كيف تغير شخصيتك للأفضل؟

التقيتُ مؤخراً بصديق قديم هو الدكتور "بنيامين هاردي" (Benjamin Hardy)، عالم علم النفس التنظيمي ومؤلف كتاب "الشخصية ليست ثابتة" (Personality Isn’t Permanent)، "هاردي" (Hardy) شاب في الثلاثين من عمره وأب لخمسة أطفال، وهو عالم بارع للغاية ومتحدث وطبيب نفس تنظيمي ومؤلف، لكنَّه على الرغم من ذلك يمتلك مهارات حوار سيئة.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن “شيريل سناب كونر” (Cheryl Snapp Conner)، المديرة التنفيذية لوكالة العلاقات العامة “سناب كونر” (Snapp Conner).

خلال السنوات الخمس التي عرفتُه فيها، أجرينا مناقشات رائعة حول عدد من الموضوعات مثل العادات والانضباط الذاتي والتواصل والشخصية، ويختلف “هاردي” (Hardy) عن الخبيرين التقليديين؛ حيث يؤكد أنَّ شخصياتنا ليست ثابتةً، ويوضح من خلال البحث أنَّ أنماط حياتنا وخياراتنا ومواقفنا وسماتنا الشخصية قابلة للتحول تحولاً مدهشاً، وفي كل مرحلة من مراحل حياتنا، تحدد القرارات التي نتخذها والتي نمتنع عن اتخاذها والتجارب الهامة التي نخوضها والعادات التي نتبعها أشكال شخصياتنا.

لا تصدِّق اختبارات تحليل الشخصية:

يشير “هاردي” (Hardy) إلى دراسة نُشِرَت مؤخراً أُجرِيَت على 1208 أطفال في سن الرابعة عشر في اسكتلندا، وصنَّف المعلمون هؤلاء الطلاب في الخمسينيات من القرن الماضي تحت ست خصائص: الثقة بالنفس، والمثابرة، واستقرار الحالة المزاجية، والضمير، والصدق، والرغبة في التعلم.

بعد ثلاثة وستين عاماً، أعاد الباحثون إجراء الاختبار على 674 من المشاركين الأصليين؛ حيث صنف كل شخص – وهو الآن في السبعينيات من عمره – نفسه على أساس السمات الست ورشَّح قريباً أو صديقاً مقرباً لتقييمها أيضاً، فأظهرَت النتائج وجود تداخل بسيط جداً فقط. 

وفقاً للدكتور “دانيال غيلبرت” (Daniel Gilbert)، عالم النفس في جامعة “هارفارد” (Harvard)، تتغير ملامح شخصياتنا حتى خلال فترة عشر سنوات، ففي بحثه الخاص، سأل “غيلبرت” (Gilbert) الناس عن تغيُّر اهتماماتهم وأهدافهم وقِيَمهم خلال العقد الماضي، فأجابوا أنَّ التغييرات شاسعة، ثمَّ سأل عن توقُّعهم لتغيير اهتماماتهم وأهدافهم وقِيَمهم خلال السنوات العشر القادمة، فتوقَّع معظمهم تغييراً طفيفاً.

لاحظ “غيلبرت” (Gilbert) أنَّ “البشر مجبولون على العمل باستمرار ولديهم اعتقاد خاطئ أنَّهم يصلون إلى مرحلة معيَّنة يتوقفون فيها عن التغيير”، وهنا تكمن المشكلة، كما يوافقه “هاردي” (Hardy) في ذلك أيضاً.

كيف يعوقك افتراض ثبات شخصيتك؟

1. الميل إلى إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين بناءً على ماضيهم:

عندما نلتقي بشخص نفكر في تعيينه في شركتنا أو أن ندخل معه شراكةً مثلاً، نسأل عادةً أسئلةً حول تجربته السابقة بينما ننظر إلى سجله الحافل، ونسأل عنه آخرين عملوا معه من قبل، وكما يقول “شكسبير”: “الماضي مُقدِّمة”؛ لذا بناءً عليه، نفترض أنَّ سلوكه السابق يشير إلى أنَّ مَواطن ضعفه السابقة لا بُدَّ أن تعود إلى عرقلته.

لا شكَّ أنَّ أفعاله السابقة معطيات يمكن الاستناد إليها، ومن المحتمل أن تكون هامةً للغاية، لكن لنفترض أنَّ علينا اختبار شخصٍ ما وتقييمه استناداً إلى المواقف الحالية أو القرارات الافتراضية التي سيتخذها في المستقبل؟ إذا سألتَ عن تجربةٍ سابقة مثلاً، فاسأله عما فعله ولماذا في واحدة من أصعب المواقف، وماذا سيفعل الآن إذا أُتيحَت له الفرصة للقيام بذلك مرة أخرى، فأصغِ لتفهم مواقفه، وسبب تعنُّته، وعملية التفكير أو الشعور التي توجِّه قراراته اليوم، وإذا أجريتَ التقييم، فاختبِر النضج العاطفي و”الذكاء العاطفي” لتحديد مرونة الشخص واستعداده للتعلم والتطور أو ما إذا كان من المحتمل أن يكون غارقاً في العادات السابقة ولا يهتم إلا لنفسه.

2. افتراض أنَّه من غير المحتمل أن تتغير:

منذ سنواتٍ عدَّة، أخبر المستشارون شريكي السابق في العمل أنَّ العمل معه كان صعباً للغاية وكان موظفو الشركة يرهبون جانبه، لكنَّه لم يهتم، وقال: “أنا في الأربعينيات من عمري، لذلك من غير المرجح أن أتغير”، فلا أعرف الوضع الحالي لأنَّ هذا كان قبل حوالي 25 عاماً، ولكن بعد سنوات من مغادرتي، استمرَّت الشركة التي قادها – على الرغم من تحقيقها بعض النجاحات – في التركيز على العلاقات التكافلية.

بصفتي مراقباً خارجياً لم يَعُد يتأثر بالضغوط، فقد أحسَّ جزء مني بالسعادة؛ حيث ثبت أنَّ النجاح لا يفرض على الشركات اتباع نموذج واحد أو صيغة محددة ليكون حليفها، ولكن مع الرغبة في التحسين أو المرونة تجاه التغييرات الإيجابية، ما الفرص المتاحة إذاً؟

عندما نفترض أنَّنا لسنا قادرين على التغيير أو لا نتجرأ عليه، فإنَّنا نضمن إلى حد ما أنَّ منع الأحداث الصادمة مثل تدهور الصحة أو تفكُّك الزواج لن يغيِّرنا، وللأسف، يعني هذا أيضاً أنَّ الإدمان والعادات السيئة التي تسيطر علينا تظلُّ كما هي إلى حد بعيد.

شاهد بالفديو: قرارات هامة لتغيير حياتك نحو الأفضل

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/I1ifEdZ6gNQ?rel=0&hd=0″]

اختبار تحليل الشخصية: تحليل دقيق لشخصيتك من خلال صورة واحدة فقط

يمكنك تغيير أيَّة عادة أو إدمان في لمح البصر:

يستفيض “هاردي” (Hardy) في الحديث عن مبدأ الإدمان؛ حيث إنَّ هذا عنصر بالغ الأهمية ضمن المادة التي يدرِّسها، ولقد تعلمتُ أيضاً هذا المبدأ من الإصغاء إلى رجل الأعمال “توني روبينز” (Tony Robbins)؛ حيث يؤكد ضرورة وجود ثلاثة شروط لإنهاء الإدمان المستعصي بنجاح:

1. الرغبة الشديدة في إنهاء الإدمان:

وهذا يعني أن تكون لدى الشخص نية التخلص من حالة الإدمان التي يعيشها.

2. تجربة مؤلمة أو هامة تشير إلى وجوب التغيير:

العادات تتغير، كمثَل المدخن الذي يقرر ترك السجائر كيلا يُحرم من رؤية طفلته الصغيرة وقد أصبحَت عروساً جميلة، أو الناجي من نوبة قلبية الذي يقرر الالتزام بنظام غذائي صحي وممارسة الرياضة.

3. القدرة على استبدال عادة أقل بغضاً بالعادة التي تحاول التخلص منها:

لقد اختُبِرَت هذه النظرية وأُثبِتَت صحتها، ولأكثر من عقدين من الزمن كنتُ أعاني من إدمان المشروبات الغازية معاناة كبيرة لدرجة أنَّه كان موضوعاً للمزاح المستمر بين أصدقائي، وفي أقصى حالات هذه العادة، لم أتمكن من العمل دون شرب ما لا يقل عن ست زجاجات في اليوم، ولقد بذلتُ جهوداً جبارة للإقلاع عنها، وحتى أنَّني تمكَّنتُ من العيش دون شربها لمدة ستة أشهر كاملة مرة واحدة حتى دفعَتني الضغوط الصعبة إلى العودة إليها.

في فترة لاحقة من حياتي، أدركتُ عدد المرات التي أُصِبتُ فيها بالمرض جرَّاء السفر بالطائرة وقلة النوم والاحتكاك بالأشخاص المصابين بنزلات البرد، لذلك تناولتُ مكملاً عشبياً مقوياً للمناعة، وحذرني الصديق الذي أعطاني المكمل الغذائي من آثاره الجانبية كحصول طفح جلدي لدى الأشخاص الأكبر سناً بقليل أو الذين يتَّبعون نظاماً غذائياً سيئاً، وبما أنَّني لم أكن منهم، فقد اعتقدتُ أنَّني سأكون بخير.

بعد أسبوع، استيقظتُ والطفح الجلدي قد انتشر على جسدي كاملاً، لقد شعرتُ بحكةٍ مروِّعة في جسمي كاملاً وفروة رأسي، فعرفتُ على الفور أنَّ ذلك كان نتيجةَ الكمِّ الهائل من السموم الكيميائية في المشروبات الغازية، طالما أنَّني أتَّبع نظاماً غذائياً ممتازاً، وهكذا كان الطفح الجلدي هو ناقوس الخطر الذي جعلني أعزف عن فعل أيِّ شيء يضر بصحتي وجسدي مرة أخرى.

من ستكون في المستقبل؟ اتخِذ قرارك اليوم:

يشير “هاردي” (Hardy) إلى أنَّ كل واحد منا لديه القدرة على تغيير المعتقدات والسمات الراسخة بالجهود المستمرة، وكما يرغب، على سبيل المثال: يتحدث في كتابه عن فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً حُفِرَت لديها كلمات أستاذها الذي أكد لطلابه أنَّهم يستطيعون فعل أيِّ شيء وأن يكونوا مَن يريدون إذا كانت لديهم رغبة عميقة في النمو والتغيير.

أخذَت كلماته على محمل الجد عندما فكَّرَت في خجلها وتحفُّظها للتحدث إلى أيِّ شخص جديد أو التعرُّف إليه، ومنذ ذلك الوقت شرعَت بتغيير الطبع، فأصبحَت تتحدث إلى الآخرين وتجبر نفسها على أن تكون حاضرةً بقوة في شخصيتها وصوتها منذ تلك اللحظة فصاعداً، وبحلول الوقت الذي تخرَّجَت فيه في المدرسة الثانوية، كانت لديها شخصية مختلفة تماماً نتيجةَ رغبتها الخاصة وتصميمها.

يقول “هاردي” (Hardy) إنَّ زوجته كادت أن تهجره نتيجةَ شخصيته السابقة، فبعد أن افترق والداه، قضى الكثير من طفولته وشبابه هائماً على وجهه، ولم تكن لديه أهداف أو طموحات وكان يتغيب كثيراً عن المدرسة الثانوية؛ مما جعل شهادته على المحك، لكنَّه خاض تجربةً روحية لمدة عامين قلبَت موازينه ووضعَته على مسار من الانضباط والعزيمة الذي أثَّر في مساره وإنجازاته منذ ذلك الحين.

بالنسبة إليَّ، ساهمَت تجربةٌ سيئة حول اختبار الشخصية في قراري بترك الشركة الأولى التي شاركتُ في تأسيسها، وكان ذلك في منتصف الثمانينيات في بداية انتشار اختبار مايرز بريغز (Myers-Briggs) للأنماط؛ حيث اقترح مدير العمليات عليَّ – وعلى المؤسس الآخر الشخص صاحب الشخصية الصارمة – إجراء الاختبار.

وهنا كانت الصدمة، لقد تبيَّن أنَّ شخصيتينا متناقضتان، قال بينما كان يستطلع نتائجي: “لا، هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً، أنت لستَ شخصاً حالماً وصاحب خيال خصب، أعِد الاختبار مرةً أخرى، وفي واقع الأمر، سأحرص على عدم دخول أيِّ شخص لديه هذا النمط في شركتنا على الإطلاق”.

كنتُ مذهولةً، فقد أثبتَ الاختبار صحته 100%، لكن بدا واضحاً أنَّ هذه القدرات لن تنال إعجاب أحد في هذه الشركة، وربما لا يُسمَح بها حتى، فحاولتُ المضي قدماً، ولكن في غضون عامين لم يَعُد في مقدوري احتمال الاحتراق الوظيفي، واتخذتُ الخيار الصعب لمغادرة الشركة.

لقد كنتُ شريكةً مؤسسةً، وقد أسستُ حتى الآن ثلاث شركات، أبتكر البرامج بانتظام وأجد نقاط قوَّتي في ابتكار حلول جديدة، حتى في بعض الأحيان في أثناء السفر ومهما كانت حالة الطقس سيئةً، صحيح أنَّني لا زلتُ أعمل لساعات طوال، ولكنَّني أعُدُّ نفسي صاحبة إنجازات كثيرة لأنَّ لدي الحرية في التطور كما يحلو لي، فلقد سببَت لي مغادرة شركتي الحزن الشديد، لكنَّ الأمور تغيَّرَت إلى الأفضل؛ حيث اكتسبتُ أنا ومن حولي المجال لتطوير جوانب قوة جديدة.

يؤكد “هاردي” (Hardy) مخاطر إجراء اختبارات الشخصية على محمل الجد، وفي تقييم ميولنا، يُنصَح بإعطاء المزيد من المصداقية لبرامج مثل “إنيغرام” (Enneagram) التي تحدد الميول ضمن مجموعة من الخصائص بدلاً من الاعتماد على الألوان أو الأحرف وفقاً لاختبار “مايرز بريغز” (Myers-Briggs)، ويفضِّل ألا نخضع لأيِّ اختبار أصلاً. 

خضعتُ مؤخراً لاختبار “مايرز بريغز” (Myers-Briggs)، وكنتُ فضوليةً، واعتقدتُ أنَّني تقدَّمتُ تقدُّماً ملحوظاً على مدار 25 عاماً منذ الاختبار المصيري، فكان تقييمي انطوائياً، وكان الاختلاف الوحيد الملموس في درجتي المسجلة منذ 25 عاماً هو أنَّ الميول الانطوائية التي كنتُ أعُدُّها أقل انتشاراً أصبحَت أكثر انتشاراً.

من خلال العديد من المقاييس، أصبحتُ الآن قائدة أعمال، بغضِّ النظر عن النتيجة، يمكنني أن أؤكد آنذاك والآن، أنَّني لا زلتُ شخصاً حالماً يعيش في الخيال، وبعد كل هذه السنوات، أعطاني السيناريو الذي أرعبني بشدة نتيجةً مختلفة: إذا لم أتقدم، كنتُ سأخسر الكثير، والآن عندما أذكر تلك التجربة المصيرية، يتحول شعوري من الخوف إلى الامتنان.

في النهاية، عسى أن تجد العمل الذي يناسب شخصيتك في المستقبل وتوفق في عملك وتحافظ على نجاحك، وستتغير شخصيتك وخياراتك؛ لذا لا تحاول منع هذا التغيير.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!