغ” (Dr. Li Wenliang) -طبيبٌ توفي في وقتٍ سابقٍ بسبب الفيروس نفسه في فبراير وهو أوّل من حذّر الناس من هذا الفيروس- سلبيةً لفيروس كورونا المستجد عدَّة مراتٍ قبل تشخيصه بدقة.

وفي فبراير، أقرَّ وانغ تشين “Wang Chen”، مدير الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية التي تديرها الدولة، أنَّ اختبارات الحمض النووي المستخدمة في الصين كانت دقيقةً في تحديد الحالات الإيجابية لفيروس كورونا بنسبة 30٪ – 50٪ فقط.

وفي نظريةٍ أخرى، يمكن أن يكون الفيروس المتبقي من العدوى الأولى قد تسبَّب بإعطاء نتائج خاطئةٍ في الفحص الثاني؛ لأنَّ الاختبار يُضخِّم أجزاء صغيرةً من الحمض النووي للفيروس.

وقال الدكتور “جيفري شامان” (Dr. Jeffrey Shaman)، أستاذ علوم الصحة البيئية في جامعة كولومبيا “Columbia University”: “هناك نتائج إيجابية خاطئة في هذا النوع من الاختبارات”. وقد شارك شامان مؤخراً في تأليف دراسةٍ نموذجيةٍ تُبيِّن أنَّ تحرك الأفراد الذين لم تظهر عليهم أيُّ أعراضٍ كان المحرِّك الأساسي لتفشي المرض في ووهان.

ما مدى مصداقية تعافي الصين؟

يوم الثلاثاء، قالت مقاطعة هوبي، والتي تُعدُّ مدينة ووهان كُبرى مدنها، أنَّها ستخفِّف من إجراءات الإغلاق التي طُبِّقت منذ أكثر من شهرين، وستبدأ بالسماح للسكان بمغادرة المدن في اليوم التالي. وأمَّا مدينة ووهان فإنَّها ستبدأ برفع إجراءات الحجر الصحي والسماح للسكان بالمغادرة بعد أسبوعين في 8 أبريل.

ووفقاً للسلطات البلدية في مدينة ووهان، يجب على من يودُّ مغادرة المدينة أن تكون نتيجة اختباره للمرض سلبيةً أولاً. ستحدِّد مثل هذه الفحوصات بعضَ ناقلات الفيروسات المتبقية بدون أعراض، لكنَّ ارتفاع معدَّل الاختبارات السلبية الكاذبة التي استشهد بها الأطباء الصينيون يعني أنَّ الكثير من المصابين بالفيروس يمكن أن يمرُّوا دون أن يُكتَشفوا.

يوم الخميس الماضي، أفادت مدينة ووهان للمرة الأولى منذ بدء تفشِّي المرض أنَّه لم يكن لديها حالاتٌ جديدةٌ من الفيروس، وهي علامةٌ بارزةٌ في جهود احتواء الفيروس في الصين؛ حيث أبلغت المدينة عن عدم وجود أيِّ حالاتٍ جديدةٍ للأيام الأربعة التالية.

لكن كايكسين (Caixin) -وكالة أنباءٍ صينيةٍ مستقلة- أفادت في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع أنَّ مستشفيات ووهان لا تزال تستقبل حالاتٍ جديدةً بدون أعراض؛ نقلاً عن مسؤولٍ صحيٍّ قال أنَّه يشهد ما يصل إلى اثنتي عشرة حالةً من هذا القبيل يومياً.

وردَّاً على استفساراتٍ حول كيفية إحصاء المدينة للحالات عديمة الأعراض، قالت لجنة الصحة في ووهان يوم الإثنين أنَّها تعزل المرضى الجُدد الذين لا يظهرون أعراضاً في أجنحةٍ مخصَّصةٍ لمدة 14 يوماً، وقالت السلطات أنَّ هؤلاء المرضى سيُضمَّنون في عدد الحالات اليومية الجديدة إذا ظهرت عليهم أعراضٌ خلال فترة عزلهم.

وقالت اللجنة: “استناداً إلى بيانات منظمة الصحة العالمية المتاحة، تنتقل العدوى الجديدة بشكلٍ رئيسٍ من قبل المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض. وبالتالي، قد لا تكون الحالات غير المصحوبة بأعراض – المصدرَ الرئيس لانتقال العدوى”.

صرَّح “زونيو وو” (Zunyou Wu)، باحثٌ فى لجنة الصحة الصينية للصحفيين اليوم الثلاثاء، بأنَّ “حاملي أعراض المرض” لن يسبِّبوا انتشار الفيروس؛ وأوضح الباحث أنَّ هذا يرجع إلى أنَّ السلطات كانت تعزل الأشخاص الذين كانوا على تواصلٍ وثيقٍ بالمرضى المؤكَّدين، ولم يوضح “زونيو” كيف سيُحدَّد “حاملو أعراض المرض” الذين ليس لديهم تواصلٌ وثيقٌ بالمرضى المؤكَّدين.

وفي اجتماعٍ أُجرِي لمعالجة القلق المتزايد حول المرضى الذين لا يُبدون أيَّ أعراضٍ للمرض، حثَّ رئيس المجلس الدولي الصيني “لي كه تشيانغ” (Li Keqiang) خلال اجتماع الحكومة رفيع المستوى يوم الخميس على أنَّه: “يجب على الإدارات ذات الصلة بمكافحة المرض الإجابة بصدقٍ، وفي الوقت المناسب، وبشكلٍ علنيٍّ عن أسئلة، مثل: ما إذا كان هؤلاء المرضى معديين؟ وكيف قد يتغيَّر تفشِّي المرض؟”.

تشير الأبحاث إلى أنَّ الانتشار يمكن أن يكون سببه حاملو المرض الذين لا يُبدون أيَّ أعراض، وتشير دراسات المرضى من ووهان والمدن الصينية الأخرى التي شُخِّصَت في وقتٍ مبكِّرٍ من تفشِّي المرض إلى أنَّ حاملي الفيروس الذين لا يعانون من أعراضٍ يمكن أن يصيبوا الأشخاص الذين على اتصالٍ وثيقٍ بهم، مثل أفراد الأسرة.

وقال أحد أطباء ووهان الذين ثبتت إصابتهم مرَّتين للإذاعة الوطنية: “فيما يتعلَّق بأولئك الذين أُعيد اختبارهم وفقاً للمقياس الرسمي لتطوَّر المرض، لم يُثبَت أنَّهم مُعدِيون؛ وهذا بالطبع لا ينفي احتمال نقلهم للمرض. هم الآن معزولون وتحت المراقبة الطبية”، وأضاف الطبيب: “إذا لم يكن هؤلاء الأشخاص مُعْدِيين حقاً، فلن تكون هناك حاجةٌ إلى إعادتهم إلى المستشفيات مرةً أخرى”.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!