كيف تعرف أنك تقسو على نفسك؟

قبل أسابيع عدة، طرح أحد أعضاء دورة التطور المهني الخاصة بي سؤالاً، لم أسمع مثله خلال ست سنوات من تقديم هذا التدريب؛ حيث سألتني إحداهن: "كيف أعرف ما إذا كنت أقسو على نفسي ومتى؟".

بعد أن عملت معها على مدار 14 أسبوعاً، اكتشفت أنَّها تعاني مما أسميه “الإفراط في الأداء المثالي” (perfectionistic overfunctioning)، وهو اضطراب يجعلنا نقوم بأكثر مما هو صحي ومناسب وضروري، ونحاول أن نفعل كل شيء بإتقان متناهٍ، ونُجهد أنفسنا حتى النخاع في هذه العملية.

هذا الإفراط في الأداء المثالي هي مشكلة لاحظتها كثيراً عند مئات النساء الذكيات صاحبات الإنجازات، وتدل عليها 9 علامات واضحة، لمعرفة ما إن كنت حقاً تقسو على نفسك ولا يرتاح لك بال مهما أنجزت، وتغيِّر أهدافك باستمرار كي تشعر دائماً بأنَّك تحقق أكثر مما هو مطلوب منك، اسأل نفسك ما يلي:

  • هل أشعر أنَّني منساق كل أسبوع ومرهق ومستنزف وقلِق محاولاً مواكبة الأمور المفروضة عليَّ في حياتي وعملي؟
  • هل أشعر بالسوء أو النقص عندما أقارن نفسي بأشخاص آخرين، بمن فيهم الآباء الآخرون والمهنيون وأرباب الأعمال؟
  • هل أعامل الأمور جميعها في حياتي كما لو كانت ذات أولوية قصوى وملحة، في حين لا يوجد لدي إلا بعض الأشياء الهامة؟
  • هل تشعر بأنَّ كل ما تفعله لا يمنحك الرضا ولا يستحق الثناء أو الإعجاب؟
  • هل عوَّدت الأشخاص المحيطين بك على المنح الدائم، وتشعر أنَّه من الصعب للغاية الخروج من هذه الحلقة، وتخشى المحاولة خوفاً من رأي الآخرين بك؟
  • هل تشعر أنَّ طلب المساعدة علامة ضعف ونقص، وتفضِّل أن تكافح بمفردك وتحاول أن تفعل كل شيء بنفسك؟
  • هل تشعر بالفراغ والحزن وعدم الإنجاز أغلب الوقت؟
  • عندما تتوقف وتأخذ الوقت الكافي للتفكير الملي، هل تظن أنَّ السعادة والنجاح والسلامة تخصُّك أم تخصُّ غيرك؟
  • هل تعلم كيف يكون النجاح الباهر أو الذي لا يتطلب مجهوداً كبيراً؟

إذا أجبت بـ “نعم” عن واحد أو أكثر من هذه الأسئلة، فاعلم أنَّك تقسو على نفسك، وهذا يضر بك، في الواقع، هذا سلوك ينشأ من خوف واغل في العمق بدلاً من الاختيار الواعي، ويعوقك عن عيش حياة مهنية وشخصية ومجزية وسعيدة.

غالباً ما ينبع هذا النوع من السلوك وعدم تقبُّل الذات أو حبها من الرسائل والمخاوف التي طورناها في الطفولة من آبائنا ومعلمينا أصحاب السلطة، رسائل مفادها أنَّنا ببساطة لسنا جديرين بما فيه الكفاية أو محبوبين أو مقبولين إن لم نصل إلى مصافي الكمال في جميع الجوانب.

استرعى انتباهي كثيراً أنَّ الفرد الذي يترعرع في كنف عائلة يكون فيها أحد الأشقاء صعباً للغاية أو مضطرباً بطريقة ما، غالباً ما يبذل الشقيق الآخر قصارى جهده ليكون الابن البار لمحاولة إسعاد والديه وإيجاد المزيد من الاستقرار والنجاح ضمن الأسرة، للأسف، لا يجدي ذلك في كثير من الأحيان؛ وذلك لأنَّ هناك حقيقة أساسية واحدة من الهام أن تفهمها، وهي أنَّ طفولتك تقولبك لتصبح الشخص الذي أنت عليه الآن ما لم تكن قد نسيتها وتعافيت منها.

تستطيع الكف عن القسوة على نفسك، والسعي إلى تطوير ذاتك على المستوى الشخصي والمهني في الازدهار بمساعدة هذه الخطوات الأساسية:

1. الوصول إلى جذور الخوف:

لمراجعة سلوك نريد تغييره، من المفيد التعرف إلى عمر هذا النمط والفترة التي تعلمناه فيها، وكيف تعلمنا التصرف بهذه الطريقة، تماماً كما ننظف حديقتنا باقتلاع الأعشاب الضارة من جذورها، يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مع أفكارنا، فمن خلال الكشف عن جذور الفكر أو الخوف أو السلوك غير المرغوب فيه وتعلُّم كيف تشكَّل كآلية للتكيف في الماضي، يمكننا بعد ذلك علاجه وإظهاره بصورة أكثر فاعلية؛ وذلك لإدراكنا أنَّنا لم نَعُد الشخص اليافع الضعيف الذي يحتاج إلى سلوك التأقلم هذا للبقاء على قيد الحياة أو يتم قبوله.

2. تحديد ما يعنيه لك النجاح الحقيقي، ثم مراجعة سلوكك لتمكين هذا النوع من النجاح:

يخضع الكثير من الناس لمفهوم معيَّن للنجاح شكَّلوه دون وعي في وقت سابق من الحياة ولم يَعُد يمنحهم السعادة، في كتابي “أقوى نسخة منك” (The Most Powerful You)، والذي يستكشف أكثر 7 ثغرات في القوة تواجهها النساء العاملات، تشارك امرأة تُدعى كيندرا (Kendra) قصتها حول حقيقة إدمانها على العمل نتيجة صدمة تعرضت لها في طفولتها، وكيف دخلت ضمن هذه الحلقة المفرغة التي دمرت صحتها وسلامتها، تقول: “كانت لدي عقلية مدمني العمل في كل موقف، وكانت تدخلني في الدوامة ذاتها:

  • يجب أن أعمل 40 – 50 – 60 ساعة وأكثر لإثبات قيمتي والحصول على ترقية، اعتقدتُ أنَّ الشخص إن عمل أقل من 40 ساعة في الأسبوع، فهو مجرد شخص متوسط الأداء، أو هو برأي الناس لا يؤدي عمله المطلوب.
  • يجب أن أحصل على ترقية، وأحصل على زيادة كبيرة على الراتب.
  • يجب أن أحترق وظيفياً.
  • أحصل على المكافآت من مديري، ولكنَّني كنت أشعر بالفراغ في روحي.
  • كنت أشعر بالسوء لأنَّني أتجاهل زوجي، وأكتسب وزناً، ولا أفعل أيَّ شيء آخر سوى العمل؛ ونتيجة لذلك لا أهتم إلا بشيء واحد وهو عملي.
  • أعتقد أنَّه لا الشركة ولا المنتج ولا الأعمال التجارية هذه مناسبون لي؛ لذا لا بد لي من العثور على شركة أو مجال عمل مختلف يمكن أن “أفتخر به” أو “يعطيني إحساساً بالهدف”.
  • أغيِّر وظيفتي على الدوام.
  • أكرِّر ذلك كل 18 شهر – 5 سنوات.

بعد تجربة الانهيار التي أدت إلى رؤية الحقيقة، غيرت عميلتي طريقة تفكيرها وحياتها، لقد عملت بجهد على التخلي عن هذا التمسك الشديد بنوع من النجاح كاد أن يدمِّر سعادتها، تقول: أدركت حينها أنَّني بحاجة إلى التفكير أكثر في الاحتمالات والتخلي عن تفكيري السلبي والبدء بتبنِّي عقلية متفائلة، لقد كان تحدياً، ولكنَّ مجرد تغيير هذه العقلية قد وسَّع آفاق تفكيري حقاً، وأصبحتُ شخصاً أكثر تقبُّلاً لمن أنا وتغيير أولوياتي، لم أعد أريد أن أترك الحياة تجرني معها كما تشاء؛ بل أريد أن أدير أنا دفة سفينتي.

هذا التحول في تفكيري هو الذي يساعدني على معرفة ما إن كنت على غير توافق مع حياتي المهنية الحالية وأعيش بفضله على طبيعتي، وأنا أدرك أنَّني رغبت في الحصول على سيارة فارهة ومنزل كبير، لكنَّني في صميمي لست شخصاً مادياً؛ حيث إنَّ عقلية الندرة هي التي تدفعني إلى التفوق مالياً في مسيرتي المهنية، وعندما كان يتفاخر زملائي في العمل بإقامتهم في فندق خمس نجوم ووجبات غداء مكلفة، كنت أشعر بالاستياء وأتمنى أن أتمكَّن من التنزه والتخييم في الغابة مع عائلتي، وتناول الشواء على نار المخيم، في الحقيقة إنَّ مسيرتي المهنية الحالية تبقيني برفقة هؤلاء الأشخاص والقيم، وتسبب لي انزعاجاً كبيراً”.

3. تقوية نفسك:

لبناء حياة ووظيفة سعيدة ومجزية، نحتاج إلى حدود واضحة وشعور آمن بالذات؛ حيث يجب أن نتعلَّم كيف نقول: “نعم” لما نريد، و “لا” لما لم يَعُد مقبولاً أو محتمَلاً، ونحتاج إلى فصل أنفسنا عن الأشخاص والرسائل التي تسحق أحلامنا الحقيقية وتستنزف طاقتنا ووقتنا، والتي تخبرنا أنَّنا لا نستحق الحياة والمهن المثيرة التي نتوق إليها.

في النهاية، نحن نحتاج إلى تحديد أكثر ما يهمنا، ثم الوصول إلى الشجاعة والقوة للدفاع عن تلك الأولويات التي تقوم عليها حياتنا.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!