نادية سعد الدين

عمان – أكد مسؤول فلسطيني لـ”الغد” بأن مخطط الضم الإسرائيلي لزهاء 30 % من مساحة الضفة الغربية المحتلة “ما يزال قائما ولم يلغ، وإنما جرى تعليقه مؤقتا فقط بفعل الضغوط الدولية والعربية وصمود الشعب والقيادة الفلسطينية المضاد له”، في وقت كشفت فيه معطيات منظمة التحرير الفلسطينية عن مسعى سلطات الاحتلال لربط المجال الحيوي لمدينة القدس المحتلة بخطة الضم.
ويقضي المسعى الإسرائيلي بتغطية نطاق عملية الضم للمجال الحيويّ لمدينة القدس، بدءا بمستوطنة “معاليه أدوميم” الإسرائيلية الكبرى، حتى منطقة الأغوار الوسطى الفلسطينية، بما يسفر عن ذلك مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي المحيطة بالقدس وهدم منشآتها السكنية والتجارية وتشريد مواطنيها الفلسطينيين.
ويسعى الاحتلال إلى “توظيف ما يسمى “قانون “أملاك الغائبين” مجددا في القدس المحتلة للسّطو على ممتلكات الفلسطينيين فيها لصالح الاستيطان”، طبقا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويمثل مخطط ضم جزء كبير من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، بمباركة أميركية، إشارة واضحة إلى أن الاحتلال لا ينوي التخلي عنها حتى لو كان ذلك على حساب عملية السلام، بعيداً عن تصريحات التأجيل أو الإلغاء التي تصدر حاليا والتي لا تعكس ما يجري فعلياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبالرغم من بروز تحفظات من داخل عقر المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تدفع باتجاه تأجيل الضم وليس استبعاده أو إلغاء نفاذه، فإن مبدأ قضم الأراضي الفلسطينية مستقر في المنظور الصهيوني، بمختلف توجهاته اليسارية واليمينية والدينية، مع الاختلاف الصوري وليس الجوهري حول الآلية والتوقيت فقط.
ويمنع هذا المخطط الإسرائيلي أية إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، مقابل إيجاد حكم ذاتي معني بالشؤون الحياتية للسكان فقط، ولكنها منزوعة السلاح وغير مسؤولة عن الأمن الموكول للاحتلال، بينما تقع عاصمتها في ضواحي القدس، حيث ستبقى المدينة موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
من جانبه؛ قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني، اللواء الدكتور خالد مسمار، في حديثه لـ”الغد”، إن “مخطط الضم الإسرائيلي ما يزال قائما على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية ولم يلغَ، حيث تتجسد تجلياته وتبعاته الاستيطانية والتهويدية فعليا على الأرض الفلسطينية المحتلة”.
وأضاف اللواء مسمار أن “مخطط الضم تم تعليقه مؤقتا من قِبل سلطات الاحتلال، ليس بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقط، بل أيضاً بفعل الضغوط الدولية والعربية تجاه إلغاء الضم، وبفعل صمود الشعب الفلسطيني وثبات موقف القيادة الفلسطينية الرافض له مطلقا”.
ونوه إلى أن “مخطط الضم الإسرائيلي جُوبّه برفض دولي وعربي جمعي، تجسد في مواقف حوالي 190 دولة مناهضة له، نظير مخاطره الجسيمة على القضية الفلسطينية، لجهة تقويض “حل الدولتين” وتدمير عملية السلام برمتها، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة”. وأكد مسمار إن “الأساس هنا يكمن في استمرار الاحتلال الذي لا بد من إنهائه، بينما يعد مخطط الضم مسألة فرعية ناجمة عنه، بالرغم من تحدياته القاتمة، فالاحتلال ما يزال قائما سواء بعملية ضم الضفة الغربية أم لا، ما يستدعي إنهاء الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية”.
مخطط قضم الأراضي المحتلة
تتيح الخطة لسلطات الاحتلال ضم نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن وشمال البحر الميت، فضلا عن فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، بما يعني ضّم أكثر من 42 % من مساحة أراضي الضفة، والتي تحوي زهاء 600 ألف مستوطن، والكتل الاستيطانية الكبرى، مثل مستوطنة “معاليه ادوميم”، التي تشكل عصب المشروع الاستيطاني في القدس المحتلة.
ويسمح هذا المخطط لسلطات الاحتلال بضم 68 % من مساحة المنطقة المسمّاة “ج” في الضفة الغربية، وفق تصنيف اتفاق “أوسلو” المبرم العام 1993، والتي تعد الأكثر غنى بالموارد الطبيعية والاقتصادية والاستثمارية، بما تضمة من 87 % من موارد الضفة الطبيعية و90 % من غاباتها و49 % من طرقها، بينما يُتاح للفلسطينيين استخدام أقل من 1 % منها بحجة أن أراضيها “مناطق عسكرية” أو “مناطق خضراء” أو “أراضي دولة” أو “أراضي مستوطنات”.
ويقع 90 % من غور الأردن ضمن تلك المناطق، المستهدفة بفرض السيادة الإسرائيلية عليها، حيث تضم أقل من 150 ألف فلسطيني مقابل 310 آلاف مستوطن ضمن 124 مستوطنة و100 موقع استيطاني، بينما ترداد الصورة قتامة عند اقتطاع الاحتلال لنحو 23 % من الضفة الغربية كمناطق عسكرية مقفلة أو محميات طبيعية، 44 % منها داخل منطقة “ج” غير مسموح بالبناء فيها للفلسطينيين، فيما يترك نتنياهو من مساحة “تهديده” نحو 20 % فقط من الضفة الغربية، وأقل من 13 % من القدس المحتلة، بيد الفلسطينيين، والتي تمتد ضمن ثمانية “كانتونات” غير متصلة جغرافيا، بما يبدد حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة المنشودة.
من جانبها، أفادت منظمة التحرير الفلسطينية أن “مخطط التوسع الاستيطاني وضم مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية للسيادة الاسرائيلية لم يرفع عن جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية”.
ونوهت إلى أن “أوساط اسرائيلية متعددة ومحيطة بنتنياهو تدعو لتبني خطة لتنمية استيطانية مكثفة لغور الأردن، بتحويل مستوطنة “معاليه أفرايم” الإسرائيلية إلى مدينة، وإقامة مستوطنات جديدة في غور الأردن باستثمار حكومي عظيم، وتنمية فروع الزراعة والسياحة والتكنولوجيا العليا في الغور”.
وتوقفت عند “تواصل معاناة المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة ومحيطها وبلداتها من ممارسات المستوطنين وجيش وبلدية الاحتلال بهدف الضغط عليهم ودفعهم الى الهجرة خارج المنطقة”.
ونوهت إلى أن “سلطات الاحتلال الاسرائيلي في القدس المحتلة صعدت في الآونة الأخيرة من عمليات الهدم بالقدس، وأجبرت عشرات المقدسيين على هدم منازلهم ذاتياً، بحجة البناء دون ترخيص، في الوقت الذي تفرض فيه شروطًا تعجيزية ومبالغ طائلة إزاء الحصول على إجراءات الترخيص، والتي تمتد لسنوات طويلة”.
وبحسب مركز معلومات وادي حلوة الفلسطيني، فإن قوات الاحتلال هدمت خلال تموز (يوليو) الماضي 20 منشأة في القدس المحتلة، بينها 4 منشآت هدمت بأيدي أصحابها، في حين هدمت خلال النصف الأول من العام الجاري 61 منشأة ، منها 38 منشأة هدمت ذاتيا.
وفي القدس كذلك قررت ما تسمى إدارة حائط البراق إعادة افتتاح مواقع الأنفاق المتواجدة تحت حائط البراق (الجدار الغربي للمسجد الأقصى) لاقتحامات المستوطنين لأول مرة منذ خمسة أشهر من إغلاقها بعد انتشار فيروس “كورونا”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تحدث قبل أيام قليلة فقط عن هذا الأمر، حينما أكد أن سلطات الاحتلال لم تتنازل عن مخططها بضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة، الذي سيتم تنفيذه بدعم أميركي، مؤكدا أن تنفيذ الخطة ما يزال حاضرا وبقوة على أجندة حكومته وأجندة إدارة الرئيس ترامب. فيما قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، إن “مخطط الضم سيتم تنفيذه بالكامل لكن تدريجيّا.
وكان المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، أفاد في تصريح سابق إنه يعتقد أن المخطط الإسرائيلي لضم مناطق في الضفة الغربية “ما يزال قائما ولم يتم القفز عليه، بل تم تعليقه”، فقط.