طريقتان ذكيتان تساعدانك على التحكم بعواطفك

يمكننا الحد من معاناتنا وتعزيز سلامتنا، من خلال تحديد مشاعرنا بوضوح أو إعادة تصنيفها كما تقول عالمة الأعصاب "ليزا فيلدمان باريت" (Lisa Feldman Barrett). قد نكون تفوَّهنا جميعاً بعبارات مثل: "إنَّه شخص غاضب"، أو "إنَّني شخص قلق للغاية"، ولكن تشير مثل هذه العبارات إلى الاعتقاد بأنَّ أدمغتنا مبرمجة على الشعور بهذه العواطف، أو بأنَّ الأحداث تثيرها تلقائياً.

ولكن توصَّلت عالمة الأعصاب “ليزا فيلدمان باريت” (Lisa Feldman Barrett) بعد عقود من البحث في “جامعة نورث إيسترن” (Northeastern University)، إلى استنتاج مختلف؛ حيث تقول: “إنَّ أهم ما يقوم به عقلك ليس التفكير أو الشعور أو حتى تكوين الرؤية؛ وإنَّما الحفاظ على حيوية جسدك وصحته لكي تعيش وتزدهر، ولكنَّ عقلك يستمر في التنبؤ مثل عرافةٍ متمرسة، وتصبح هذه التنبؤات في النهاية هي المشاعر التي تشعر بها، والتعبيرات التي تراها في الأشخاص الآخرين”.

ونظراً لأنَّ دماغنا يبني عواطفنا أساساً، فيمكننا تعليمه كيفية تصنيفها بدقة أكبر، ثم استخدام هذه المعلومات التفصيلية لتساعدنا على اتِّخاذ الإجراءات الأكثر ملاءمة.

أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها من أجل صحتك العاطفية هو تعزيز مفاهيمك العاطفية، لنفترض أنَّك تعرف مفهومَين فقط عن العواطف: “الشعور بالسعادة” و”الشعور بالاستياء”، وكلَّما شعرت بعاطفة، تصنِّفها فقط وفقاً لهذين المفهومين، والتي لا تُعدُّ طريقة ذكية من الناحية العاطفية.

أمَّا إذا كان في إمكانك تمييز المعاني الدقيقة، مثل التعبير عن الشعور الجيد باستخدام كلمات مثل رائع، وسعيد، ومستمتع، ومسترخي، وبهيج، ومتفائل، ومُلهم، وفخور، ومعجب، وممتن، وفرِح؛ والتعبير أيضاً عن الشعور السيِّئ باستخدام كلمات مثل غاضب، وقلق، وحاقد، وحاد الطباع، ونادم، وكئيب، ومذعور، ومضطرب، ومروع، ومستاء، وخائف، وحسود، وحزين؛ فيمتلك عقلك العديد من الخيارات للتنبؤ بالمشاعر وتصنيفها وإدراكها؛ ممَّا يوفر لك وسائل لاستجابات أكثر مرونة وفائدة، ويمكنك التنبؤ بأحاسيسك وتصنيفها بطريقة أكثر كفاءة، لكي تتناسب أفعالك مع وضعك وبيئتك بصورة أفضل.

في الواقع، قلَّما يذهب الأشخاص الذين يمكنهم تكوين تجارب عاطفية دقيقة إلى الطبيب والمشفى، وقلَّما يتناولون الأدوية بسبب المرض، كما يُعدُّ الأشخاص الذين يفهمون عواطفهم بدقة خبيرين في المشاعر؛ فهم يتنبَّؤون بالعواطف ويبنون حالات عاطفية مصممَّة بدقة لتناسب كل موقف محدَّد؛ لذا فإنَّ مفتاح الذكاء العاطفي الحقيقي، هو اكتساب مفهومات جديدة للعاطفة وصقل مفهوماتك الحالية.

قد تكون أسهل طريقة لاكتساب المفهومات هي تعلُّم كلمات جديدة، وعلى الرغم من أنَّك ربما لم تفكر مطلقاً في تعلُّم الكلمات للحصول على صحة عاطفية أفضل، إلَّا أنَّها وسيلة مُجرَّبة وفقاً لعلم الأعصاب، فالكلمات تغرس مفاهيمك، ومفاهيمك تقود تنبؤاتك، وتنظم التنبؤات توازُن جسدك، وهي الطريقة التي يتوقع بها عقلك احتياجات جسدك ويلبيها، كما يحدِّد توازن جسدك ما تشعر به.

شاهد بالفديو: نصائح لمساعدتك على السيطرة على عواطفك

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/-D4wa7bWHis?rel=0&hd=0″]

توفِّر لك الدقة العاطفية العديد من الفوائد الأخرى لعَيش حياة مُرضية؛ ففي مجموعة من الدراسات العلمية، تبيَّن أنَّ الأشخاص الذين يستطيعون التمييز بدقة بين مشاعرهم غير السارة، كانوا أكثر مرونة بنسبة 30% فيما يتعلَّق بتنظيم عواطفهم، وأقل عُرضة لاتِّباع سلوكات ضارة عند الشعور بالتوتر، وأقل ميلاً للانتقام من شخص أساء إليهم، أمَّا بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من مرض الفصام، فإنَّ أولئك الذين يظهرون دقة عاطفية أعلى، ويبلغون عن علاقات أفضل مع العائلة والأصدقاء، مقارنةً بأولئك الذين يظهرون دقة أقل، ويكونون أيضاً أكثر قدرة على اختيار الإجراء الصحيح في المواقف الاجتماعية.

ومن ثمَّ يجب أن تتعلم أكبر عدد ممكن من الكلمات الجديدة، وأن تقرأ في كتب مجلات مختلفة، وأن تستمع لمحتوى صوتي مثير للتفكير، على سبيل المثال: لا تكتفِ بكلمة “سعيد”؛ وإنَّما ابحث عن كلمات أكثر دقة واستخدمها، مثل “مبتهج” و”متحمس” و”ملهَم”، واعرف أيضاً الفرق بين “محبط” و”بائس” بدلاً من استخدام كلمة “حزين” على الدوام، ومن الجيد أيضاً أن تتجاوز مفهومات لغتك الأم، وتتعلم مفهومات لغة أخرى لا تحتويها لغتك.

من خلال معرفة العديد من المفاهيم العاطفية، تستطيع التعامل مع الظروف المختلفة، وربما تكون أكثر تعاطفاً مع الآخرين؛ لذا حاول ابتكار مفاهيمك العاطفية باستخدام قوتي الواقع الاجتماعي ومزيج المفاهيم؛ حيث يقدِّم المؤلف “جيفري يوجينيدس” (Jeffrey Eugenides) مجموعة من المفاهيم اللطيفة في روايته “الجنس الثالث” (Middlesex)، بما في ذلك “كراهية المرايا في منتصف العمر”، و”إحباط المرء عند تخيُّل شخص غير موجود”، و”حماسة الحصول على غرفة بها ثلاجة مشروبات”.

يمكنك أن تفعل الشيء نفسه بنفسك؛ على سبيل المثال: أغمِض عينيك وتخيَّل نفسك تقود سيارة بعيداً عن مسقط رأسك، وأنت تعلم أنَّك لن تعود أبداً، هل يمكنك وصف هذا الشعور بدمج المفاهيم العاطفية؟ إذا كان في إمكانك استخدام هذه التقنية يوماً بعد يوم، فقد تتكيَّف تكيُّفاً أفضل مع الظروف المتنوعة، وربما تكون أكثر تعاطفاً مع الآخرين، وتمتلك مهارات تفاوض مميزة على النزاع والاتفاق مع الآخرين، ويمكنك حتى إظهار إبداعاتك وتعليمها لعائلتك وأصدقائك.

يمتلك الشخص الذكي عاطفياً الكثير من المفاهيم، ويعرف أيضاً أيَّها يجب استخدامه ومتى، تماماً مثلما يتعلَّم الرسامون رؤية الفروقات الدقيقة في الألوان التي لا يستطيع الآخرون رؤيتها.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك رأيت ابنك المراهق ذاهباً إلى المدرسة في شكلٍ غير لائق؛ أي شعره أشعث، وملابسه مجعدة ومتَّسخة، فقد توبخه وتطلب منه العودة إلى غرفته لتبديل ملابسه، ولكن بدلاً من ذلك، اسأل نفسك عمَّا تشعر به: هل أنت قلق من ألَّا يهتمَّ به أساتذته؟ أم أنت متوتر من أنَّ طريقة لباسه تنعكس عليك كوالد؟ أم منزعج لأنَّك تنفق نقوداً على ملابس لا يرتديها أبداً؟ أو ربما تشعر بالحزن لأنَّه كبر وصرت تفتقد حيوية طفولته؛ اعتماداً على الإجابة، يمكنك التعامل مع الموقف بمهارةٍ أكثر من مجرد الصراخ في وجهه.

لقد تبيَّن في إحدى الدراسات أنَّ التصنيف الدقيق للعواطف، هو الأكثر فاعلية في مساعدة الأشخاص المصابين برهاب العناكب على تخفيف مشاعر القلق عند رؤية العنكبوت والاقتراب منه.

إذا شعرت أنَّ هذا التفكير الباطني يبدو غير ضروري، فعليك إدراك أنَّ الناس يدفعون أموالاً طائلة للمعالجين والكوتشز لهذا الغرض تماماً؛ لكي يساعدوهم على إعادة صياغة المواقف، والعثور على التصنيفات الأكثر فائدة لاختيار الإجراءات الملاءمة، ولكن يمكنك القيام بذلك بنفسك، وفي إمكانك أن تصبح خبيراً في تصنيف العواطف من خلال الممارسة الكافية، وستجد الأمر أسهل مع التكرار.

في دراسة عن الخوف من العناكب، تبيَّن أنَّ التصنيفات الدقيقة تتفوق على نهجين شائعين آخرين لتنظيم العواطف؛ النهج الأول، المسمَّى إعادة التقييم المعرفي، وهو جعل المريض يصف العنكبوت وصفاً غير مهدِّد؛ على سبيل المثال: “أمامي عنكبوت صغير، وهو آمن”؛ أمَّا الأسلوب الثاني فهو الإلهاء؛ أي توجيه انتباه الأشخاص المعنيين إلى شيء لا يتعلق بالعناكب على الإطلاق؛ وكان النهج الثالث هو تصنيف الأحاسيس بدقة أكبر، مثل: “أمامي عنكبوت قبيح ومثير للاشمئزاز ومثير للأعصاب، ولكنَّه مثير للاهتمام أيضاً”، وكان هذا النهج أكثر فاعلية في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من رهاب العناكب على تخفيف مشاعر القلق عند رؤية العنكبوت والاقتراب منه، وعلاوة على ذلك، استمرت التأثيرات لمدة أسبوع بعد التجربة.

بالإضافة إلى ممارسة الدقة العاطفية، ثمَّة طريقة أخرى فعالة للتحكُّم بعواطفك، وهي إعادة تصنيف ما تشعر به، ففي أي وقت تشعر فيه بالتعاسة، يكون ذلك نتيجة لمعاناتك من تأثير مزعج بسبب الإحساسات الجسدية؛ لذا يحاول عقلك التنبؤ بأسباب هذه الإحساسات، وكلَّما زادت المفاهيم التي تعرفها وعدد الحالات التي يمكنك تكوينها، تمكَّنت إعادة التصنيف من إدارة عواطفك وتنظيم سلوكك بفاعليَّةٍ أكبر.

على سبيل المثال: إذا كنت على وشك الذهاب لمقابلة عمل، وتشعر بأنَّ قلبك ينبض بسرعة، فيمكنك إما تصنيف إحساساتك على أنَّها قلق ضار، مثل أن تقول: “سوف أفشل”، أو توقعاً مفيداً، مثل أن تقول: “أشعر بالنشاط والاستعداد للانطلاق”، وقد تعود إعادة التصنيف الإيجابية هذه بفوائد ملموسة؛ إذ يُظهر الأشخاص الذين يعيدون تصنيف القلق على “أنَّه إثارة” تأثيرات إيجابية وأداءً أفضل وشعوراً أقل بالقلق في أثناء التحدث في الأماكن العامة.

وعلى الرغم من أنَّ جهازهم العصبي الودي يُشعِرهم بالتوتر أيضاً، تكون السيتوكينات المسببة للالتهابات التي تؤدي إلى انخفاض الأداء وتجعل الناس يشعرون بالسوء أقل عموماً؛ ممَّا يجعل أداءَهم أفضل، كما أظهرت الدراسات أنَّ الطلاب الذين يأخذون دورات تقوية في الرياضيات في المدرسة، يمكنهم تحسين درجاتهم النهائية في الدورة التدريبية من خلال إعادة التصنيف بفاعلية.

كلَّما شعرت بالإساءة، اسأل نفسك بعض هذه الأسئلة: هل أنت حقاً في خطر؟ أم أنَّ هذه الإساءة المزعومة تهدد واقعك الاجتماعي؟ وهل يمكن أن يكون لهذا الشعور سبب جسدي بحت؟ قد تساعدك الإجابة على إعادة تصنيف الأعراض مثل تسارع نبضات القلب، والشعور بالألم في المعدة، وتعرُّق الجبين على أنَّها إحساسات جسدية بحتة؛ ممَّا يسمح للقلق والغضب والاكتئاب بالتلاشي تماماً.

في الواقع، لا يُعدُّ هذا النوع من إعادة التصنيف سهلاً، ولكن مع الممارسة، يكون ممكناً وصحياً أيضاً، فعندما تستطيع تصنيف العواطف والمواقف دون أخذها على محمل شخصي، يؤثر هذا في عواطفك وجسدك، وكذلك عندما تكون ناجحاً وتشعر بالفخر أو التقدير أو الامتنان، تذكَّر أنَّ كل هذه العواطف الممتعة نتيجة لواقعك الاجتماعي؛ ممَّا يعزز الجانب المُتخيَّل من شخصيتك؛ وبعبارة أخرى، احتفِ بإنجازاتك، ولكن لا تجعلها قيوداً.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!