كيف تتقبل مشكلاتك؟

تلقيت المكالمة التي لطالما خشيتها لسنوات، فعلى الطرف الآخر من الهاتف؛ تحدثت زوجة أبي بحزن شديد. حتى قبل أن ألتقط الهاتف، كنت أعلم بأنَّ والدي قد توفي، لم نكن أنا وهو مقربين من بعضنا كثيراً، وكنَّا نعيش بعيدين عن بعضنا. هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "مايكل بيترزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته في تقبل مشكلاته.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن “مايكل بيترزاك” (Michael Pietrzak)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته في تقبل مشكلاته.

لقد كانت صحته تتدهور لسنوات عدة، لذلك كان هذا الخبر متوقعاً، بصرف النظر عن عدد المسوِّغات التي تقدمها عن علاقتك بوالديك، إلا أنَّ فقدان أحدهما دائماً ما يترك فيك جرحاً عميقاً، لقد كنت حزيناً بطريقتي الخاصة، ولكنَّ الشعور الذي رافقني؛ والذي كان أكثر إلحاحاً من الحزن، هو شعور غير متوقع: ألا وهو السلام؛ أعلم أنَّه شعور جيد؛ لأنَّ الحياة تتجلى دائماً بالطريقة التي ينبغي أن تكون عليها، يبدو غالباً أنَّ أعمال التنمية الشخصية العميقة والصعبة التي قمت بها في العقود القليلة الماضية؛ آتت ثمارها قليلاً تجاه تقبل النكسات والعقبات، لذا قد نتمكن جميعاً من تقبل وتخطي مشكلاتنا يوماً ما باستخدام الأفعال التالية:

1. امتن:

لقد عاش والدي لمدة 72 عاماً، ومن المحتمل أنَّه أصبح الآن في مكان أفضل، لقد عبَّرت له صراحةً عن كل مشاعري؛ عندما كان على قيد الحياة، وأعلم أنَّني أديت كل ما يُمكن أن يُؤدَّى في العلاقة بين الأب وابنه، عندما تُوفِّيَت والدتي قبل ست سنوات، لم أفكر ملياً بشأن هذه الخسارة، ما تغير الآن هو أنَّني أدركت -بقليل من المساعدة من عام 2020 المليء بالأزمات- أنَّ مشكلاتك لن تتوقف أبداً، وهذا أمر مدهش.

يقول الرئيس الهندي السابق، الدكتور أبو بكر زين العابدين عبد الكلام (Dr. A.P.J. Abdul Kalam): “إنَّ الصعوبات في حياتك لا تأتي لتدمرك، وإنَّما تساعدك على إدراك إمكاناتك وقوتك الخفية”.

يا لها من فلسفة جميلة للحياة! أليس كذلك؟ حين أنظر للماضي لمدة 40 عاماً مضى، يمكنني أن اتأكد أنَّ هذا الأمر صحيح؛ فمثلاً قد تبدأ مشكلاتك بعدم التحاقك بالكلية التي كنت تحلم بها، لكنَّك تعثر على عمل، ثم تشق طريقك إلى وظيفة الأحلام، ولكن ينتهي بك الأمر بالملل والضجر بعد مدة.

قد تبتعد عن أهلك وتغادر وطنك وتشعر بالحنين، وقد تتعرض للخيانة والغدر، سيصادفك الكثير من المشكلات التي يتبعها الشعور بالإرادة ثم الرفض ثم التوقف، لذلك كن ممتناً لكل ما تمر به؛ فبدون الصراعات والخسارات والمصائب، لن تكون شخصاً قوياً، إذ تؤدي الشدائد إلى تقويتك وتجعلك أقل قسوة في نفس الوقت، وهما صفتان لا يمكنك التخلي عنهما لكي تستمتع بالحياة التي تعيش فيها.

يعلمك الصراعُ المرونةَ والتقبلَ، مما يدفعك إلى الشعور بالسلام، ولكن كيف تجد هذا السلام؟ من خلال ممارسة الامتنان، ومن خلال تقبل ومحبة كل شيء يحدث معك، سواءٌ كان جيداً أم سيئاً.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/eBKjuIDmH60?rel=0&hd=0″]

2. تحقق من تفكيرك:

راقب أفكارك جيداً، فهي التي تخلق الواقع الذي تعيشه؛ فمع بداية جائحة كورونا، أُجبِرَ اثنان من أصحاب المطاعم على إغلاق مطاعمهم؛ وذهب أحدهم إلى المنزل مستسلماً، في حين لجأ الآخر إلى أكبر شركات تحسين المنازل في الولايات المتحدة، والتي توفر الأدوات ومنتجات البناء والخدمات، واشترى الخشب وبنى فناءً خارج منزله، واستخدمه للاسترخاء وتناول الطعام وما إلى ذلك.

فقد الرجل الأول عمله لأنَّه اعتقد أنَّه ضعيف، في حين فكر الرجل الثاني في إيجاد فرصة مناسبة في ظل الجائحة، فتضاعفت مبيعاته من الدجاج المقلي.

يود الكثير من الناس أن يعانوا من المشكلات التي تعاني منها، ذلك المنزل الجميل والإصلاحات التي يحتاجها، والعمل الممل والآمن في الوقت نفسه، والأولاد المراهقون الذين يقودونك إلى الجنون.

غالباً ما تركز أذهاننا على الأمور التي نفتقر لها؛ لكن إذا تعمقنا في أساس المشكلة؛ سنجد أنَّ أغلب مشكلاتنا -مهما كانت مأساوية- سببها كثرة التفكير.

وإليك وسيلتان للتصرف في هذه الحال:

الوسيلة الأولى: “أنجز عملك”:

كانت حياة “بايرون كاتي” (Byron Katie) عبارة عن كابوس؛ ففي عمر 43 كان لديها ثلاثة أطفال يكرهونها، وزواجها قد وصل إلى طريق مسدود، وتعاني من الاكتئاب.

وأثناء وجودها في مركز العلاج، فاجأتها فكرة قوية جعلتها تفهم تفكيرها المدمر، إذ قالت: “اكتشفت أنَّني عندما صدَّقتُ أفكاري عانيت كثيراً، ولكن عندما لم أصدقها لم أعاني أبداً، وهذا ينطبق على كل شخص فينا”

إنَّ التحرر من الأفكار السلبية أمر في غاية البساطة، من حسن الحظ أنَّ (كاتي) ابتكرت طريقة بسيطة وفعالة للتحقق من الأفكار السلبية وتحويلها إلى أربعة أسئلة بسيطة، وأطلقت على هذه العملية اسم “العمل”:

  1. هل هذه الفكرة صحيحة؟
  2. هل يمكنك أن تعرف -تماماً- أنَّها صحيحة؟
  3. كيف ستتصرف، ماذا سيحدث عندما تؤمن بهذا التفكير؟
  4. من ستكون بدون تفكير؟

يأتي التحول عندما تغير تفكيرك السلبي إلى إيجابي؛ إذ ستؤثر عليك نتائج هذه العملية البسيطة، إليك مثالاً واقعياً جربه الآن: اكتب أفكارك حول المشكلة الأكثر أهمية في حياتك، ثم اسأل نفسك الأسئلة الأربعة السابقة، بعد ذلك، فكر بطريقة معاكسة ستندهش عندما ترى أنَّ طريقة التفكير هذه أكثر صدقاً من القصة الأصلية التي تخبرها لنفسك.

الوسيلة الثانية: “تخلص من التشوهات المعرفية”:

العقل البشري هو أسمى نعمة من الخالق، ولقد ضُبِطَ بدقة من أجل اكتشاف المشكلات.

قديماً، كانت حياة أسلافنا تدور حول محاولة تجنب الألم والبحث عن المتعة، وهذا ما سمح لجنسنا بالبقاء على قيد الحياة، لكنَّ سلوكنا يحتاج إلى تصحيح؛ ففي الوقت الذي نوهم به أنفسنا أنَّنا عقلانيون، يدرك علماء النفس أنَّنا نادراً ما نرى الواقع بدقة، ويطلق الباحثون على هذه الأوهام مصطلح: “التشوهات المعرفية”، والتي تنقسم إلى عدة فئات، نحن نختلق قصصاً عن مشكلاتنا، والتي بدورها تؤثر في مزاجنا؛ فعندما تنفصل هذه القصص عن الواقع نعاني، وقد ينعكس هذا في الفرق بين الشعور بالغضب الأعمى عند مقابلة شخص للمرة الأولى، مقابل الشعور بالامتنان لأنَّك قريب منه.

لحسن الحظ، ابتكر الطبيب النفسي “ديفيد بيرنز” (David Burns) أداةً بسيطة أخرى يمكننا استخدامها لاكتشاف التشوهات المعرفية الخاصة بنا وإعادة كتابة أفكارنا وهي:

أشر أولاً إلى الفكرة التي تركت شعوراً بداخلك، ثم تحدث مرة أخرى عنها مثل طفل يبلغ من العمر 8 سنوات؛ يمكنك القيام بذلك باستخدام تقنية الأعمدة الثلاثية للدكتور بيرنز، الموضحة في الجدول التالي وعندما تمر بشعور مؤلم، جرب هذا:

التفكير التلقائي

التشويه

الاستجابة المنطقية

سأفشل في مقابلة العمل هذه.

خطأ التكهن: كيف يمكنني توقع ذلك؟

أنا مستعد تماماً، ومناسب تماماً لهذه الوظيفة، وحظيت بنوم جيد، سواءٌ حصلت على الوظيفة أم لا، فالأمر غالباً خارج عن إرادتي.

اسأل نفسك: لماذا تقبل أي فكرة لا تضعك في حالة عاطفية عظيمة؟ اختر قصة مفيدة أكثر عن مشكلاتك، وستتحسن حياتك الداخلية والخارجية.

3. انظر إلى خياراتك:

من أصل 10 مشكلات تبدو 9 منها مستعصية عن الحل، لأنَّنا نشعر بأنَّنا مجبرون على فعل شيء لا نرغب في القيام به؛ مثلاً: مشكلات في التمديدات الصحية في المنزل، أو توقيع عقد إيجار لمدة 20 عاماً وغيرها من المشكلات، ونقرر أنَّ يومنا قد أُفسِدَ بالكامل.

لا تبدو مشكلاتك كبيرة عندما تدرك أنَّه في كلّ تحدٍّ يواجهك لديك ثلاثة خيارات على الأقل؛ يشاركنا “توني روبنز” أداة قوية لتوسيع حدود اتخاذ القرار، وهي أداة رائعة تتضمن الخطوات التالية:

  • أن تكون واضحاً بشأن نتائجك.
  • أن تحدد خياراتك.
  • أن تُقيِّم العواقب المحتملة.
  • أن تقيم خياراتك.
  • أن تخفف الضرر.
  • أن تصمم على العمل وفقاً للخيار الذي اخترته.

على سبيل المثال: افترض أنَّ مشكلتك هي أنَّك تريد التعرف إلى ثلاثة أشخاص مختلفين، ماذا ستفعل؟

  1. أولاً: كن واضحاً بشأن نتائجك؛ بالنسبة لك فإنَّ أمنيتك هي العثور على الشخص المناسب، بهذه الحال نحن واضحون بشأن ما نريد.
  2. ثانياً: ستحتاج إلى تدوين جميع خياراتك (ثلاثة على الأقل)، حتى تلك التي تبدو غير عملية.
  3. ثالثاً: قيِّم عواقب كل خيار من هذه الخيارات.
  4. رابعاً: حان الوقت لتقييم هذه الخيارات؛ جمِّعهُم وقارن بين إيجابياتهم وسلبياتهم.
  5. خامساً: خفف الضرر المحتمل؛ قد تكون هذه الخطوة هي الأكثر صعوبة ولكنَّها أيضاً الجزء الأكثر إبداعاً ومتعةً، ستتخلى عن أحد الأشخاص، وتختار شخصاً آخر.

أخيراً: القرار، اختر خيارك الأفضل وابدأ به مباشرةً، هذا مثال بسيط، ولكن يمكنك أن تدرك فوائد توسيع خياراتك، فعندما تتمكن من التوصل إلى حلول متعددة لأي مشكلة، فإنَّ تلك المشكلات التي بدت ضخمة جداً ستكون تحت سيطرتك الكاملة.

4. ركِّز على طاقتك:

نحن نعلم أنَّ المشكلات لن تتوقف عن الظهور، ونعلم أنَّنا ممتنون لما تُحدِثه تلك المشكلات في دواخلنا، إذ يمكننا التخلص من التفكير الفوضوي، ورؤية الحلول المتعددة لهذه المشكلات، الآن، حان وقت العمل، ولكن أين يجب أن نركز انتباهاتنا؟

إحدى القواعد الفلسفية الأساسية: تقبل الأشياء التي لا يمكنك تغييرها؛ يعني تركيزك على ما تستطيع القيام به، من السهل قول ذلك ولكنَّ تنفيذه صعب؛ هل هذا يعني أنَّني يجب أن أتوقف عن محاربة السرطان؟ أو أن أدع عملي يتوقف نتيجة ظرف ما؟

بالطبع لا، فالتقبل ليس بهذه السهولة؛ يعني التقبل بما معناه، معرفة أنَّ المرض قد يقتلك بغض النظر عما تفعله، أو أنَّ عملك قد لا ينجح، لذا إنَّ تركيزك على ما يمكنك التحكم فيه؛ يعني ترك النتيجة تستمر (وهو أمر خارج عن سيطرتك حقاً) وتوجيه طاقتك لتناول الطعام الصحي، والذهاب إلى جلسات العلاج، واتخاذ موقف إيجابي، أو البيع عبر الإنترنت، والتفاوض بشأن الإيجار.

جائحة كورونا والوضع الاقتصادي ونتائج الانتخابات والسلام العالمي، والأفكار التي يفكر بها رئيسك، أو جارك، أو زوجتك، أو ابنتك، والأقوال والأفعال؛ هذه الأمور و99.99٪ من الأشياء الموجودة في العالم الخارجي خارجة عن سيطرتنا؛ ولا يزال معظمنا يريد أن تنصاع مثل هذه الأمور لإرادتهم (حتى لو كان ذلك التفكير في عقولنا فحسب)، وهذا يؤدي إلى خيبة أمل ومعاناة، كل ما يمكننا التحكم فيه هو أفكارنا ومعتقداتنا وعواطفنا وكلماتنا وأفعالنا؛ لذلك ركز على طاقتك، وستتوقف العديد من مشكلاتك عن الظهور.

5. امتلك إيماناً مطلقاً:

ماذا لو كنت تعرف أنَّ فكرتك ستنجح بالتأكيد، إذا كنت كذلك، حافظ على حلمك للحظات، سواءٌ كان هدفاً أم فكرة عمل أم أسلوب حياة مثالي، ماذا لو ظهر لك المارد وضَمِنَ لك تحقيق هذا الحلم، فقط إذا عملت بجد؟ هل ستوجِّه جهودك إلى المهمة التي أنت بصدد تحقيقها؟

عندما تمتلك اليقين المطلق، ستفعل ذلك بالتأكيد؛ لكن ليست هذه الطريقة التي نريد أن نظهر بها، فنحن نريد أن نكون أغنياء، لكي تنجح أعمالنا، أو لنحصل على ترقية في العمل، لكنَّنا نسمح للمشكلات الكبيرة بالتغلب علينا، وعندما نسعى إلى النجاح في أمر ما؛ نفكِّر في الأمور التي تحدث من حولنا، ونتجاهل الأدلة على ازدهار الأعمال التجارية الأخرى في نفس الظروف.

إنَّ التصور الذهني الذي نرسمه لمشكلاتنا، هو الذي يقلل من يقيننا من نسبة 100٪ إلى 80٪ أو 50٪ أو 20٪ أو إلى العدَم؛ والحل هو أن يكون لديك إيمان، والإيمان هو ببساطة قرار أن يكون لديك يقين ثابت فيما يتعلق بموضوع نجاحك وانتصارك، هل الاحتمالات والحقائق تقف عائقاً في وجه نجاحك؟

حسناً، لا يمكنك الإيمان ما لم يبدو الواقع وكأنَّه جدار، وعندما تختار الإيمان، تصبح مشكلاتك غير مُقنعة بل قد تضحك عليها.

مشكلات والدي:

أكثر ذكرياتي وضوحاً عن والدي عندما كنت في الثامنة من عمري، حينها ذهبت إلى المتجر الصغير، ولم يكن مسموحاً لي بالقيام بذلك، وعندما سألني عن مكان وجودي كذبت عليه، لكنَّه اكتشف ذلك، وقال لي بصوت هادئ: “مايكل، سأكون مستاءً منك كثيراً إذا كذبت”، منذ تلك اللحظة أصبح الصدق أحد القيم الأكثر أهمية بالنسبة لي، وقد خدمني بإخلاص.

كان يمكن أن يعالج والدي المشكلة بغضب أو خيبة أمل أو تعاطف؛ وبدلاً من ذلك، لم يتعامل معها على أنَّها مشكلة على الإطلاق، بل استخدمها لتعليمي؛ سأُعلِّمُ أطفالي هذا الأمر ذات يوم، وبهذه الطريقة سوف يتردد صدى إرثه للأجيال من بعده.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!