4 خطوات لإعادة البناء الإدراكي ومساعدتك على التفكير بوضوح

يشكِّل إعادة البناء الإدراكي جزءاً هاماً من العلاج المعرفي السلوكي. يتركز العلاج المعرفي السلوكي في جوهره على إعادة البناء الإدراكي، وهو عبارة عن عملية من أربع خطوات تساعد الأشخاص على معرفة أفكارهم غير السوية والسعي إلى تغييرها. هذا ما سنتعرف إليه في هذا المقال.

يشكِّل إعادة البناء الإدراكي جزءاً هاماً من العلاج المعرفي السلوكي الذي طوره المعالج النفسي آرون بيك (Aaron Beck) في ستينيات القرن الماضي، فقد ربط الأعراض التي انتابت مرضاه بأنماط التفكير غير السوي، وافترض أنَّ باستطاعته مساعدتهم على تحديد أفكارهم غير السوية، والتخفيف من حدة أعراض مرضهم النفسي؛ وقد نشر هذه الأفكار المعالج النفسي ديفيد بيرنز (David Burns) في كتابه “الشعور الجيد” (Feeling Good) في ثمانينيات القرن الماضي.

يتركز العلاج المعرفي السلوكي في جوهره على إعادة البناء الإدراكي، وهو عبارة عن عملية من أربع خطوات تساعد الأشخاص على معرفة أفكارهم غير السوية والسعي إلى تغييرها.

التشوهات المعرفية:

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/T2eWogT_17s?rel=0&hd=0″]

تشرح الأخصائية الاجتماعية مارغوت إسكوت (Margot Escott) عن كيفية استخدام إعادة البناء الإدراكي كطريقة للعلاج في عيادتها في نابلز في فلوريدا، حيث تقول أنَّها تبدأ العملية بتعريف مرضاها على أنواع التشوهات المعرفية عن طريق تزويدهم بقائمة بها، والطلب منهم التفكير في الأنواع المشابهة لما يعانونه؛ وفيما يأتي أمثلة عن التشوهات المعرفية المختلفة:

1. الترشيح الذهني:

يحدث هذا عندما يبحث الشخص عن تفصيل صغير واحد والذي غالباً ما يكون سلبياً، ويركز عليه متجاهلاً بقية المعلومات التي لا تتوافق مع معتقداته وقيمه.

2. التفكير في الكل أو اللا شيء:

يحدث هذا عندما لا يستطيع الشخص إيجاد حل وسط؛ فالأمر بالنسبة إليه أبيض أو أسود، ولا يرى منطقة رمادية فيما بينهما.

3. التعميم المفرط:

وهو أمر شائع الحدوث، ويقفز الشخص فيه إلى الاستنتاجات دون الاستناد على كمٍّ كافٍ من المعطيات.

4. تهويل الأمور:

وهو التفكير دوماً في أسوأ النتائج المحتملة، رغم أنَّ احتمال حدوثها ضعيف نسبياً.

5. إضفاء الطابع الشخصي:

غالباً ما يحدث ذلك مع مَن يعاني من تدني تقدير الذات أو البارانويا (paranoia)، فيعتقد أنَّ كل ما يقوله الناس أو يفعلونه متعلق به.

6. القلق إزاء المعايير المجتمعية:

يحدث هذا حينما يقيس الشخص تصرفاته أو تصرفات الآخرين بالمعايير المجتمعية.

7. قراءة الأفكار:

يحدث ذلك عندما يعتقد الشخص أنَّ بوسعه معرفة ما يفكر فيه الشخص دون التحقق من صحة مزاعمه.

8. الرجم بالغيب:

يشغل التفكير في المستقبل بال الكثيرين، وقد يؤدي هذا إلى تبني فرضيات غالباً ما تأخذ منحى سلبياً.

9. التبرير العاطفي:

يعتقد الشخص فيه أنَّ مشاعره تعكس حقيقة الأمور.

10. التصنيف:

يبدأ الشخص التصنيف عندما يعمم أو يدلي بآراء عامة يخص فيها نفسه أو الآخرين استناداً على سلوك معين في موقف ما، فعلى سبيل المثال: قد يصف نفسه بالأحمق أو الفاشل إن ارتكب خطأ ما.

عموماً، تختلف كل واحدة من هذه الأفكار غير السوية عن سواها، لكنَّها ستعطيك لمحة عامة عن التفكير غير العقلاني الذي يسعى إعادة البناء الإدراكي إلى تصحيحه.

4 خطوات لإعادة البناء الإدراكي:

إليك هذه الخطوات الأربعة الهامة التي ستساعدك على الانخراط في عملية إعادة البناء الإدراكي:

1. تحديد أفكارك بكامل وعيك:

تبدأ العملية بالوعي بأفكارنا التلقائية، وتتطلب فرز أنماط التفكير غير السوي المحتملة؛ فقبل أن تبدأ تغيير أفكارك، عليك أن تكون مدركاً لأسلوب تفكيرك دون أن تحكم عليه أو تحاول إصلاحه.

فمثلاً: يمكنك جرد مخزون أفكارك التلقائية لأسبوع، أو التقصي عنها بمساعدة معالجك النفسي؛ وتعدُّ هذه الخطوة ضرورية في كلتا الحالتين؛ ذلك لأنَّنا لا نستطيع تصحيح اضطرابات التفكير التلقائي دون أن نكون واعين لما نفكر فيه في الأساس.

2. تقييم الأفكار:

عليك في هذه الخطوة أن تكون عقلانياً؛ وحالما تجرد أفكارك، يمكنك البدء بفرز الأفكار العقلانية عن الأخرى غير العقلانية، وتؤكد هذه الخطوة على ضرورة تغيير هذه النمط من التفكير.

3. التفكير بعقلانية:

بمجرد تصنيف فكرة على أنَّها غير سوية أو سامة، سنتمكَّن من معرفة السبب في كونها غير سوية عندما تسأل نفسك هذه الأسئلة العلاجية القاسية:

  • لماذا أعتقد هذا؟
  • هل اعتقادي صحيح؟
  • ما مدى تواتر صحته؟

يكمن الغرض من هذه الخطوة في معرفة كيف تندرج أنماط تفكيرنا ضمن إطار التشوهات المعرفية، وكيف تختلف عن الواقع حقيقة.

4. استبدال نمط التفكير:

تتمثل الخطوة الأخيرة باستبدال الأفكار غير السوية بأخرى أكثر عقلانية؛ وطالما أنَّ أفكارنا التلقائية مألوفة؛ لذا فإنَّ الفكرة هنا لا تتعلق بمعالجة التشوهات المعرفية، بل بملاحظة أنَّنا نشوه الحقائق، وباستبدال أفكارنا غير السوية بأخرى أكثر عقلانية.

على سبيل المثال: عندما تتسلل إلى ذهنك فكرة أنَّ رئيسك في العمل يكرهك، فعليك تذكير نفسك أنَّك غير قادر على قراءة أفكاره؛ وكلما وجدت نفسك تنجرف إلى التفكير بطريقة تنطوي على قراءة الأفكار، استبدلها بفكرة أنَّك لن تتيقن من كره رئيسك لك ما لم تسأله عن ذلك، وانظر إلى جميع المعطيات والدلائل المتوفرة لديك، والتي ربَّما تناقض ما تفكر فيه، كزيادة الراتب أو التقييم الجيد اللذين حصلت عليهما منذ شهر مضى.

تركز هذه الخطوة على استبدال التشوهات المعرفية بأنماط أكثر عقلانية في التفكير، ويتطلب هذا تفكيراً عميقاً وإدراكاً للذات.

قد تستطيع القيام بهذه الخطوة بمفردك، لكن يُفضَّل أن تطلب مساعدة اختصاصي يرشدك خلال هذه العملية.

أمثلة على إعادة البناء الإدراكي:

ربَّما تعتريك أفكار سوداوية أحياناً، فتفكر أنَّك ستُطرَد من عملك، فلا تقدر على إعالة أسرتك، وتفقد منزلك واستقرارك وكل شيء جميل في حياتك. من هنا يأتي دور إعادة البناء الإدراكي في محاربة هذه التشوهات المعرفية، وأول خطوة يجب اتخاذها هي الوعي لهذه الفكرة والانتباه عندما نجد أنفسنا ننجرف إلى توقع الأسوأ، ثمَّ سؤال نفسك بعد ذلك إن كان الأمر حقيقة أم لا.

لن تتقين من حقيقة الأمر لأنَّك لا تعلم ما يخبئ لك المستقبل، وتظهر هنا فائدة ممارسة تأمل اليقظة الذهنية؛ فوفقاً للمعالجة النفسية إسكوت (Escott)، يُعَدُّ تأمل اليقظة الذهنية طريقة عظيمة كي نصب جل تركيزنا على الحاضر، ونقلل من التشوهات المعرفية.

أنت لا تعلم إن كنت ستُطرَد من عملك أم لا، حتى أنَّك لن تستطيع تحديد عدد المرات التي يكون فيها هذا التشوه المعرفي صحيحاً؛ لذا انتقل إلى الخطوة التالية، حيث يأتي فيها دور التفكير وسؤال نفسك عن السبب الذي يدفعك إلى الاعتقاد أنَّك ستخسر عملك؛ فمثلاً: ربَّما قد خسر والدك وظيفته عندما كنت طفلاً، وسبَّب ذلك لأسرتك الكثير من التوتر؛ أو ربَّما لأنَّك تعدُّ نفسك غير كفء وأنَّ قراراتك المالية عادة ما تكون غير صائبة.

عليك في الخطوة الثالثة أن تتبع خطوة أكثر عقلانية تؤكد فيها لنفسك أنَّك لا تعلم إن كنت ستخسر وظيفتك أم لا، ولا يسعك إلَّا التركيز على الأداء العالي في وظيفتك؛ أمَّا في حال وجود احتمال لأن تخسر عملك، فعليك البحث عن الوظائف المتاحة عبر موقع لينكد إن (LinkedIn) بدلاً من التخبط في المخاوف وتوقع الأسوأ دوماً؛ كما عليك أن تؤكد لنفسك أنَّ خوفك من أن تخسر كل شيء في حياتك بمجرد أن تخسر عملك هو تفكير غير عقلاني، وبإمكانك أن تضع قائمة بالخيارات المتاحة أمامك في حال خسرت وظيفتك كي تحرص على ألَّا تخسر أشياء أخرى في حياتك.

في النهاية، كلما وجدت نفسك تنجرف إلى توقع الأسوأ، استبدل عبارة “سأخسر وظيفتي” بعبارة أخرى أكثر عقلانية، كأن تقول لنفسك: “لا أعلم ما هو احتمال خسارة وظيفتي، لكن لديَّ الأقدمية، وحصلت على زيادة في راتبي، وسأبحث في البدائل الممكنة إن خسرت وظيفتي”.

ربَّما يكون من الأفضل لك أن تكون أكثر صرامة عندما تستبدل الأفكار التلقائية غير السوية بأخرى عقلانية، لكنَّ هذا يعطيك فكرة جيدة حول كيفية البدء.

فاعلية إعادة البناء الإدراكي:

لقد بيَّنت الأبحاث فائدة إعادة البناء الإدراكي؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات أنَّه كان أكثر فاعلية في تخفيف القلق والتوتر عند إحدى مجموعات الدراسة مقارنة بمجموعة الشاهد (مجموعة التحكم)، ومجموعة أخرى اعتمدت على تقنيات الاسترخاء التي تعلمتها.

تُلزِم إعادة البناء الإدراكي الأشخاص بإصلاح أفكارهم التلقائية، وتوضح إسكوت أنَّ سبب فاعلية هذه العملية يعود إلى تأثر مشاعرنا بأفكارنا، والتي تؤثر في صحتنا وعافيتنا.

تعالج عملية إعادة البناء الإدراكي جذر المشكلة؛ لذا إن لاحظت أنَّك تبالغ في التعميم أو تتوقع الأسوأ، فعليك تصفية ذهنك وسؤال نفسك إن كان ما تختبره صحيحاً، ثم تطوير نمط تفكير أكثر عقلانية، واستبدال الأفكار غير السوية بأخرى أكثر واقعية.

قد لا يكون إعادة البناء الإدراكي سهلاً، لكن إن كنت مستعداً للتأمل وإدراك الذات والعمل على إعادة البناء الإدراكي، ستلاحظ تأثيره في التقليل من أعراض القلق والصدمة والتوتر والغضب والاكتئاب.

في الختام:

يجب التنويه إلى أنَّ العلاج المعرفي السلوكي نهج من الأفضل أن يقوم به اختصاصيون؛ وفي حال احتجت المساعدة أو أردت الغوص في العلاج المعرفي السلوكي والتشوهات المعرفية، فعليك أن تبحث عن معالجين نفسيين اختصاصيين في منطقتك.

 

المصدر

شاهد بالفيديو: 10 طـرق لتفكـر بوضوح أكثر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!