ما أهمية ممارسة التعاطف مع الذات للتغلب على اجترار الأفكار؟

تقول إحدى مريضاتي: "لا يمكنني فعل ذلك بصورة صحيحة، أعلم أنَّني سأفشل، ولا يمكنني أبداً فعل شيء كما يجب". هذا المقال مأخوذ عن المعالِجة النفسية "ليندا غراهام" (Linda Graham) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في مساعدة إحدى مريضاتها على التغلب على اجترار الأفكار عبر ممارسة العطف الذاتي.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المعالِجة النفسية “ليندا غراهام” (Linda Graham) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في مساعدة إحدى مريضاتها على التغلب على اجترار الأفكار عبر ممارسة العطف الذاتي.

لكنَّ اجترار الأفكار ليس حلاً لقلقنا؛ إذ يُسبب دخولنا في حالة من الفوضى لا نستطيع الخروج منها، وقد يصل بنا الأمر إلى الاكتئاب، فتبدو الأحداث أسوأ مما هي عليه وتصبح مشاعرنا تجاه أنفسنا سلبية؛ والحل الفعال حقاً هو التركيز على تنمية العطف الذاتي؛ ويعني ذلك أن نكون مدركين بيقظة للألم الذي نشعر به خلال لحظات الفشل، ومعرفة أنَّ العيوب جزء من الطبيعة البشرية، ثم إثارة مشاعر اللطف والاهتمام تجاه أنفسنا في تلك اللحظات.

بدأتُ بعلاج مريضتي تلك ضمن ورشة عمل مدتها خمسة أيام للعطف الذاتي، وطلبت منها دعم ممارستها اليومية بالكتابة، فساعدَتْها كتابة خواطرها خلال جلساتنا أو كتابة فقرة لنفسها تمارس فيها العطف الذاتي أو تدوين ملاحظات عن الأمور التي وجدتها فعالة على تغيير مزاجها.

تشير دراسة جديدة إلى أنَّنا كنا نستخدم مبدأً صحيحاً؛ حيث وجدتْ عالِمة النفس “ناتاشا أودو” (Natasha Odou) وعالِم النفس “جاي برينكر” (Jay Brinker) من “الجامعة الوطنية الأسترالية” (Australian National University) أنَّ الكتابة عن تجربة سلبية من منطلق التعاطف مع الذات يُحسِّن المزاج تحسُّناً ملحوظاً عبر السماح لك بمعالجة المشاعر السلبية عوضاً عن تجنُّبها، وفي المقابل، لاحظ العالِمان أنَّ المشاركين في الدراسة نفسها الذين كتبوا عن تجربة سلبية كتابة انفعالية قد تراجع مزاجهم وبدت عليهم أعراض الاكتئاب، فبينما يُنصح أحياناً بالتعبير عن المشاعر كاستجابة صحية للأحداث السلبية، إِلاَّ أنَّ فعل ذلك أدى في هذه الحالة إلى تفاقم الميول الاجترارية.

تدعم هذه النتائج الإدراك المتزايد بأنَّ ممارسات العطف الذاتي تُولِّد نتائج إيجابية، من تحسُّن العافية وزيادة الرضا عن الحياة والمبادرة الشخصية والترابط الاجتماعي، وتحمينا من الآثار السلبية لاجترار الأفكار والنقد الذاتي والشعور بالعار والقلق والاكتئاب؛ يعزو برينكر وأودو هذه الآثار الإيجابية للعطف الذاتي على الحالة المزاجية جزئياً إلى حقيقة أنَّ العطف الذاتي هو أداة للتعامل مع المشاعر عوضاً عن تجنُّبها، مما يسمح للمشاركين بالحفاظ على وعيهم بها واستكشافها وفهمها؛ من ناحية أخرى، اجترار الأفكار هو نوع من التجنُّب العاطفي الذي يمنعنا من معالجة مشاعرنا بفاعلية.

وجد العالمان أيضاً أنَّ ممارسة التعاطف مع الذات لمدة 10 دقائق كانت كافية لتحسين الحالة المزاجية تحسُّناً ملحوظاً؛ مما يعني أنَّه يمكن للأشخاص الذين يخضعون للعلاج أو بمفردهم استخدام هذا التمرين لتحسين مزاجهم بعد وقت قصير من وقوع حدث مُحزن، مع الحفاظ على وعيهم بتجربتهم وانفتاحهم عليها في اللحظة الراهنة، يمكنهم أيضاً تجنُّب الوقوع في دوامة اجترار اكتئابية تُسبِّب ازدياد سلبية مشاعرهم؛ أي يمكنهم أن يعترفوا بأنَّهم ارتكبوا خطأً ولكن ليس عليهم أن يشعروا بالاستياء حيال هذه التجربة الإنسانية المشتركة.

لم تكن الدراسة تلك هي الوحيدة التي توصَّلت إلى هذا الاستنتاج؛ إذ وجدت دراسة مماثلة أَجرتْها البروفيسورتان “ليا شابيرا” (Leah Shapira) و”ميريام مونغراين” (Myriam Mongrain) عام 2010 أنَّ كتابة رسائل التعاطف مع الذات مرة واحدة يومياً لمدة سبعة أيام أدى إلى ارتفاع مستوى السعادة وتخفيف أعراض الاكتئاب في الأشهر الثلاثة إلى الستة التالية؛ لكن أقر أودو وبرينكر بضرورة إجراء المزيد من الأبحاث حول تأثير ممارسة العطف الذاتي في حالة الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الاكتئاب؛ وذلك لأنَّه ينطوي على عوامل تتجاوز الحالة المزاجية السلبية والتي يجب أخذها بالحسبان.

النتائج التي توصَّلوا إليها هامة؛ وذلك لأنَّ ممارسة العطف الذاتي واجترار الأفكار هما جزءان من الوضع الافتراضي لمعالجة الأحداث في الدماغ؛ حيث يكون الذهن حراً ليفكر كيفما يشاء ويشكِّل اتصالات وروابط جديدة من تلقاء نفسه؛ تقترح هذه الدراسة أنَّ تمرين الكتابة المقرونة بالعطف الذاتي تسمح للمشاركين بالبقاء منفتحين على التجربة وتقبُّلها حين يكون الدماغ في هذا النمط من المعالجة، بينما تؤدي الكتابة بانفعالية تخلو من العطف إلى التفكير الاجتراري الذي يزيد الوضع سوءاً.

شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات للتغلب على الانشغال بالتفكير الزائد

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/ybGpUB8N7Go?rel=0&hd=0″]

تبدأ مريضتي جلسات العلاج غالباً بحديث يعتريه خيبة الأمل والإحباط، ولكن حين حددنا لحظات من حياتها تسير على ما يرام، مثل فرحة بلحظة تواصل حقيقية وصادقة مع والدتها المريضة، وإحدى المرات حين لاحظت نفسها على وشك السقوط في دوامة الاجترار السلبية، فوضعت يدها على صدرها وقالت لنفسها: “أدعو الله أن أكون بأمان، وأن أكون لطيفة مع نفسي، وأن أنعم براحة البال”، عبَّرت بأسلوب ماهر عن اكتراث واهتمام حقيقيَين تجاه نفسها وتمكَّنت من التكيف فشعرت بتحسن.

في أحد الأيام بعد ثلاثة أشهر من بذل الجهد الواعي والصادق، دخلت مريضتي إلى جلستها سعيدة؛ وذلك لأنَّها تمكَّنت لخمسة أيام متتالية من النجاح في وضع حد للاجترار عبر التركيز بثبات على العطف الذاتي، سواء عبر الكتابة أم التحدث مع نفسها أم التحدث مع صديق؛ قالت لي خلال تلك الجلسة: “أستطيع فعلها، أفعل ذلك بنجاح، أشعر بالثقة والسعادة والفخر”.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!