كيف يجلب الامتنان السلام لحياتك؟

يمكن للشعور بالامتنان أن يعود بفوائد عدة، بما في ذلك تعزيز الصحة العقلية والبدنية وتحسين العلاقات، فنحن نميل إلى التفكير في الامتنان على أنَّه عاطفة نشعر بها عندما تسير الأمور على ما يرام، وأنَّه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلامة والرضا، ولكن هل يصبح ذا فائدة عندما تعصف بنا الحياة؟ هذا ماسوف نتعرف عليه من خلال السطور التالية.

يمكن للشعور بالامتنان أن يعود بفوائد عدة، بما في ذلك تعزيز الصحة العقلية والبدنية وتحسين العلاقات، فنحن نميل إلى التفكير في الامتنان على أنَّه عاطفة نشعر بها عندما تسير الأمور على ما يرام، وأنَّه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلامة والرضا، ولكن هل يصبح ذا فائدة عندما تعصف بنا الحياة؟

عندما درس الباحثون سبب جلب الشعور بالامتنان لمثل هذه الفوائد الواسعة النطاق، اكتشفوا أنَّ الامتنان ليس مجرد تفاؤل أو تفكير إيجابي، فقد يكون أحد الأسباب التي تجعل الامتنان فعالاً للغاية، هو أنَّه يساعدنا على التحكم بالمشاعر الصعبة تحكماً أكثر فعالية، فعندما نشعر بالامتنان، تتحسن قدرتنا على التعامل مع المواقف المجهدة والسلبية والمحبطة.

يقول هذا البحث إنَّ الامتنان لا يجعلنا نشعر بالرضا فحسب؛ وإنَّما له أيضاً فائدة مفيدة عندما تكون الحياة صعبة؛ حيث يميل الأشخاص الممتنون إلى التعامل مع التوتر بطرائق أكثر ذكاءً وإلى تنظيم مشاعرهم السلبية بمهارة أكبر، فيما يلي أربع طرائق يمكن أن يساعدك بها الامتنان على إدارة مشاعرك عندما تواجه تحديات في الحياة:

1. الامتنان والتوتر:

توجد مجموعة متنوعة من الطرائق التي يمكن أن تساعدنا على التكيف عندما نتعرض للضغط – بعضها أكثر صحة من الآخر – وتشير الأبحاث إلى أنَّ الامتنان قد يساعدنا على الاستفادة من الطرائق الأكثر صحة.

في دراسة أُجريت عام 2007 في مجلة علم النفس الاجتماعي والسريري (Journal of Social and Clinical Psychology)، سأل عالم النفس أليكس وود (Alex Wood) وزملاؤه 236 طالباً جامعياً عن مدى امتنانهم وكيف تَعاملوا مع الأحداث المجهدة عموماً، ووجد الباحثون أنَّ الأشخاص الأكثر امتناناً كانوا أكثر قدرةً على اتخاذ خطوات للتعامل بفعالية مع مشكلاتهم أو محاولة البحث عن الأمور الإيجابية مقارنة بالأشخاص الأقل امتناناً، بالإضافة إلى ذلك، كان الأشخاص الأكثر امتناناً أقل عرضة للتوقف عن محاولة حل مشكلاتهم وإلقاء اللوم على أنفسهم.

لماذا اختار الأشخاص الممتنون أساليب التأقلم الصحية؟ أحد الاحتمالات هو أنَّ الامتنان يقود الناس فطرياً إلى رؤية العالم بعيون متفائلة؛ حيث كتب وود وزملاؤه “قد يؤدي تصور العالم تصوراً جميلاً على الأرجح إلى زيادة الاستعداد للتعامل بفعالية مع المشكلات”.

بعبارة أخرى، يشعر الأشخاص الممتنون بمزيد من التفاؤل بشأن حل مشكلاتهم بنجاح؛ لذلك يقل احتمال تجنبهم لها أو الانسحاب منها.

يقترح وود وزملاؤه تفسيراً آخر محتملًا، وهو كيف تؤثر المشاعر الإيجابية في حالتنا النفسية، وفقاً لنظرية “التوسيع والبناء” (broaden-and-build) للأستاذة باربرا فريدريكسون (Barbara Fredrickson)، تساعدنا المشاعر الإيجابية – مثل الامتنان – على التفكير بطرائق أكثر إبداعاً وابتكاراً؛ مما يساعدنا على بناء الأمور التي يمكننا الاعتماد عليها عندما تصبح الأمور صعبة، إذا كان الامتنان يحفز التفكير الإبداعي، فقد يكون هذا هو السبب في أنَّنا نجد سهولةً في إضفاء لمسة إيجابية على الأحداث المجهدة أو السلبية؛ إذ وجدت دراسة استقصائية أُجريت عام 2009 على 201 طالب جامعي أنَّ المشاركين الذين كانوا أكثر امتناناً في بداية الدراسة، كانوا أكثر قدرةً على استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية للتعامل مع الإجهاد خلال الشهر التالي.

2. الامتنان ودعم الآخرين:

توجد استراتيجية أخرى للتكيف الصحي، والتي قد يعززها الامتنان، وهي البحث عن شبكات دعم، ففي الدراسة التي أجراها وود وزملاؤه، كان الأشخاص الممتنون أكثر قدرة من نظرائهم الأقل امتناناً على التواصل مع الآخرين في خضم التوتر، وتشير دراسة أجراها الباحث ناثان ديشرت (Nathan Deichert) وزملاؤه عام 2019 في مجلة علم النفس الإيجابي (Journal of Positive Psychology) إلى أنَّ الامتنان قد يساعد الناس على الاستفادة أكثر من هذا الدعم الاجتماعي عندما يتلقونه.

في هذه الدراسة الجديدة، كتب المشاركون في يومياتهم عن الامتنان أو عن موضوع محايد لمدة خمس دقائق، ثم خاضوا مهمة مرهقة – كإلقاء خطاب – حيث تلقى بعض المشاركين دعماً اجتماعياً وتغذية راجعة إيجابية في أثناء الخطاب – ووجد الباحثون أنَّ مستويات التوتر لدى المشاركين كانت في أدنى مستوياتها حين تلقوا دعماً اجتماعياً وكتبوا سابقاً عن الامتنان، مما يشير إلى أنَّ الامتنان قد يعزز الفوائد التي نحصل عليها من لطف الآخرين.

يقدِّر الأشخاص الممتنون الناس الذين يساعدونهم، كما يشير وود وزملاؤه؛ وهذا قد يفسر سبب سعيهم للحصول على الدعم؛ حيث ربما يعتقدون أنَّ الآخرين سيساعدونهم مرة أخرى في المستقبل، ووفقاً لنظرية عالمة النفس سارة ألجوي (Sara Algoe)؛ يتمثل جزء من وظيفة الامتنان في مساعدتنا على تحديد الأشخاص الذين سيدعموننا ويعززون علاقاتنا معهم؛ إذ يبدو أنَّ الامتنان يساعدنا على ملاحظة الأشخاص الموجودين في حياتنا لمساعدتنا.

3. الامتنان وردود فعلك للأحداث السلبية:

يبدو أنَّ الأشخاص الممتنين لا يمارسون عادات مفيدة عندما يواجهون الإجهاد فحسب، ولكن تشير الأبحاث إلى أنَّ الامتنان يغير أيضاً تجربتهم مع المشاعر السلبية.

في دراسة أجراها باولو بوجيو (Paulo Boggio) وزملاؤه عام 2019 في مجلة علم النفس الإيجابي (Journal of Positive Psychology)، أكمل 71 طالباً جامعياً تمريناً على الكتابة مرتين في الأسبوع لمدة أربعة أسابيع، فإما كتب المشاركون عن الامتنان أو كتبوا عن التجارب اليومية غير العاطفية، ثم عرضوا عليهم سلسلة من الصور الإيجابية والسلبية، بالنسبة إلى بعض الصور، وجهوا المشاركين لمشاهدتها فقط، وبالنسبة إلى صور أخرى، وجهوا المشاركين لمحاولة زيادة مشاعرهم الإيجابية – رداً على المشاعر الإيجابية – أو تقليل مشاعرهم السلبية – رداً على المشاعر السلبية – بعد تقديم كل صورة، أكمل المشاركون تقييماً موجزاً لمشاعرهم.

وجد الباحثون أنَّ المشاركين الذين كتبوا عن الامتنان لمدة شهر، كانوا أفضل في تقليل ردود أفعالهم العاطفية تجاه الصور السلبية، يقترح الباحثون أنَّ السبب في ذلك يعود إلى أنَّ الامتنان ربما ساعد المشاركين على تنمية “موقف إيجابي عام تجاه الحياة” أهَّلهم لحماية حالتهم العاطفية.

لكن ربما كان هناك شيء آخر يسبب ذلك؛ حيث ظهر نمط مهم في النتائج عندما نظر الباحثون في أنواع الكلمات التي استخدمها المشاركون في كتاباتهم، مقارنة بالمشاركين الذين كتبوا عن موضوعات محايدة، استخدم المشاركون الذين كتبوا عما كانوا ممتنين له المزيد من الكلمات المتعلقة بالعمليات المعرفية، على سبيل المثال، الكلمات التي يعبِّرون من خلالها عن رأيهم في الموضوع، أو الكلمات التي تتحدث عن السبب والنتيجة، ونظراً لأنَّ هذه الأنواع من الكلمات هامة في عملية إعادة تقييم الأحداث السلبية؛ يقترح الباحثون أنَّ المجموعة التي أظهرت الامتنان ربما كانت أفضل في صياغة الكلمات عند مشاهدة الصور السلبية، قد تكون استراتيجية تنظيم المشاعر الصحية هذه، والتي يميل الأشخاص الممتنون إليها، أساسية في مساعدتهم على إدارة مشاعرهم السلبية.

شاهد بالفديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/SOcw8jBPTiI?rel=0&hd=0″]

4. الامتنان والصبر:

تخيل أنَّك تتسوق لشراء منتج جديد وتحاول الاختيار بين نسختين منه: نسخة متاحة للشراء في سوق اليوم، وأخرى أرخص وأفضل عبر الإنترنت، ولكنَّها لن تصلك قبل بضعة أسابيع؛ فما المنتج الذي ستختاره؟

يُطلق علماء النفس على قدرة الناس على إدارة نفاد صبرهم وانتظار مكافآت أفضل في المستقبل اسم الإشباع المتأخر (delay of gratification)؛ إنَّه شكل من أشكال تنظيم المشاعر الذي يتطلب من الناس استبدال طرائق التفكير الأكثر عاطفية بأخرى أقل عاطفية، ومن بين الفوائد الأخرى، يميل الأشخاص الذين يحصلون على درجات أعلى في اختبار الإشباع المتأخر وهم أطفال إلى أن يكونوا أفضل في التعامل مع الإجهاد بعد البلوغ.

في دراسة أُجريت عام 2014 في مجلة العلوم النفسية (Psychological Science)، طلب الباحثون من 75 مشاركاً أن يتذكروا الوقت الذي شعروا فيه بالامتنان، أو الوقت الذي شعروا فيه بالسعادة، أو ما فعلوه في يومهم المعتاد، ثم اتخذ المشاركون بعد ذلك سلسلة من الخيارات بين المكافآت الصغيرة قصيرة الأجل – أي الحصول على أموال أقل ولكن عاجلاً – أو المكافآت الأكبر طويلة الأجل – أي الحصول على المزيد من المال لكن لاحقاً – على سبيل المثال، طُرِح السؤال التالي على المشاركين: “هل تفضل أن تتلقى 40 دولاراً الآن أو 55 دولاراً بعد 62 يوماً من الآن؟”.

وجد الباحثون أنَّ المشاركين الذين كانوا قد كتبوا عن الامتنان، كانوا أكثر عرضة لاختيار المكافآت الأكبر التي يتعين عليهم انتظار الحصول عليها لفترة أطول، مقارنة بالمشاركين في المجموعات السعيدة أو المحايدة؛ بعبارة أخرى يبدو أنَّ الامتنان يساعدنا على التحكم بصبرنا.

في حين أنَّه قد يبدو من التناقض التفكير في الأشياء التي نشعر بالامتنان لها في المواقف الأكثر إرهاقاً، فإنَّ الأشخاص الذين يقومون بذلك، يواجهون مجموعة متنوعة من الفوائد: التكيف الصحي، والشعور الأكبر بالدعم الاجتماعي، وانخفاض المشاعر السلبية، ونفاد الصبر؛ بعبارة أخرى، قد تكون الأوقات التي لا نستطيع التعبير فيها عن الامتنان تعبيراً طبيعياً هي بالضبط الأوقات التي نكون فيها بأمس الحاجة إلى ذلك.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!