كيف تحاور نفسك بشكل إيجابي؟

إنَّنا جميعاً نخوض أحاديث ذاتية مع أنفسنا من حين إلى آخر، ولكن ما هو الحديث الذاتي بالضبط؟ وما هو الدور الذي يؤديه في تعزيز إنتاجيتك؟ وهل حديثك الذاتي إيجابي أم سلبي؟ فلنبدأ بجعل هذه الأحاديث إيجابية. ولكن كيف يمكنك التخلص من الحديث الذاتي السلبي وممارسة الحديث الذاتي الإيجابي؟ إليك 8 استراتيجيات يمكن أن تساعدك على ذلك.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة “ديانا ريتشي” (Deanna Ritchie)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في ممارسة الحديث الذاتي الإيجابي.

ما هو الحديث الذاتي؟

أبسط إجابة هي أنَّ الحديث الذاتي هو صوتك الداخلي الذي يحادثك، وغالباً ما يرتبط بقيمتك الذاتية، فيمكنك أن ترى الأمر على النحو التالي: عندما ترتكب خطأً، مثل جرح إصبعك، فسوف توبِّخ نفسك لكونك شخصاً أخرقاً، ومن ناحية أخرى، عندما تحصل على ترقية أو تنهي شيئاً ما قبل موعد استحقاقه، فإنَّك ستثني على نفسك، وكل من هذه تثير استجابة مختلفة، فالحديث الذاتي السلبي يجعلك تشعر بالسوء، والأسوأ من ذلك أنَّه يمكن أن يجعلك تشعر بالقلق والاكتئاب.

والمثير في الأمر هو أنَّ الحديث الذاتي السلبي يمكن أن يتسبب في خسارتك؛ إذ راقب الباحثون 24 لاعب تنس خلال البطولات، ووجدوا أنَّ الحديث الذاتي السلبي كان مرتبطاً بالخسارة، وأنَّ اللاعبين الذين أفادوا بأنَّهم يؤمنون بفائدة الحديث الذاتي، ربحوا نقاطاً أكثر من اللاعبين الذين لم يفعلوا ذلك، ومن ناحية أخرى، فإنَّ الحديث الذاتي الإيجابي يجعلك تشعر بالرضا، ويعزز ثقتك بنفسك وأدائك، ويحسِّن صحتك، ولكن كيف يمكنك التخلص من الحديث الذاتي السلبي وممارسة الحديث الذاتي الإيجابي؟

إليك 8 استراتيجيات يمكن أن تساعدك على ذلك:

1. تغيير حوارك الداخلي:

قد يبدو أنَّ الأفكار السلبية واستنكار الذات تظهر من العدم، ولكنَّنا مجبولون على التفكير بسلبية، وعندما لا تُعالَج هذه الأفكار، يمكن أن يؤثر هذا التحيز السلبي في سلوكك وعلاقاتك وقراراتك، فبينما لا يمكنك دائماً التحكم في هذه الأفكار من الظهور تلقائياً، إلا أنَّك تمتلك السيطرة على كيفية استجابتك لها.

تشرح المعالِجة النفسية “إيمي موريون” (Amy Morion) قائلة: “إيمانك بشعور الشك في نفسك، والقلق المستمر بشأن الأشياء التي لا يمكنك التحكم بها، والتفكير في الأمور السلبية سوف يستنزف قوَّتك الذهنية التي تحتاج إليها لتكون بأفضل حالاتك، ولكنَّ إعادة صياغة أفكارك غير المفيدة، ورفض اجترار الأفكار السلبية، يُدرِّب عقلك تدريباً هادفاً على التفكير بصورة مختلفة”، وتضيف “مورين”: “عندما تختار السيطرة على حوارك الداخلي، ستصبح أقوى، وكلما أصبحتَ أقوى، زادت احتمالية تجربة طرائق تفكير أكثر لطفاً وإنتاجية”.

بناء قوَّتك العقلية:

تستطيع جعل ذلك ممكناً من خلال الاستراتيجيات السبع التالية التي حدَّدَتها “مورين” لمساعدتك على التفكير كشخص قوي عقلياً:

  • استبدال الأفكار الكئيبة بأخرى حقيقية، فالأفكار الكئيبة ناتجة عن إلقاء اللوم على نفسك والبحث عن الأخبار السلبية، وكلما لاحظتَ حدوث ذلك، استجِب بعبارة أكثر واقعية أو بفكرة حقيقية.
  • تشتيت نفسك عن هذه الأفكار، فإذا بدأتَ اجترار الأفكار السلبية، فحاوِل تشتيت نفسك، كالذهاب في نزهة أو القيام بعمل منزلي.
  • التفكير بالجانب الإيجابي للأمور، فلا تركِّز فقط على النتائج الكارثية؛ بل فكِّر أيضاً كيف يمكن أن تسير الأمور بشكل أفضل مما كنتَ تعتقد.
  • التعبير عن الامتنان، بغض النظر عما إذا كان ذلك من خلال تدوين ما تشعر بالامتنان لوجوده في دفتر يوميات أو التحدث على مائدة العشاء، فإنَّ وضع قائمة بالأشياء التي تشعر بالامتنان لها لا يستغرق سوى دقيقتين، ولكن يمكن أن يعزز سعادتك ويغير منظورك للأمور.
  • العيش في اللحظة؛ إذ يقلل العيش في اللحظة من التوتر ويحسن الصحة النفسية ويعزز التركيز.
  • النظر إلى الموضوع من وجهة نظر خارجية، فعندما تعاني من مشكلة، قد يكون من الصعب إيجاد حل؛ وذلك لأنَّ عواطفك تؤثر في طريقة إدراككللمشكلة، ومن السهل تقديم نصيحة لشخص آخر عندما تكون بعيداً عن الموقف.
  • تقبُّل القليل من الشك الذاتي، فاستخدِم هذه المشاعر السلبية لتحفيزك؛ حيث يشبه الأمر الخوف من موضوع لا تفهمه في أثناء التحضير للامتحانات، لتُخصِّص له بعدها المزيد من الوقت والطاقة، حتى تشعر بمزيد من الثقة بنفسك.

2. ترديد عبارات تحفيزية:

كتبَت المدِّونة “كاثرين فوسكو” (Katherine Fusco) في مقال لها: “عندما تشعر بالإرهاق، يمكن أن يكون تكرار العبارات التحفيزية طريقة لطيفة لمواجهة الحديث الذاتي السلبي”، فالتمرُّن على ترديد عبارات بسيطة، مثل: “لقد تعلمتُ من التحديات التي مررتُ بها، وأصبحتُ أقوى، فدون الألم لن توجد المكاسب”، قد يكون كافياً للنجاح في الأمر.

تقترح “فوسكو” قائلة: “اكتب جملتك الخاصة، وضعها على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وردِّدها للتخلص من أنماط التفكير السلبي عندما تظهر”، أو يمكنك استخدام العبارات الأربع التالية:

  • “سأجعل اليوم رائعاً”.
  • “لدي الكثير لأقدمه”.
  • “لن أستسلم أبداً”.
  • “أنا لستُ مثالياً، ولا بأس بذلك”.

3. إنشاء شعارك الخاص لتحفيزك:

لم أتمكَّن من العمل أمس، ولم أكن سعيدة بذلك، ولكن قلت في نفسي: “لا مشكلة، سأعمل غداً”؛ حيث إنَّ تأجيل الأمور من حين إلى آخر ليس بالضرورة أمراً سيئاً، ولكن، إذا أصبحَت عادةً يومية، فسوف تتعرض للمتاعب، وإنَّه أمر مرهق ويمكن أن يؤثر سلباً في سمعتك الشخصية والمهنية.

يمكنك استخدام أحاديث ذاتية تشجعك على التسويف، مع وجود بدائل تجعلك تتحرك وتعمل؛ حيث تُعرَف هذه باسم “شعارات التحفيز الخاصة”، وإليك بعض الأمثلة عنها:

  • الشعور بالرغبة في العمل: حيث “يجب أن أفعل كذا” هو التعبير المفضَّل لكل شخص مسوِّف، فبدلاً من قول هذا، استخدِم عبارة “أنا أختار” الأكثر تمكيناً لك.
  • البدء بالعمل: عندما تركز على إنهاء شيء ما، فإنَّك توجِّه انتباهك إلى مستقبل غامض ومثالي للغاية، فتصوُّرك للمشروع على أنَّه مُنتهٍ، يُحفِّز العديد من الأشخاص، ولكن من وجهة نظر الشخص الذي يواجه صعوبة في بدء مهمة ما، فإنَّ تصوُّر مستقبل يصعب فهمه قد يكون أمراً مُربِكاً، وحتى مُحبِطاً في بعض الأحيان، وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون مجرد البدء هو أفضل استراتيجية لديك.
  • تقسيم مشروع كبير إلى مهام صغيرة: يمكن تقسيم أي شيء تحتاج إلى القيام به إلى مهام أصغر وأكثر قابلية للإدارة، فعلى سبيل المثال: لا تنظف المنزل كاملاً؛ بل ابدأ بالمطبخ، وعندما تؤلف كتاباً، ركِّز على كتابة صفحة واحدة.
  • اتِّخاذ خطوة غير مثالية: يزيد السعي إلى الكمال من التسويف؛ حيث إنَّ طريقة التغلب على هذا العائق الذهني هي ببساطة منح نفسك الإذن بأن تكون إنساناً؛ لذا اسمح لنفسك بأن تكون غير مثالي في إنجاز مَهمَّتك الصغيرة التالية.
  • تحفيز نفسك: “عندما تقول إنَّك يجب أن تفعل شيئاً ما – بدلاً من فعله بالفعل – فإنَّك تركز على مقارنة الواقع المثالي بواقعك الحالي “السيِّئ”، والفكرة الأفضل هي التفكير في مدى روعة الأمر بعد أن ينتهي.
  • الحصول على وقت للراحة: ضع حدوداً بين وقت العمل ووقت الراحة، حتى تتمكن من إعادة شحن طاقتك.

شاهد بالفديو: أقوال وعبارات تحفيزية لتطوير النفس والذات

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/7HQkLK_ZCVs?rel=0&hd=0″]

4. تجنُّب فكرة “كل شيء أو لا شيء”:

تُعَدُّ فكرة “كل شيء أو لا شيء” تشوُّهاً إدراكياً؛ فهي وفقاً للمؤلفة “توني بيرنهارد جي دي” (Toni Bernhard J.D) إنَّها أخطاء في التفكير؛ حيث توضح “بيرنهارد” أنَّك تُقيِّم حياتك بعبارات إما مثالية أو كارثية، وإما أن تكون ناجحاً كلياً أو فاشلاً فشلاً تاماً، كما إنَّ اختيار أحد هذين النقيضين عند تقييم حياتك هو سبب كبير للوم الذات وحتى كراهية نفسك، والسبب فيما تفعله حقاً هو السعي إلى المثالية؛ وذلك لأنَّك لست راضياً عن نفسك.

وللتخلص من هذا التفكير، تحتاج أولاً إلى إثارة التعاطف مع الذات، فلا حاجة إلى التفكير في هذا، فكل ما عليك فعله هو أن تكون لطيفاً مع نفسك بدلاً من لوم ذاتك، ومن جهة أخرى، فكِّر فيما تجيده أو فيما أنجزتَه، فمهما كانت هذه الإنجازات كبيرة أو صغيرة، فيجب أن تُركِّز على الإيجابيات.

5. التحدُّث إلى نفسك بصيغة الغائب:

في صيف عام 2010، انتظر العالم بفارغ الصبر إعلان اللاعب “ليبرون جيمس” (LeBron James) عن الفريق الذي سيلعب فيه، وحتى إنَّ قناة “إي إس بي إن” (ESPN) الرياضية كان لها برنامج خاص يسمى “القرار” (The Decision)، وبينما كان الأمر مثيراً للجدل، كان ذلك الوقت الذي أخبرَنا فيه “جيمس” أنَّه كان سينتقل إلى فريق “ساوث بيتش” (South Beach).

ومع ذلك، إليك ما كان مثيراً للاهتمام؛ حيث استخدَم “جيمس” صيغة الغائب عند الإعلان عن قراره، وقال: “أردتُ أن أفعل ما هو أفضل لـ “ليبرون جيمس”، وما يجعل “ليبرون جيمس” سعيداً”، كما درس عالم النفس “إيثان كروس” (Ethan Kross) هذا الأمر، ومن ثم قرر استكشاف سبب استخدام “جيمس” لتلك الصيغة.

وقال “كروس” لقناة “إن بي آر” (NPR): “ما وجدناه هو أنَّ التحول اللغوي الدقيق من صيغة المتكلم إلى صيغة المخاطب، يمكن أن يكون له تأثيرات ذاتية قوية حقاً”، وبمعنى آخر، يمكن أن يُقلِّل من القلق، ويجعلك أكثر عقلانية وأقل عاطفية، وقد يشجعك أيضاً على أن تكون أكثر لطفاً مع نفسك.

6. البحث عن الجانب المشرق للأمور:

  • لا تخلط بين هذا وبين فرض الإيجابية على حياتك، ففي نهاية الأمر، تُظهِر الأبحاث أنَّ السعادة القسرية لا تنجح، وبدلاً من ذلك، اعتَرِف بالوضع السلبي مع رؤية الخير فيه في الوقت ذاته؛ حيث وجدت دراسة من جامعة “نيويورك” (New York University)، المعروفة باسم نظرية “الجانب المشرق” (silver-lining theory)، أنَّ هذا التفكير يمكن أن يرفع من مستوى الأداء، وفي الواقع، وجد 90% من الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة أنَّ سماتهم السلبية هي في الواقع نقاط قوة، وتشمل ما يلي:
  • أنت لستَ خجولاً؛ بل مُتَعقلاً، فأنت تأخذ وقتك في اتخاذ القرارات وتستفيد من العزلة.
  • أنت لستَ قليل التنظيم أو مهملاً؛ بل مبدعاً.
  • يهابك الناس لأنَّك تعرف ما هي قيمك وماذا تريد، ويمكن أن يساعدك ذلك على إحداث تغيير اجتماعي.
  • قد تعتقد أنَّك شخص غير مسؤول؛ ذلك لأنَّك لم ترد على مكالمة هاتفية، ولكن ربما يكون ذلك لأنَّك كنتَ تقضي وقتك في استكشاف أمر ما؛ مما يجعلك أكثر سعادة وثقة بالنفس.
  • أنت لستَ من النوع العنيد؛ بل شخص مثابر.

7. التخلص من السُّمِّية:

بالحديث عن الجانب المشرق للأمور، منحَتني جائحة كوفيد-19 (COVID-19) فرصة لتحديد أولوياتي من جديد، وتكمن أهمية ذلك، في أنَّه شجعني على إزالة ما هو غير ضروري في حياتي، حتى يكون ما يهمني حقاً هو الأساس، وبالتأكيد كانت الاجتماعات والمهام التي لا فائدة منها هي أول ما تخلَّصتُ منه من أولوياتي، وينطبق الأمر نفسه على الأشخاص السلبيين في حياتي، مثل أولئك الذين لم يحترموا وقتي.

وأحد هؤلاء الأشخاص الذين تخلَّصتُ منهم كان شخصاً اعترفتُ أخيراً بأنَّه كان يتلاعب بي، فقد استوعبتُ حقيقة أنَّه كان يضعف ثقتي بنفسي، على سبيل المثال: إذا طلبتُ رؤيته أو تغذيته الراجعة، فكان يخبرني بأنَّ أفكاري ليست واقعية، فيُحبطني بذلك، وهذا في بعض الأحيان، يقودني إلى دوامة من الحديث الذاتي السلبي، فلقد حرصتُ منذ ذلك الحين على أن أحيط نفسي بأشخاص إيجابيين وداعمين وصادقين معي.

8. الممارسة لتحقيق الكمال:

يقول المثل: “إذا لم يكن لديك شيء لطيف لتقوله، فلا تقل أي شيء على الإطلاق”، وشخصياً، هذه نصيحة ممتازة عند التفاعل مع الآخرين، فلماذا لا تتَّبع هذه القاعدة الذهبية عندما يتعلق الأمر بالحديث الذاتي؟

وفي المرة القادمة التي تأتيك فيها فكرة سلبية، لا تدعها تُحبطك؛ بل تحدَّ هذه الفكرة بأخرى أكثر عقلانية ولطفاً، ومع ذلك، هذا ليس أمراً يمكنك تغييره بين عشية وضحاها؛ حيث سيستغرق الأمر وقتاً والكثير من الممارسة، ومع أخذ ذلك في الحسبان، أنصحك بأن تركز على مجال واحد من حياتك في كل مرة، مثل حب الذات أو الصحة أو العافية أو الثقة، ثم انتقِل إلى مجالات أخرى.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!