كن على طبيعتك ولا تهدف إلى المثالية

لن أنسى أول مرة خطر لي أنَّني ربما أكون انطوائية؛ كان عيد ميلادي الـ 25، وكنت نائمة في سريري ألتحف الأغطية في منتصف النهار، قلت لنفسي بينما وضعت سدادات الأذن الخاصة بي، مع العلم أنَّ الشقة كانت خالية: "هذا ليس سلوك شخص يحب التواصل الاجتماعي"، كنت قد دعوت بعض الأصدقاء المقربين الذين أحبهم كثيراً إلى عيد ميلادي. هذا المقال مأخوذ عن مؤلفة قصص الأطفال أنابيل بتشير (Annabel Pitcher)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تقبُّل طبيعتنا كما هي.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن مؤلفة قصص الأطفال أنابيل بتشير (Annabel Pitcher)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تقبُّل طبيعتنا كما هي.

ولكن كالعادة، بمجرد مغادرتهم، شعرت بالحاجة الماسَّة إلى أن أكون وحدي في الظلام وأنعم بالهدوء؛ لذلك غادر زوجي إلى النادي الرياضي، في حين اخترت أنا النوم لإعادة شحن طاقتي. 

قلت لنفسي: “ربما لا يضطر الجميع إلى الاختلاط بالآخرين”، كنت أحاول النوم كي أنعم ببعض الراحة؛ بعدما شعرت بالإرهاق من استقبال ضيوفي، كان ذلك اليوم أسوأ من المعتاد، خاصة بعد أن تضاعف إجهادي في التحضير لعيد الميلاد واستقبال العديد من الأشخاص في شقتي الصغيرة، وفي الساعة الأخيرة من حفلتي، كنت أعد الدقائق التي تفصلني عن الاختلاء بنفسي في غرفة نومي كي أنعم ببعض الراحة، وكأنَّني احتجت العزلة لأعود إلى طبيعتي، وأشعر بنفسي مجدداً.

وأنا جالسة في غرفتي المعتمة، فكرت أنَّ الناس لا تظهر عليهم علامات التبرم عندما يكونون برفقة الآخرين، وربَّما يستمتعون بحفلات أعياد الميلاد خاصتهم أو يحبون إجراء محادثات قصيرة، أو أنَّهم ربَّما لا يختبئون عندما يرون أشخاصاً يعرفونهم، أو أنَّهم قادرون على المشاركة في محادثة في جميع الظروف.

سخرت من نفسي على هذه الأفكار، فالناس ليسوا مختلفين عني؛ وذلك لأنَّنا نصاب جميعاً بالتوتر عند الاختلاط بالأشخاص، ويرغب جميعنا في الاختباء، وهذا ما كنت أخبر به نفسي لخمس سنوات أخرى.

كنت توَّاقة لأكون منفتحة واجتماعية دون عناء، وتوجد دلالات على ذلك، فقد أحببت اعتلاء خشبة المسرح، وكنت أجد السعادة في حضور الفعاليات الثقافية والتحدث عن رواياتي، كان في إمكاني إقامة حفل عشاء خاص بي ودعوة الناس إلى منزلي طوال الوقت، مع أنِّي كنت أتوجس منها لساعات قبل حدوثها، وأهرع إلى غرفتي بمجرد مغادرة ضيوفي؛ إلَّا أنَّني كنت أتمتع بحسن الضيافة على حد اعتقادي.

شاهد بالفديو: 7 مهارات اجتماعية تجعلك شخصاً محبوباً

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/LNQDk5jqqp0?rel=0&hd=0″]

حدث معي الأمر نفسه في الجامعة؛ فقد كنت أفضل البقاء في المنزل والقراءة، بدلاً من الذهاب إلى الحفلات مع أصدقائي، والمفارقة هي أنِّي كنت أتحول إلى شخص مُسلٍّ عند ارتيادها لشعوري بأنَّني ملزمة بذلك؛ لذا كنت أجامل الناس وأحادثهم، مع أنَّ صوتي لم يسعفني، فشعرت أنَّ عليَّ الصراخ ليسمعوني في جو الموسيقى الصاخبة.

أرهقني بذل المجهود، وكنت غالباً ما أشعر أنَّ رأسي سينفجر كلَّما تظاهرتُ بالضحك على مزحة لم أسمعها؛ وذلك لأنَّني كنت أشرد بذهني الذي يحاول تفسيرها ويخبرني بما عليَّ فعله بعد ذلك لأبدو أكثر اجتماعية، ونادراً ما كنت أركز بكامل جوارحي على ما يحدث أمامي، ولم أتمكن من ذلك إلَّا في منزلي وأنا اقرأ قصصي أو أكتبها؛ لذا شعرت بأنَّ الخيال أكثر واقعية بالنسبة إلي؛ وذلك لأنَّ حياتي الاجتماعية كانت كذبة.

كان في إمكاني الاستمرار في التظاهر لبضع ساعات في كل مرة، وفي الجامعة، كنت أدخل الحمام لأتمكن من أخذ استراحة من التواصل مع الآخرين، عندما انتقلت إلى لندن، كنت أذهب سراً إلى السينما بعد العمل؛ كي أتمكن من تأخير عودتي إلى المنزل الذي كنت أتشاركُ العيش فيه مع أصدقائي، وفي وظيفتي الأولى، كنت أقضي فترات استراحة الغداء وحدي أقرأ الكتب لتجنب ازدحام المقصف، وعندما كنا نسافر أنا وزوجي، كنا نتجنب الرحالة الآخرين وإجراء محادثات سطحية معهم كيلا نخرب على أنفسنا عطلتنا.

علاوة على ذلك، كنت أكتب روايتي الأولى في ذلك الوقت، وكنت أفضِّل قضاء ساعات طويلة في التواصل مع شخصياتي دون الغرباء، لكنَّني عملت بجد لإخفاء طبيعتي الانطوائية، حتى عن نفسي.

خلال الثلاثين عاماً الأولى من حياتي، لو سألتني أين أقع على مقياس الانطوائية والانفتاحية، لأجبت أنَّني في قمة الانفتاح، إذاً ماذا لو كنت هادئة قليلاً بيني وبين نفسي؟ في الأماكن العامة، كنت ودودة وواثقة من نفسي ومصممة على إظهار ذاتي؛ لكنَّ هذه كانت المشكلة بالضبط؛ حيث كان كل ما أفعله حباً بالظهور، وكنت أظن أنَّ الشخص الاجتماعي إنسان كفؤ؛ أعترف أنَّني وجدت صعوبة في ذلك، وكنت كأنَّني أخبر العالم بأنَّ فيَّ عيب بطريقة ما، أو أنَّني أدنى من غيري، هذا ما تعلمته في النهاية، وهكذا تظاهرت حتى لم يعد في إمكاني التظاهر.

في أواخر العشرينات من عمري، عانيت القلق والاكتئاب والإرهاق من المحاولة الفاشلة للارتقاء إلى النسخة المثالية من نفسي التي بنيتها في ذهني؛ ببساطة لم أستطع القيام بذلك ثانية واحدة، كانت الهوة بين هويتي التي قدمتها إلى بقية العالم وهويتي الجوهرية واسعة جداً، وكان عليَّ أن أفعل شيئاً لردمها؛ لذلك استشرت معالجاً نفسياً، ومارست التأمل والقراءة.

لقد تطلب الأمر مني كماً هائلاً من الجهد المضني والتعاطف مع الذات وإعادة التعلم؛ لكن يمكنني الآن القول بصراحة إنَّني تخليت عن الرغبة في أنَّ أكون أيَّ شيء آخر غير ما أنا عليه الآن؛ لذا أنا لست منفتحة، ولا حتى قريبة من الآخرين؛ بل أنا فخورة ومكتملة وانطوائية.

أحب الاختباء من الآخرين، وهذا أمر حسن؛ وذلك لأنَّه مقابل كل شيء يجعل الانطوائية صعبة، أُكافأ ألف مرة بالأشياء التي تجعلها سهلة، وتسمح لي طبيعتي الانطوائية بأن أكون مصغية وصبورة ومتعاطفة، وأن أتأثر بعمق بالشعر والطبيعة والفن، وأن أشعر بالجو العام للمكان أو مزاج أحد أفراد أسرتي، وأن أعرف غريزياً كيفية التصرف.

الغريب أنَّه يمكِّنني من أن أكون متحدثة عامة أفضل ومضيفة أكثر مراعاة؛ وذلك لأنَّني أدرك تماماً مستويات الملل لدى الآخرين، وتعني الانطوائية أنَّني أُسعد بالسفر بمفردي وأنَّني مكتفية ذاتياً ومفكرة وحالمة بخطط كبيرة، مما يدفعني إلى البحث عن الصمت والوحدة والروحانية، وفوق كل شيء، يعزز من شغفي الأكبر وهو الكتابة.

تدور أحدث روايتي: “السكوت سمكة ذهبية” (Silence Is Goldfish)، حول فتاة انطوائية تبلغ من العمر 15 عاماً، وهي أسعد فتاة على المعمورة، منعزلة كما ينعزل بلوتو في النظام الشمسي؛ بينما يريدها والدها أن تكون قريبة من الناس كما هو عطارد من الشمس، أمضت حياتها وهي تضع قناع شخصيتها المزورة لإرضاء الآخرين، حتى تكتشف سر عائلتها المدمر الذي يجعلها عاجزة عن الكلام، وتدور القصة حول كيفية إيجاد صوتها لتستطيع النطق مجدداً وأن تقبل نفسها الانطوائية.

إنَّه شيء أتعلم القيام به أيضاً، ففي عيد ميلادي هذا العام، في سن 34 عاماً، كان لدي أخيراً الشجاعة لتنظيم نوع الاحتفال الذي قد أستمتع به حقاً، فقد حجزت لنفسي في فندق ومنتجع صحي وقضيت 24 ساعة سعيدة في عزلة تامة، وشعرت بتحسن كبير.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!