كيف تساعدك مواساة الآخرين على تخفيف معاناتك؟

نحن عندما نشعر بالسوء، نلجأ غالباً إلى الآخرين للحصول على المساعدة والدعم، وعندما يأتي الآخرون إلينا متألمين، فإنَّنا نبذل قصارى جهدنا لمساعدتهم على الشعور بالتحسن، فعلى ما يبدو، هذا جزء من التجربة البشرية.

تقترح دراستان جديدتان أنَّ محاولة جعل الناس يشعرون بتحسن لا تدعمهم فقط؛ بل تدرِّبنا على تحسين مهاراتنا العاطفية التي قد تساعدنا على حل مشكلاتنا الخاصة، على الرغم من أنَّ المشاعر السلبية قد تدفعنا إلى العزلة والانكفاء على أنفسنا، إلا أنَّ أفضل طريقة للتعامل مع مشاعرنا قد تكون عبر التواصل مع الآخرين.

سلَّطت الدراستان الضوء أيضاً على مهارة واحدة يبدو أنَّها تفيد كلاً من الآخرين وأنفسنا، وهي تبنِّي وجهات النظر، والتي تعني أنَّ جزءاً من التعاطف يتضمن فهم وجهة نظر الشخص الآخر.

كيف تساعدك مساعدة الآخرين؟

في الدراسة الأولى، قضى 166 مشاركاً ثلاثة أسابيع في التفاعل على شبكة اجتماعية أنشأها الباحثون خصيصاً للتعبير عن الضيق والاستجابة له؛ حيث ملؤوا استطلاعات الرأي التي تقيس مختلف جوانب حياتهم العاطفية وسلامتهم قبل وبعد التجربة.

في هذه الشبكة الاجتماعية، يمكن للمشاركين النشر والتعليق على مشاركات الآخرين، كما درَّبتهم المنصة على ترك ثلاثة أنواع من التعليقات، تمثِّل أنواعاً مختلفة من تنظيم المشاعر:

  • المصادقة: والتي تؤكد ما كان يشعر به الشخص، كأن تقول: “هذا يبدو محبطاً للغاية، ففي بعض الأحيان تشعر أنَّ الضغوط تتراكم فوق بعضها”.
  • إعادة التقييم: والتي تقدِّم تفسيراً مختلفاً للحدث، كأن تقول: “أعتقد أنَّ هنالك شيئاً آخر يجب مراعاته، وهو…”.
  • الإشارة إلى أخطاء في طريقة التفكير: مثل التفكير المحدود أو الاعتقاد بأنَّه يمكنك قراءة ما يفكر به الآخرون.

يمكن لفريق التحكم نشر تجاربهم فقط وعدم رؤية تجارب الآخرين، مثل كتابة يوميات عبر الإنترنت.

في النهاية، وجد الباحثون أنَّه كلَّما زاد عدد التعليقات التي نشرها المشاركون حول مشكلات الأشخاص الآخرين – بغض النظر عن نوع التعليق – زادت سعادة المشاركين وتحسَّن مزاجهم وانخفضت أعراض الاكتئاب واجترار الأفكار لديهم على مدار التجربة، من ناحية أخرى، لم يحقق الأعضاء الأكثر نشاطاً في فريق التحكم الفوائد نفسها.

نتجت هذه التغييرات الإيجابية جزئياً عن ممارسة المشاركين لإعادة التقييم في كثير من الأحيان في حياتهم اليومية؛ إذ يبدو أنَّ استجابتهم نفسها – أي مساعدة الآخرين على تنظيم عواطفهم – تدرِّب الناس على تعزيز مهارة تنظيم العواطف بحد ذاتها، ولا يبدو أنَّه من المهم أن يساعد المشاركون بعضهم بعضاً في المصادقة أو إعادة التقييم أو الإشارة إلى الأخطاء في طريقة التفكير؛ بل كان التفاعل نفسه هو الأكثر أهمية.

كتب الباحثون: “قد تكون مساعدة الآخرين على تنظيم ردود أفعالهم العاطفية تجاه المواقف العصيبة، طريقة فعالة بشكل خاص لممارسة مهارات التنظيم وصقلها، والتي يمكن بعد ذلك تطبيقها لتحسين سلامتنا العاطفية”.

إنَّ ما يميز هذه النتائج هو أنَّ الناس قدَّموا الدعم العاطفي لغيرهم من الغريبين من خلال الدردشة النصية فقط، ودون الإفصاح عن أسمائهم، مع احتمال ضئيل أو معدوم لتطوير علاقة شخصية معهم وجهاً لوجه أو عبر الإنترنت.

شاهد بالفديو: 10 اقتباسات تواسي بهم نفسك أوقات المعاناة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/tpl3YzESFtc?rel=0&hd=0″]

ما هي فوائد مساعدة الآخرين بالنسبة إليهم؟

اقترحت دراسة ثانية أنَّ مساعدة الآخرين على تنظيم عواطفهم قد لا يكون مفيداً لك فحسب؛ بل قد يفيدهم أيضاً في تعاملهم مع مشاعرهم أكثر من القيام بذلك بمفردهم، في هذه التجربة، دخل 45 زوجاً إلى المختبر وتم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة “الهدف” و”المنظِّم”.

سيشاهد الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “الهدف” سلسلة من الصور المزعجة، مثل العناكب أو صوراً لأطفال يبكون، بينما شاهد الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “المنظم” الصور لفترة وجيزة، لتقرر إحدى المجموعتين بعدها استراتيجية لتنظيم العواطف لاستخدامها؛ إما إعادة التقييم – إعادة تفسير الصورة تفسيراً أكثر إيجابية – أو التشتيت – التفكير في شيء آخر- طبَّق الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “الهدف” تلك الاستراتيجية، ثم أبلغوا عن مدى الضيق الذي شعروا به.

في النهاية، نجحت استراتيجيات الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “المنظم” أكثر من الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “الهدف”؛ حيث شعر الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “الهدف” الذين عُرِضت عليهم الصور المزعجة بضيق أقل عند استخدام الاستراتيجيات الخاصة بالأشخاص الذين كانوا في مجموعة “المنظم” مقارنة باستراتيجياتهم الخاصة، مما يشير إلى أنَّه في خضم المشاعر السلبية، قد يعرف شركاؤنا الأفضل بالنسبة إلينا.

كتب الباحثون: “تتوافق هذه النتائج مع الدراسات الأخرى، التي تؤكد على فوائد وجهات النظر الخارجية في تقليل التوتر وتحسين تنظيم المشاعر”.

ما هي المهارة التي نحتاج إليها؟

إذاً يبدو أنَّنا جيدون في مساعدة شركائنا على التعامل مع المشاعر السلبية – وربما أفضل مما نعتقد – وقد يدرِّبنا هذا على التعامل مع ألمنا، ولكن ما هي أنواع المهارات التي تكمن وراء هذه العملية؟

تشير الدراستان إلى الإجابة نفسها؛ مهارة تبني وجهات النظر؛ وهي القدرة على وضع أنفسنا في مكان شخص آخر، في الدراسة الثانية، كلَّما ازدادت نتائج الأشخاص الذين كانوا في مجموعة “المنظم” في الاستبيان الخاص بتبنِّي وجهات النظر، كانت الاستراتيجيات التي اختاروها أكثر فاعلية؛ أي بعبارة أخرى، كانوا أفضل في التخفيف من ضائقة شركائهم.

في الدراسة الأولى، قاس الباحثون وجهة النظر من خلال قياس متغيِّر، وهو كم مرة استخدم المشاركون ضمائر المخاطَب – مثل “أنت” أو “الخاص بك” – في تعليقاتهم، فكلَّما زاد تبنِّي وجهات النظر في تعليقاتهم؛ صنَّف المتلقون التعليقات على أنَّها مفيدة أكثر، وزاد امتنانهم، كأن يقولوا: “شكراً، جعلتني هذه الرسالة أشعر بتحسن”.

بالإضافة إلى ذلك، رأى المشاركون الذين استخدموا المزيد من تبنِّي وجهات النظر مكاسب أكبر في مهاراتهم في إعادة التقييم على مدى الأسابيع الثلاثة، فعندما نتدرَّب على فهم وجهة نظر شخص ما لمساعدته على حل مشكلاته، نتعلم أن نصبح أقل تمسُّكاً بمنظورنا الخاص، مما قد يساعدنا لاحقاً، عندما يبدو انفصالنا عن شخص ما أو طردنا من وظيفتنا وكأنَّه نهاية العالم.

يشير كل هذا إلى أنَّ تجربة وضع أنفسنا في مكان الآخرين – التعاطف – أمر جيد لجميع المعنيين بالأمر، وعندما نشعر بالوحدة في معاناتنا، يمكننا اللجوء إلى الآخرين من أجلنا ومن أجلهم.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!