الحديث السلبي مع الذات، وطرق التخلص منه

"أنا لا أستطيع"، "أنا لست جميلة"، "أنا شخصٌ فاشل"، وغيرها من الأفكار السلبية التي غالباً ما نتحدَّث فيها مع أنفسنا، وربَّما بشكلٍ يوميٍّ ومُتكرِّرٍ دون أن نشعر، ودون أن نُدرِك الآثار الخطيرة لهذه البرمجة اللغوية والأفكار السلبية في حياتنا وأفعالنا وطريقة تفكيرنا، وحتَّى نظرتنا إلى الحياة. فما هو الحديث السلبي مع الذات؟ وما آثاره؟ وكيف يمكننا تغيير طريقة تفكيرنا والسيطرة على حديثنا السلبي مع ذاتنا؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، تابعوا معنا السطور التالية.

إنَّنا بطبيعتنا كبشرٍ نتحدَّث مع أنفسنا كثيراً، وتغلُب الأفكار السلبية على توقُّعاتنا؛ فوفقاً لدراسةٍ لإحدى الجامعات في كاليفورنيا، والتي تناولت موضوع التحدُّث مع الذات، فإنَّ أكثر من 80% ممَّا نقوله لأنفسنا يكون سلبياً، ويعمل ضدَّ مصلحتنا، وإنَّ هذه النسبة المرتفعة من الأحاديث السلبية تتسبَّب بأكثر من 75% من الأمراض التي تُصيبنا من أمراض القلب والسكري والضغط المُرتفع؛ فلنا أن نتخيَّل تأثير هذه الأحاديث السلبية مع ذواتنا في حياتنا وصحتنا الجسدية والنفسية.

فما هو الحديث السلبي مع الذات؟ وما آثاره؟ وكيف يمكننا تغيير طريقة تفكيرنا والسيطرة على حديثنا السلبي مع ذاتنا؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، تابعوا معنا السطور التالية.

ما هو الحديث مع الذات؟

إنَّ الحديث مع الذات شيءٌ نقوم به بشكلٍ طبيعيٍّ طوال ساعات استيقاظنا، والذي غالباً ما يُرافقنا على مدار اليوم؛ كأن يتكلَّم الشخص مع نفسه في أثناء قيامه بمَهمَّةٍ ما، لذا من الهامِّ أن نتعلَّم كيفية تسخيره لمصلحتنا. تنمو مهارة الحديث مع الذات لدى الإنسان بين عمر الثالثة والخامسة، وتُصبح جزءاً من مكوِّنات الشخصية لديه عند بلوغه سنَّ الرشد، وتجري هذه العملية في منطقتين من الدماغ هما: باحة “بروكا” (Broca)، وباحة “فيرنيك” (Wernicke)، حيث تمنحنا منطقة “بروكا” القدرة على استعمال اللغة، بينما تتحكَّم منطقة “فيرنيك” بفهمنا لها.

لا يُسبِّب الحديث مع الذات -غالباً- أيَّ مشكلة، وإنَّما تكمن المشكلة في نوعية الحديث الذي يختار عقلنا اعتماده، حيث يوجد حديثٌ إيجابيٌّ وآخر سلبيٌّ عند التحدُّث إلى النفس، وتبدأ المشكلة حين يعتمد دماغنا أسلوب الحوار أو الحديث السلبي مع الذات.

الحديث السلبي مع الذات:

هو عبارةٌ عن حوارٍ سلبيٍّ مع الذات، بحيث يُقلِّل من قيمتها، ويُخفِّض من شأنها، ويأتي بصورةٍ مُتكرِّرةٍ من المعاني والمفردات والحوارات السلبية بين الفرد ونفسه، فيُحاول أن يُظهر للمرء عيوبه ويضخِّمها، كأن يُذكِّره بعدد المرَّات التي فشل فيها، سواءً في دراسته أم عمله أم حتَّى في علاقاته الاجتماعية.

ينعكس هذا الحديث السلبي على مشاعر الشخص ومن ثمَّ على سلوكاته وأفعاله، فيدفعه إلى الشعور بالإحباط واليأس والخجل، أو حتَّى النظر إلى نفسه بدونية، والتقليل من شأنه وقُدراته دوماً؛ الأمر الذي يؤدِّي مع الوقت إلى التأثير في ذاته وقُدراته ومُستقبله.

يعاني العديد من الأشخاص في الواقع من الحديث السلبي مع الذات، ويردِّدونه بشكلٍ مُتكرِّر لأنفسهم، ويؤدِّي إلى ترسيخ قناعةٍ واحدةٍ مفادها “أنَّهم لا يصلحون لشيء”.

ماهية الحديث السلبي مع الذات:

في حال كنت غير مُتأكِّدٍ ممَّا إذا كان حديثك مع ذاتك إيجابياً أم سلبياً، فإليك فيما يلي بعض النماذج الشائعة للحديث السلبي مع الذات:

  • التصفية: وذلك عندما تُعظِّم الجوانب السلبية وتُركِّز عليها في موقفٍ ما، مع استبعادك جميع الجوانب الإيجابية أو التقليل من أهميَّتها.
  • شخصنة الأمور: عندما تؤنِّب نفسك تلقائيَّاً في حال حدوث أيِّ شيءٍ أو موقفٍ سيِّئٍ لم تكن مسؤولاً عنه، كأن تُلغَى الأمسية مع الأصدقاء، وتفترض تلقائياً أنَّ التغيير الذي حدث في الخطة سببه أنَّ الجميع لا يريدون أن يكونوا برفقتك.
  • التهويل: وذلك بأن تتوقَّع الأسوأ تلقائياً، كأن تعلق في الزحام صباحاً وتتأخَّر عن عملك، فتعتقد بشكلٍ تلقائيٍّ أنَّ باقي يومك سيكون مأساوياً.
  • تطرُّف التفكير: وذلك بأن ترى الأمور إمَّا جيدةً بكلِّها أو سيئةً بكلِّها، فليس هناك حلٌّ وسط؛ وأن تشعر أنَّك إمَّا أن تكون متميِّزاً للغاية، أو فاشلاً تماماً.

آثار الحديث السلبي مع الذات:

قد يُسبِّب الحديث السلبي مع الذات العديد من المشاكل في حياة الشخص، كما قد يُشكِّل عائقاً أمام ما يستطيع تحقيقه بشكلٍ فعلي؛ والنتيجة: فشله في العديد من النواحي نتيجة اعتقاده السلبي عن ذاته.

فيما يلي بعض الآثار السلبية التي قد تنتج عن الحديث السلبي مع الذات:

  • قد يؤدِّي الحديث السلبي مع الذات بشكلٍ دائمٍ إلى جذب مزيدٍ من الأحداث السلبية من حولك، فقد يجذب التفكير الدائم بالفشل مزيداً منه بشكلٍ فعليٍّ إلى حياتك.
  • قد يُسبِّب الحديث السلبي مع الذات ضغوطاً نفسيةً كبيرةً تتسبَّب بالإصابة بالعديد من الأمراض، مثل: الضغط والقولون والتهاب المعدة، وذلك بسبب ما يُعانيه الشخص من اضطراباتٍ عصبيَّة.
  • قد يؤدّي الحديث السلبي المُتكرِّر مع الذات إلى الإصابة ببعض الأمراض الجلدية التي تنشأ نتيجة التوتُّرات والضغوطات، مثل: الأكزيما، والصدفية.
  • قد يؤدِّي الحديث السلبي مع الذات إلى عدم قدرة الشخص على مواجهة الأزمات، والشعور بالتوتُّر والضغط النفسي بشكلٍ دائم، وفقد الثقة بالنفس والأشخاص المحيطين به.
  • قد ينتج عن الحديث السلبي مع الذات انتقاد الشخص لنفسه أو للآخرين بشكلٍ دائم، كما قد يدفع بالشخص إلى الخوف من مواجهة المجتمع وصعوبة التواصل مع الآخرين.
  • من آثار الحديث السلبي مع الذات: التذمُّر والشكوى من كلِّ شيءٍ في الحياة.

وأخيراً، يؤدِّي التفكير السلبي إلى البرمجة السلبية للعقل، والتي قد تصل بالشخص إلى مرحلة التدمير الذاتي.

شاهد بالفيديو: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/BmU-8HmN8R0?rel=0&hd=0″]

طرائق التخلص من الحديث السلبي مع الذات:

إنَّ التخلُّص من الأفكار السلبية والحديث السلبي مع الذات ليس بالأمر الهيِّن، وهو أمرٌ يحتاج إلى فترةٍ من الزمن، ولا يحدث في يومٍ أو يومين من المحاولة.

إن أردت أن تُوقف هذا الحديث السلبي والمُرهِق، فعليك أوَّلاً أن تُركِّز على تقبُّل ذاتك كما هي، ومن ثمَّ انتقل إلى الخطوات التالية:

1. تعرَّف إلى حواراتك الداخليّة:

وذلك من خلال قضاء عدَّة أيامٍ في الإصغاء إلى الحوارات التي تجري في داخلك، والتعرُّف إليها عن كثب.

  • هل أنت داعمٌ لنفسك؟
  • هل أنت ناقدٌ أم سلبي؟
  • هل تمتلك شجاعة قول تلك الأفكار والكلمات لأحبَّائك؟
  • هل هناك حواراتٌ مُتكرِّرة؟

حاول أن تكتب الأفكار السلبية الهامَّة أو المُتكرِّرة بشكلٍ دائم، فالتعرُّف إلى أفكارك التلقائية هو الخطوة الأولى نحو تغييرها.

2. راقب كلماتك:

حاول أن تختار بعنايةٍ كلماتك التي تستعملها، وتجنَّب دائماً التعميم والكلمات العاطفية؛ فبدلاً من أن تستعمل كلمة “كره”، استعمل كلمة “عدم الإعجاب”، الأمر الذي يجعل أفكارك تنطلق من منظورٍ أكثر واقعية.

3. بدِّل:

بعد أن تتعرَّف إلى حوارتك الداخليّة وتُراقب كلماتك وأفكارك، حاول أن تبدِّل الجمل السلبية التي تدور في ذهنك إلى أسئلة؛ فبَدَلَ أن تقول لنفسك “لن أستطيع إتمام المَهمَّة أبداً”، أسأل السؤال التالي: “كيف لي أن أُنفِّذَ المَهمَّة؟”. ستمكِّنك هذه الطريقة من تحدِّي الحديث السلبي والتخلُّص منه، فتُصبح أكثر قُدرةً على مواجهة أفكارك وأفعالك والسيطرة عليها.

4. التفكير الحيادي:

ويعني ذلك أن تُقابل كلَّ فكرةٍ أو حوارٍ سلبيٍّ مع ذاتك بآخرَ إيجابيٍّ في اللحظة نفسها، وبالتالي يحدث توازنٌ في التفكير، أو حياديةٌ تمنعك من التفكير السلبي، إليك بعض الامثلة:

الحديث السلبي مع الذات             التفكير الإيجابي
لم يسبق أن قمت بهذا العمل أبداً. إنَّها فرصةٌ لتعلُّم شيءٍ جديد.
إنَّه لأمر معقَّد للغاية. سأتعامل مع الأمر من منظورٍ آخر.
لن أستطيع القيام بأفضل من ذلك. سأحاول مرَّةً أخرى.
لا تُوجد طريقةٌ للقيام بذلك. سأُحاول القيام بذلك.

5. التحدُّث مع النفس كشخصٍ ثالث:

قد تجد هذه الطريقة غريبةً بعض الشيء، لكنَّها قد تكون فعَّالة في الحقيقة، حيث اكتشف باحثون من جامعة ميتشيجان أنَّ هذه الطريقة غير التقليدية يُمكن أن تُساعد في تقييم الحديث السلبي بسهولةٍ وتحييده. لا تُشِر إلى نفسك بضمير المُتحدِّث (أنا)، واستخدم بدلاً من ذلك ضمير المُخاطَب (هو) أو (هي)، أو استخدم (اسمك)، مثلاً: “يشعر محمد بالتوتُّر إزاء الاجتماع المُقبل”، بدلاً من: “أنا مُتوتِّرٌ من الاجتماع”.

ثبت أنَّ الأشخاص الذين استخدموا هذه الطريقة كانوا أكثر قُدرةً على التحكُّم بعواطفهم من أولئك الذين تحدَّثوا عن أنفسهم بصورةٍ طبيعية؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ استخدامك ضمير المُخاطَب أو حتَّى اسمك في الحديث السلبي يفصلك عنه، كما يمنحك وضوحاً يساعدك على التفكير بموضوعيةٍ وتعاطُف أفضل إذا ما تعلَّق الأمر بتجارب الآخرين مقارنةً بتجاربك الشخصية.

سيمنحك الحديث عن نفسك كأنَّك شخصٌ ثالثٌ القدرة على تقييم أفكارك كما لو كان صاحب المشكلة هو شخصٌ آخر، ويُمكن أن يُساعدك أيضاً في التخفيف من قلقك وتوتُّرك.

وأخيراً، عوِّد نفسك بشكلٍ يوميٍّ على مُمارسة التفكير الإيجابي وتوجيه رسائل إيجابيَّةٍ تُعزِّز مفاهيمك عن نفسك. قد لا تجد نتيجةً فورية، ولكنَّك ستلاحظ مع الوقت أنَّ تقبُّلكَ لذاتك أصبح أكبر من ذي قبل، وأنَّ حديثك السلبي أصبح أقل.

إنَّ التفكير الإيجابي واستخدامك التوكيدات الإيجابية، مثل: “أنا شخص ناجح”، و”أمتلك قدرات عظيمة”، وغيرها؛ لهُ أثرٌ كبير في حياتك وطريقة تفكيرك الداخلية ونظرتك إلى الأمور وتعامُلك مع المواقف.

تذكَّر أنَّ أفكارك تحت سيطرتك أنت وحدك، ومن المُمكِن ببساطةٍ توجيه تحدُّثك مع ذاتك إلى الاتجاه السليم، وستتحوَّل حياتك إلى تجارب مليئةٍ بالنجاح والسعادة.

بعض المقولات عن أهمية نبذ التفكير السلبي:

  • أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك، “جيمس آلان”.
  • سوف يجعلك التفكير الإيجابي تفعل كلَّ شيءٍ بشكلٍ أفضل، وسوف يجعلك التفكير السلبي تفعل كلَّ شيءٍ بشكلٍ أسوأ، “زيغ زيغلر”.
  • التفكير الإيجابي هو ما يمنح قُدراتك الحقيقة كامل الحرية والتصرُّف، بينما يُعيقك التفكير السلبي، “زيغ زيغلر”.
  • ستجني في النهاية ما تضعه في ذهنك، سواءً أكان سلبياً أم إيجابياً، “د. شاد هلمستتر”.
  • بمجرَّد أن تستبدل الأفكار السلبية بأفكار أُخرى إيجابية، عليك أن تبدأ مُشاهدة النتائج الإيجابية، “ويلي نيلسون”.
  • لا يُمكن أن تكون حياتك إيجابيةً وعقلك سلبي، “جويس ماير”.
  • أيُّ شيءٍ إيجابي أفضل من أيِّ شيءٍ سلبي، “إلبرت هوبارد”.
  • توقَّف عن قول هذه الأشياء السلبية عن نفسك، وانظر في المرآة، وحاول أن تَجِدَ شيئاً إيجابيّاً فيك، وكُن سعيداً لأجله، “تايرا بانكس”.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!