التقييم الذاتي: تعريفه، ومعاييره، وكيفية زيادته

هل تسير في الحياة بطريقة عشوائية بحيث تتذبذب في الإنجاز والأداء، لن تتمكن من الارتقاء، ولن تحقق النجاحات والإنجازات، إن لم تقيِّم ذاتك في كل فترة من فترات حياتك، وهذا هو مدار حديثنا خلال هذا المقال.

وهل أنت ممَّن يمتلكون ثقة مبالغاً فيها بالذات تصل إلى حد الغرور والغطرسة، بحيث لا تجد ضرورة لمراقبة تصرفاتك وأفعالك وتحليلها واستنتاج هفواتها وسلبياتها؟ أم أنَّك من أولئك الذين اعتمدوا سياسة التقييم الذاتي، بحيث لم يتركوا لأنفسهم حرية الكلام والتصرف بالطريقة التي تحلو لها؛ بل خصصوا موعداً من كل أسبوع للجلوس مع الذات ومراجعة الأحداث كلها وردود الأفعال والقرارات والسيناريوهات الحاصلة، بحيث يصلون إلى استراتيجية أكثر تقدماً للتعامل مع الحياة وأشخاصها، وبحيث يواظبون على الصعود في مستويات الحكمة والنضج والرقي، ويلتمسون التغيُّر الحقيقي في الحياة والتعاملات؟

لن تتمكن من الارتقاء، ولن تحقق النجاحات والإنجازات، إن لم تقيِّم ذاتك في كل فترة من فترات حياتك، وهذا هو مدار حديثنا خلال هذا المقال.

التقييم الذاتي:

هو مرحلة هامة ومتكررة في حياة الإنسان؛ إذ يراجع فيها تصرفاته وأفكاره وخطواته التي قام بها بهدف تحديد مستوى أدائه، ومدى وجود تقدم في الأداء، ويساعد التقييم الذاتي الإنسان على الوصول إلى أهدافه وطموحاته، وفي العيش بطريقة ممتعة ومسؤولة؛ إذ يعزز التقييم الذاتي إحساس المسؤولية لدى الإنسان تجاه أقواله وأفعاله، وأفكاره ونواياه ومخططاته، ولا يترك مجالاً للعشوائية والتشتت للوجود في حياته.

معايير التقييم الذاتي:

1. الصدق:

وهنا يجب على الإنسان أن يكون صادقاً مع ذاته بنسبة 100% بحيث يجلس مع ذاته بجلسة مصارحة، ويذكر المواقف كلها التي حدثَت معه على مدار فترة من الزمن دون محاولة اجتزاء الحقيقة وإظهار جزء منها دون الآخر.

2. الحياد:

يجب على الإنسان أن يكون حيادياً في أثناء مرحلة التقييم الذاتي بحيث يذكر الأحداث الإيجابية والسلبية، وتلك التي تُظهِر طيبته والأخرى التي تُظهِر خبثه، والمواقف التي تُظهِر رقَّته والأخرى التي تُظهِر عصبيته، والتفاصيل التي تُظهِر تفهُّمه والأخرى التي تُظهِر عدم تعاونه.

3. تغليب العقل على المشاعر:

يجب على الإنسان ترويض ذاته، والتحكم في مشاعره بحيث لا يترك المجال لعواطفه بالتحكم في عملية التقييم، فيميل إلى وضع علامة ممتازة على المواقف والأحداث كلها؛ بل يجب عليه السماح لعقله أن يكون هو المسيطر بحيث يعطي حكماً عقلانياً ومنطقياًَ على الأمور.

4. الأدوار:

يجب على الإنسان تحديد أدواره في الحياة، والتي يرغب في قياس أدائه فيها، كأن يركز على ثمانية جوانب في الحياة، مثل: العمل والتخصص، الصحة والرياضة، العلاقة مع الأهل، الوضع المالي، العلاقة الزوجية أو العاطفية في حال العزوبية، العلاقات الاجتماعية، تطوير الذات، الجانب الروحاني.

5. عدم المثالية:

يجب على الإنسان السعي إلى تقبُّل أخطائه قبل حسناته؛ ذلك لأنَّ الحياة غير مثالية؛ بل هي حقل من التجارب السلبية منها والإيجابية؛ إذ تساعده التجربة السلبية على البحث عن ذاته واكتشاف نواقصها والعمل على معالجتها.

6. التوافق:

يجب على الإنسان السعي إلى وضع معيار التوافق مع قِيمه ومبادئه كأول معيار في أثناء رحلة تقييم ذاته، بحيث يكون ما يقوم به من أعمال ومواقف متقاطعاً مع منظومة قيمه وأخلاقه، فتتحسَّن نظرته إلى نفسه وذاته.

طريقة التقييم الذاتي:

يقوم الشخص برسم جدول في دفتر ما، ومن ثمَّ يضع فيه المواقف الإيجابية والسلبية التي حدثَت معه في الفترة الماضية، كما يقوم بكتابة أدواره في الحياة، ويضع علامات حقيقية عن أدائه في الأدوار المختلفة، كأن يضع (ضعيف، وسط، جيد، ممتاز)، ويقوم بعد ذلك بتحليل الأسباب التي أدت إلى التقييم المنخفض.

أسباب التقييم المنخفض للذات:

1. الصورة الذاتية المشوهة:

كأن يمتلك الإنسان صورة ذاتية سلبية، فيرى نفسه أنَّه غير كفء، ولا يستحق النجاح والإنجاز، ولا يملك القدرات والمهارات التي تساعده على الوصول إلى غايته، وتأتي الصورة السلبية عن الذات بسبب تجارب سلبية سابقة، مثل تعرُّضه لكثيرٍ من الكلام السلبي الناقد من قِبل الأهل والأصدقاء، أو إلى كمٍّ كبيرٍ من المقارنات القاسية بينه وبين الآخرين، كأن تقول له الأم: “انظر إلى صديقك المؤدب واللطيف والمجتهد، لماذا لستَ مثله؟”

يأتي تشوه الصورة الذاتية للإنسان من وجود خلل في تعبئة احتياجاته النفسية، كحاجته إلى أن يكون محبوباً أو مرغوباً، أو حاجته إلى أن يكون في أمان وسلام، كما تسبب التوقعات العالية التي يتبناها الشخص عن الحياة، والتي تصطدم بصخرة الواقع، كثيراً من المشكلات النفسية لدى الشخص.

2. غياب منظومة القِيم:

عندما لا يحدد الإنسان قيمه الأساسية، فهذا يعني تخبُّطه في الحياة يمنة ويسرى إلى غير هدى.

3. غياب الرسالة:

عندما لا يكون للإنسان رسالة واضحة في الحياة يعمل بمقتضاها، فهذا يعني غياب البوصلة، والضياع والتشتت في الحياة.

كيف تزيد من تقديرك لذاتك؟

1. الكلام الإيجابي:

يجب على الإنسان أن يغيِّر حديثه الذاتي مع نفسه، بحيث يملأ كلامه بالكلمات التشجيعية الإيجابية، كأن يقول: “أنا قادر، أنا قوي، وأستطيع الوصول إلى ما أريد”.

2. رسم الصورة الذاتية الجديدة:

وهنا يرسم الإنسان الصورة التي يريدها لنفسه، ومن ثمَّ يكررها إلى حين ترسيخها في اللاوعي، فلا يهم قيام الإنسان – في المرحلة الأولى – باصطناع الصورة الجديدة في تصرفاته، فما يهم هو ثباتها النهائي في داخله.

3. تقبُّل الأخطاء:

وهنا يجب على الإنسان السعي إلى تقبُّل أخطائه أياً كانت، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض معصوم من الخطأ، كما يجب عليه السعي إلى إصلاحها وتصويبها، فالذي يهم هو حالة التعلم من الأخطاء.

4. تعلُّم الانضباط الذاتي:

يجب على الإنسان تعلُّم الالتزام والجدية للوصول إلى تقدير عالٍ للذات، وذلك من خلال تحمُّل مسؤولية حياته وتفاصيلها، فبدلاً من إلقاء اللوم على الظروف والآخرين، يميل إلى سؤال نفسه: “ماذا لو كنت أنا السبب فيما حصل لي؟ وماذا لو كان عليَّ البحث في داخلي، واكتشاف هفواتي، والعمل على معالجتها؟”.

من جهة أخرى، يقوم الشخص بالتدريب على إدارة الوقت، بحيث يُلغِي المشتتات المحيطة به، من وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصالات الهاتفية، والأصدقاء المزعجين، وغيرها، كما يجب عليه مواجهة مخاوفه والسعي إلى شغفه بمنتهى القوة والحماسة، غير آبه بكلام الآخرين أو انتقاداتهم.

شاهد بالفيديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/j_LaGNz-PVA?rel=0&hd=0″]

5. تحديد الأهداف:

ارسم لنفسك الأهداف الواضحة والمحددة، بحيث تعطي القيمة لحياتك، وتنال فرصة العيش في صلب الحياة، وليس على هامشها، وتشعر بالحماسة والرغبة في خوض تحديات الحياة و عراقيلها.

6. الأولوية لذاتك:

امنح ذاتك الأولوية القصوى، ولا تُرجئ الاهتمام والعناية بها، وأحِب ذاتك بكل ما تملك من طاقة، فأول شخص سيمسح دمعتك وقت حزنك هو ذاتك، وأول شخص سيفرح لنجاحاتك وتقدمك هو ذاتك؛ لذلك لا تحرم ذاتك من ذلك الحب والاستحقاق والحنان.

7. الصبر:

عليك بالصبر، فقد تفشل في تحقيق أهدافك وأحلامك، ولكنَّ هذا لا يعني الاستسلام والاستكانة؛ بل عليك تقبُّل الأمر، والسعي والمحاولة من جديد، إلى أن تصل إلى ما تريد وترغب، واستفِد من التجربة السلبية في حياتك، وتعلَّم منها، ولا تتوقع الحياة مثاليةً وورديةً؛ بل هي مليئة بالتحديات والاختبارات.

8. بناء العادات:

ابنِ خطوات صغيرة من شأنها المساهمة في تغيير أسلوب حياتك، كأن تقرر القراءة مدة ربع ساعة فقط في اليوم، وابدأ بخطوات صغيرة ولكن مستمرة، ومن ثمَّ ستلمس التغيير في عاداتك وسلوكاتك، أمَّا في حال إدمانك على عادة سلبية، فهنا عليك فهم الطريقة التي تتكون فيها العادة السلبية.

في حال كنت معتاداً على تناول وجبة دسمة في أثناء مشاهدتك التلفاز، فسوف يعطيك تشغيل التلفاز إشارة إلى ضرورة القيام بفعل ما، ومن ثمَّ ستتولد لديك الحركة الروتينية، وهي تناول وجبة غير صحية، وصولاً إلى الإحساس بالمكافأة، وهي الإحساس بشعور الراحة واللذة، وبعد ذلك تتعظم لديك الرغبة في تكرار السلوك.

أمَّا في حال رغبتك في تغيير العادة السلبية إلى عادة إيجابية، فبإمكانك تعديل الروتين المعتاد إلى بديل أكثر صحة، كأن تبدَّل وجبة الطعام غير الصحية بوجبة صحية، مع المحافظة على شعور الراحة والمتعة الناتج عن تناول الوجبة، فإن كنت تعشق الموز والمانغا، بإمكانك تناولهما بدلاً من البطاطا المقلية.

9. النية:

ألغِ المشتتات كلها التي تعوقك عن هدفك، مثل الهاتف الجوال، واكتب خطة عمل محددة بحيث تُلزمك بأداء مهام في وقت محدد ويوم محدد؛ وذلك لكي تستطيع قياس تقدمك وأدائك.

الخلاصة:

تستطيع التطور والارتقاء بذاتك في حال نويتَ ذلك بنيَّة حقيقية، وفي حال سعيتَ بكل ما أوتيت من قوة وراء هدفك ورسالتك في الحياة.

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!